تحليل

ما الذي يريده المجتمع من السياسي؟

منار رامودة

لم يخطئ من قال بأن السؤال أهم من الجواب وبأنه عادة ما يحمل نصف الجواب. وبالحديث عن الأسئلة يبقى السؤال الأهم في هذه الفترة هو ما الذي يريده المجتمع من السياسي؟

في واقع الأمر ليس من الهين أن نجيب عن هذا السؤال لكن وفي نفس الوقت ليس من العسير أن نعبر أنت و أنا ونحن عن رغبتنا في أن نرى بلدنا كما نتمناه أن يكون وعن ما الذي نريده كمجتمع من السياسي.

الحقيقة أننا عادة كمواطنين نريد الكثير من السياسي بل ونتوقع منه وبكل سذاجة الأكثر وقد لا أبالغ إن قلت بأننا في بعض الأحيان نعتبره الرجل الخارق الذي سيحقق مطالبنا وسيدافع عنها بكل شرف ونزاهة , وليس في ذلك عيب إن كنا نضع ثقتنا في من يمثلنا ونحسن الظن به . وبالمقابل حين نجد بأن أبسط ما توقعناه ذهب مع الريح تنتابنا الصدمة لكن هذه المرة ليست صدمتنا بالسياسي بل بأنفسنا إذ ينطبق علينا حينها المثل المغربي القائل "الدجاجة غسلات رجليها نسات ما داز عليها " لأننا لم نتعلم الدرس جيدا من الذين غادروا قبله وتركونا نشكي ونحن شعب يتقن الشكوى بامتياز!

وقد يبدو جليا من الكلام المذكور انفا بأن هناك عدم ثقة بيننا كمواطنين وبين السياسي وهذا للأسف الشديد حقيقي للغاية .

إن أول ما نريده كمجتمع من السياسي أن يعيد رباط الثقة بيننا وبينه لأننا كمواطنين اهتزت ثقتنا به لأسباب عديدة ومختلفة ربما لأننا لدغنا من الجحر أكثر من مرة ولأننا وللأسف أصبحنا لا نؤمن بالوعود التي تنهال فوق رؤوسنا في فترة الإنتخابات وبمبدأ التسويف والتهرب من المسؤولية . إن المواطن البسيط المسكين يأتمن ممثليه على بلده وعلى حقوقه وعلى أحلامه التي لا تتعدى ربما الحصول على مكان داخل المستشفى حين يمرض أو في أن يجد من ينصفه حين يكون مظلوما. وفي نظري المتواضع لا سبيل للنجاح في أي مهمة إذا غابت الثقة بيننا وبين السياسي.

الضمير وما أدراك ما الضمير . إن الإنسان بلا ضمير لا يعتبر إنسانا والسياسي يحتاج قبل كل شيء إلى ضمير لأنه مسؤول أمام الله وأمام نفسه عن مطالب الشعب وذلك من خلال التعبير عن احتياجاتهم ومشاكلهم والدفاع عن حقوقهم لكن ما أصبحنا نشاهده ونشهد عليه في الآونة الأخيرة هو استهتار تام وتلاعب بالعقول ولقد أكد ذلك خطاب جلالة الملك محمد السادس نصره الله بمناسبة عيد العرش الثامن عشر حين حمل الأحزاب السياسية مسؤولية التنصل من أدوارها الحقيقية وعدم تقربها من الشعب ومن همومه. ويبدو أن غياب الضمير لدى السياسي هو مرض معد إذ تجده في معظم البلدان العربية بدءا بأبسط موظف في الإدارة العمومية وصولا إلى السادة الوزراء والبرلمانين .

وفي حال نسي السياسي معنى الضمير فلا بأس إن ذكرناه به وفقا لما جاء في القران الكريم "دكر فإن الذكر تنفع المؤمنين" صدق الله العظيم , تحدث الكاتب مصطفى لطفي المنفلوطي في كتابه "النظرات" عن الضمير فقال :

"هو شعور المرء أنه مسؤول أمام ضميره عما يجب أن يفعل. لذلك لا أسمي الكريم كريما حتى تستوي عنده صدقة السر وصدقة العلانية, ولا العفيف عفيفا حتى يعف في حالة الأمن كما يعف في حالة الخوف, ولا الصادق صادقا حتى يصدق في أفعاله صدقه في أقواله, و لا الرحيم رحيما حتى يبكي قلبه قبل أن تبكي عيناه, ولا المتواضع متواضعا حتى يكون رأيه في نفسه أقل من رأي الناس فيه"

التقرب من أبناء بلده. إن السياسي الذي لا يكون قريبا من أبناء بلده، غير شاعر بحالهم و ولا واع بهمومهم لا يقوم بدوره كما يجب. فالسياسي الحق يراعي فقر الفقير حين يقرر أن يرفع من أثمنة المواد الغذائية ويأخد بعين الإعتبار تلك الشريحة العريضة من المغاربة المتوسطي الدخل حين يقرر أن يرفع ثمن الوقود . إن السياسي في المغرب حين يقرر أن يكون قريبا من أبناء بلده ينزل للشارع ليأخد صورة مع الحلاق الشعبي أو مع بائع "السفنج" أو يسجل مقطع فيديو وهو بصدد الحديث مع الفقراء فينتشر هذا الأخير لكي يروج لصورته ولتواضعه! بينما في واقع الأمر التقرب من أبناء الشعب يجب أن يكون بعيدا تمام البعد عن الكاميرا حتى لا يتم إتهامه بالنفاق الإجتماعي .

المصداقية. من بين الأمور التي يريدها المجتمع من السياسي أن يحافظ على مصداقيته وألا ينسيه منصبه وكرسيه دوره الأساسي وأن يستخدم صوته من أجل الدفاع عن مصلحة بلده وعن أبنائه وأن يكون خير ممثل لهم.

صورة السياسي. لاشك في أن السياسي المغربي (مع عدم التعميم) قد فقد جزءا كبيرا وهاما من صورته أمام المواطن إذ أصبحنا نراه يتعارك مع نظيره ويتكلم بطريقة لا تعكس وزنه الفكري. لقد أصبحنا نرى السياسي يفقد بريقه وتأثيره على الناس واشتقنا للسياسي صاحب الشخصية الرزينة وصاحب الهيبة و الكلام الحكيم.

المواطنة. أخيرا وليس اخرا تأتي المواطنة كأهم شرط من شروط نجاح أو فشل السياسي ونحن لا نشكك في مواطنته لأنه وبدون شك ليس في حاجة لدرس في المواطنة, إنما هو في حاجة ماسة لأن يشعر بأنه معني بتطبيقها على أرض الواقع .