قضايا

موضوع الجنس عندنا

ابراهيم أقنسوس

يندرج موضوع الجنس عندنا ضمن المواضيع التي يكتنفها الكثير من الغموض والالتباس، ويحوطها الكثير من التردد والتوجس والجهل، ويتراوح النظر إليها بين القبول والرفض، البوح والكتمان، الإعلان والإخفاء، الرغبة والتقزز؛ وكلها متلازمات ومتقابلات تعني أن لدينا مشكلا في العلاقة مع هذا الموضوع، وأن هناك عوائق كثيرة، معرفية ونفسية، نعي بعضها، وقد لا نعي أكثرها، تحول دوننا ودون مباشرة موضوع الجنس بالشكل الصحيح والصريح والناجع.

ما هو الجنس عندنا؟ ماذا يمثل بالنسبة إلينا؟ هذا هو السؤال المفتاح، والسؤال الأول الذي يجب طرحه، ومنه يكون المنطلق لتحرير فهم سليم لموضوع الجنس، ومستوى علاقتنا به ومعه. والبحث عن جواب لهذا السؤال يفضي عندنا إلى رصد عينات وأشكال من التفاعل مع الموضوع، أذكر منها ما يلي:

العينة الأولى: بالنسبة إليها الجنس علاقة بين رجل وامرأة، زوجها في الغالب، يقصدها كلما احتاج إليها، وكلما أحس هو، لا هي، بالرغبة في المعاشرة؛ ويفضل أن تتم هذه العلاقة في الظلام، وفي اتجاه واحد، من الرجل إلى المرأة، فهو المعني بالعملية أولا وأخيرا؛ كما يستحسن أن تتم بشكل سريع، وتنتهي وينتهي منها الطرفان في دقائق معدودات. وتوصف هذه العينة عادة بالتقليدية.

العينة الثانية: وهي بعكس الأولى، وفي اتجاه مخالف تماما، الجنس بالنسبة إليها هو كل شيء، وأفضل ما يمكن أن يقوم به ويستمتع به الإنسان في هذه الحياة. ولذلك تجد كل اهتمامات عناصر هذه العينة محصورة في تلك العلاقة الحميمية..نظراتهم، أحاديثهم، حكاياتهم، ونكتهم، موضوعها الأثير دائما هو الجنس، وبالضبط تلك العلاقة، في تلك اللحظة. بالنسبة إلى هذه العينة الجنس يتحول إلى أم الرغبات، فكل علاقة مع امرأة، أي نوع من العلاقة، نظرة عابرة أو تحية، هي عندهم مسكونة بالهوس الجنسي. وبالطبع هذه العينة هي الأكثر إقبالا على المواقع الإباحية، والأكثر استهلاكا لمواقع التواصل الاجتماعي المعنية بهذا الشأن، وفي هذا الاتجاه.

العينة الثالثة: بالنسبة إليها الحديث في الجنس عيب وقلة أدب، ومضيعة للوقت، وكلام في ما لا يليق بالإنسان الشريف أن يخوض فيه؛ هي عينة تهرب من الموضوع بحجة الأخلاق، وعدم الاهتمام، ولا تريد وأيضا لا تستطيع أن تفصح وتعبر عن مشاكلها الكثيرة في هذا الموضوع. وكثير من الأزواج، ضمن هذه العينة، يعانون ما يعانونه، لعدم قدرتهم على البوح وعلى الصراحة المسؤولة في طرح الأعطاب التي تلازمهم في حياتهم الجنسية.

العينة الرابعة: وهذه تدبر موضوع الجنس عندها بشكل فردي أحادي، وتفضل أن تلبي رغباتها بنفسها، ومع نفسها، عبر أشكال الاستمناء وما إليه.. طبعا هذا نوع من الشخصية التي يريحها هذا النوع من التدبير لموضوع الجنس.

العينة الخامسة: هذه تختار تصرفا آخر في التعاطي مع الموضوع، وفي تدبير رغباتها الجنسية، من خلال بحثها عن المثل من نوعها الجنسي، سلبا وإيجابا؛ وهم من نسميهم عندنا بالمثليين، من الجنسين.

بالتأكيد هناك عينات أخرى، وتنويعات أخرى كثيرة، فالجنس موضوع مفعم بالأسرار والخفايا، لأنه في النهاية موضوع ذاتي حميمي في مجمله، لكن صعوبته تكمن في كونه يؤثر بشكل كبير على الحياة اليومية للرجل والمرأة معا، وقلما يتم طرحه بالشكل العلمي والهادىء والمفضي إلى إيجاد مخارج ترضي، وتسعد الطرفين. وكل الشرائح الاجتماعية لها معاناتها الخاصة مع موضوع الجنس، يستوي في ذلك الفقراء والأغنياء، المتعلمون والأميون، وأكثرهم لا يقوون على البوح والتصريح.

إن أول خطوة على الطريق الصحيح لمقاربة الموضوع بشكل علمي ودقيق ومسؤول هي بسطه بكل تفاصيله ومفاصله، والاعتراف بكل حالاته وحيثياته، وتقديرها جميعا، وتحليلها جميعا، حالة حالة، وعينة عينة، بعيدا عن لغة السب والشجب والتقريع.