فن وإعلام

هل ساهمت منطقة الغرب بالمغرب في مقاومة الاستعمار الفرنسي؟

العربي كرفاص

اِحتضنت المقهى الثقافي أمال بسيدي يحيى الغرب، إقليم سيدي سليمان، الجمعة 15 مارس الجاري، حفل توقيع كتاب "منطقة الغرب أي دور في مقاومة الاستعمار الفرنسي؟" للكاتب الدكتور عبد الله صدقي بطبوطي.

ويندرج تنظيم هذا اللقاء، في إطار تفعيل البرنامج السنوي لفرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، بشراكة مع شبكة المقاهي الثقافية بالمغرب.

وعرف هذا اللقاء حضور ثلة من المفكرين  والمؤرخين وعلماء الاجتماع والأنتروبولوجيا، وأطر من زملاء  المحتفى به من جيل السبعينات بثانوية ابن زيدون. فبعد الافتتاح الرسمي لهذا الحفل على إيقاع نغمات النشيد الوطني المغربي، وترديده من قبل الحاضرين، تناول الكلمة رئيس فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب الفنان المبدع طارق بورحيم، الذي أوضح سياق ودواعي هذا الحفل، مُرحبا في الوقت نفسه بجميع المدعويين، مؤكدا على أنّ فرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، كعادتها، تراهن على ثقافة الاعتراف وتكريم مجموعة من الفعاليات والأصدقاء بكافة أرجاء ربوع المملكة المغربية، وخارج أرض الوطن حتى.

 في مداخلة أولى، قدّم الدكتور بوعزة الخلقي للكتاب موضوع التوقيع؛ إذ نوه بالعمل  الذي قام به الكاتب، الذي يندرج، حسب رأيه، في إطار الأبحاث التي تُعنى بالموروث المغربي الأمازيغي  والحساني الذي نال حظه من البحث والدراسة. واعتبره إضافة نوعيه للباحث الأكاديمي أو للمشتغلين في المنطقة على نفس الموضوع، واستطرد قائلا بأن هناك شح في عملية التدوين والتوثيق لتاريخ المقاومة بمنطقة الغرب، وأنّ المنطقة لم تنل حظها. وتوقف كذلك عند بعض النقط التي تطرّق لها المؤلف، ومنها أن المقاومة بمدينة القنيطرة أجّلت تحرك المحتل من مدينة الدار البيضاء إلى مدينة فاس، وأن القنيطرة مدينة كولونيالية، حملت في البداية اِسم ميناء ليوطي (نسبة إلى الماريشال ليوطي)، وأنه من خلال الهندسة المعمارية  للمدينة، حاول المستعمر جاهدا طمس الهوية الدينية، خاصة عملية بناء المساجد، نظرا لدورها في إذكاء الحماس الوطني بين المواطنين. وأضاف أنّ مدينة القنيطرة اتخذت، حسب المؤلف، استراتيجية نضالية للحفاظ على اللغة العربية. و ختم الدكتور بوعزة الخلقي كلامه بأنّ الكتاب في غاية الأهمية، ويوثق للمرحلة ويستحق الإشادة.

