قضايا

تأهيل المواطن المغربي بين الغوغائية واللامبالاة

عبد اللطيف مجدوب

من أبجديات الاقتصاد الاجتماعي والتنمية على كل المستويات أن العنصر البشري يعدّ المدخل الرئيس في الولوج إلى كل الأشكال التنموية؛ الاقتصادية منها والتكنولوجية. ولما كان للمواطن هذا الدور الحيوي في كل معادلة تنموية سارعت العديد من الدول، الماكرو اقتصادية Macro Economic منها والنامية، إلى تبني سياسة رائدة في مجال التربية والتعليم؛ ارتكزت على إعداد مواطنها وتأهيله وفقا لمنظور شمولي وإستراتيجي منفتح على سوق الشغل المستقبلية على المديين المتوسط والبعيد، يأخذ في الاعتبار أيضا إمكانات وقدرات البلاد إلى جانب توسع حاجياته التنموية؛ وهو توجه يؤكد عقيدتها في أن الاستثمار في العنصر البشري هو المقاربة السليمة في كل برنامج تنموي.

التعليم المغربي واجتراره للتجارب الفاشلة

هناك أرقام ذات دلالة عميقة في ما آل إليه التعليم بالمغرب، منها أن التلميذ المغربي يكلف خزينة الدولة ما بين 40 إلى 50 درهـما يوميا وأن نسب الهدر المدرسي تتصاعد كلما توجهنا إلى التعليم القروي فتصل بالكاد 20%، وهذا مؤشر آخر يمكن قراءته بفشل سياسة التعليم وتنافرها مع الواقع الاجتماعي والتنموي.

وما زال التعليم في راهنيته ومنذ عقود يحصد تباعا تجارب فاشلة، لوجود أعطاب بنيوية تعاني منها منظومة التربية والتعليم؛ كسوء التدبير وضعف الحكامة وانتفاء نظرة فلسفية أو تصور واضح لما يجب أن تكون عليه مواصفات المواطن المغربي في المستقبل، هذا فضلا عن تحكم النظرة البيروقراطية التي تقصي كل محاولة إبداع، إلى جانب السياسة الترقيعية المجردة من كل غيرة وروح وطنية صادقة... حتى غدت خصوصيات الأطر المهنية المغربية ـ في ظلها ـ ضعيفة غير مؤهلة ولا تفي بحاجيات المجتمع؛ يمكن معاينتها بوضوح وعن قرب لدى كل من الطبيب والمهندس أو التقني، وقيمة شواهدها غير ذات قيمة في سوق الشغل الدولية.

ضمور أدوار الأسرة المغربية

لوحظ منذ عقد ونيف وجود انحسار مهول في الأدوار التي كانت تضطلع بها الأسرة المغربية، سواء على مستوى تربية النشء أو في ربطها لجسور التعاون مع المدرسة. وقد زاد حجم اللامبالاة في تواصلها مع أبنائها، لا سيما في ظل هيمنة منصات التواصل التكنولوجية الحديثة عموما ووسائط التواصل الاجتماعي خاصة، إلى حد ابتلعت معها جل أوقاتها وأفقدتها ذلك الرابط الحميمي الذي كان يبعث على الحوار وحلقة لتلاقح الأجيال ومناسبة لتطارح القضايا والبت في مسارات ومواقف الأبناء... وكانت لهذه اللامبالاة تداعيات جد خطيرة على مسارات تنشئة الأطفال، من أبرز خصوصياتها الدلال وتضخم الأنا، ومواقف فجة وصاحب شخصية متذبذبة ونزقة قابلة للاصطدام كلما ابتعد عن أسرته وبيئته المحلية.

في المحصلة شخصية عنيدة ومتذبذبة

من خلال إلقاء نظرة فاحصة على الشارع المغربي عموما، وداخل المرافق الاجتماعية العامة، سنلاحظ وجود أنماط بشرية وسلوكية تختزن العداء والعناد في أوضح صورها، تبديها لأقرب احتكاك لها بالآخر، حتى إن عينات منها أصبحت تجسد عن قرب مجموعة من الأمراض المزمنة كداء العصاب والانفجار في وجه الآخر لأتفه الأسباب. أما إذا رُمْت إلى استقضاء أحدهم في حاجياتك؛ إدارية كانت أو اجتماعية أو خدماتية.. فثمة قضية أخرى قد لا تنتهي بسلام، أو تفضي بك في أحسن الحالات إلى الانتظار الممل إن لم يكن الإيقاع بك كصيد ثمين في الشباك، وما أكثرها في مجتمع غير مؤهل، معظمه يتداول الغش والاحتيال كعملة رابحة !