 أما الدكتور الرفالية السايح، فقد عرف في مستهل مداخلته، بالمُحتفى به وبمسيرته الدراسية العلمية والأكاديمية، وعند استطلاعه لمحتوى الكتاب؛ أبرز أنّ الأبحاث حول المقاومة في منطقة الغرب ظلّت مغبونة ونادرة جدا، وأنّ المؤلف في عمله هذا، حاول مقاربة المقاومة في الغرب في تَحد كبير، نظرا لقلة الدّراسات حول هاته المنطقة وشحها، وأشاد المتدخل نفسه بروح العمل  المونوغرافي  الواردة في عمل الباحث، وقال في هذا الصدد، "إنّ روح العمل المونوغرافي واردة في كتاب الدكتور عبد الله صدقي بطبوطي، ذلك أنه أدرك ما يميز منطقة الغرب اشراردة بني حسن، فعمل على مقاربة المقاومة في هاته المنطقة، على الرغم من ندرة الدراسات والبحوث التي تناولت الموضوع فيما يشبه التحدّي والمغامرة"، وأردف موضحا، "المقاومة الغرباوية الحسناوية الشرادية على أهميتها وشراستها في مواجهة المستعمر ظلّت مغمورة ومغبونة ومقبورة ومتجَاهَلة، وبقي روادها محاصرين في هامش النسيان وزاوية اللامبالاة". وبخصوص شراسة وضراوة المقاومة الغرباوية الحسناوية الشرادية، يقول الدكتور الرفالية، ورد في البحث أنّ "ردود فعل الوطنيين المحليين على نفي المغفور له الملك محمد بن يوسف هو إحراق معمل الفلين في 22 غشت 1953، ونسف  القطار  الرابط بين الدار البيضاء ووجدة ". وتنويها بهذه الروح الوطنية العالية، للإنسان الغرباوي الحسناوي الشرادي فإنّ " الملك محمد الخامس عندما عاد من المنفى كافأ سكان المنطقة؛ إذ فتح أبواب السجن المركزي بالقنيطرة في وجه المعتقلين من المقاومين الوطنيين، فأطلق سراحهم وأهداهم الحرية، وقام المغفور له  كذلك بعدة زيارات للمنطقة، وأعطى انطلاقة برنامج الإصلاح الفلاحي بالمناصرة،  ودشن عملية الحرث الجماعي  بمدينة سوق أربعاء الغرب تنويها بالمقاومة، وتثمينا لدورها في مكافحة الاستعمار الفرنسي". وفي ذات السياق، عرَّجَ المتدخل على الصعوبات والعراقيل التي واجهت المقاومة الغرباوية الحسناوية الشرادية، ولم يتناولها الباحث في مؤلفه.

والكتاب، حسب الدكتور الرفالية السايح، أماط اللثام عن الدور المتميز والكبير، الذي اضطلعت به بعض الزعامات والقيادات النسائية إلى جانب المقاومين الذكور؛ حيث يقول أن المرأة الغرباوية الحسناوية الشرادية، كما ورد في البحث، كانت تقاوم إلى جانب الرجل، وهي ميزة مقاوماتية تفرّدت بها المقاومة في منطقة الغرب. وكشف البحث، حسب ذات المتدخل الدكتور الرفالية، كذلك عن قيمة المقاومة الغرباوية، بانخراطها المتميز في مشاركة مجموعة من الزّعامات  والقيادات في التوقيع على وثيقة 11 يناير 1944، وبأنّ  أحمد ستنتان هو من نقل وثيقة المطالبة بالاستقلال من فاس إلى القنيطرة.                                                                                                                    

 المداخلة الثالثة والأخيرة، كانت من نصيب الدكتور محمد بلاط بن قاسم؛ حيث أعرب عن رأيه  في هذا البحث التاريخي، السوسيولوجي والأنتروبولوجي، وما جاء في مداخلته يتقاطع بشكل كبير مع المداخلتين السابقتين، وأضاف بأنّ هذا البحث يردّ الاعتبار للمنطقة، فهو تطرق إلى كون المقاومة في المنطقة تصدّت للدخول الاستعماري، مما اضطر القوات الاستعمارية الفرنسية لإنشاء قاعدة عسكرية بالمهدية، مع أنه في البداية كان مبرمجا الانتقال من الدار البيضاء إلى فاس مباشرة. وأردف قائلا، بأنّ هذا الكتاب يُبرز الدور الكبير للمقاومة في منطقة الغرب بصفة خاصة، وفي المغرب بصفة عامة. وختم تدخله بالتساؤل التالي: من هو المسؤول عن التقصير في إبراز دور منطقة الغرب في مقاومة الاستعمار الفرنسي؟

 بعد ذلك قُدِّمت بعض الشهادات في حق المحتفى به، مع تقديم بعض الإضافات، التي لم تَرِد بين دفتي الكتاب موضوع القراءة  حول الدور الذي قامت به منطقة الغرب في مقاومة الاحتلال الفرنسي. وعلى إثر ذلك قُدّمت شواهد تقديرية لبعض الحاضرين من إعلاميين ومفكرين، مع التقاط صور تذكارية صحبة المحتفى به. 

 ولكي تكتمل الحلقة، كان لابدّ للمحتفى به، ومحور اللقاء الدكتورعبد الله صدقي بطبوطي أن يتناول الكلمة؛ حيث قذّم، بالمناسبة، شُكره لفرقة مسرح سيدي يحيى الغرب، وللمقهى الثقافي. وأعرب عن تثمينه لهذه الالتفاتة الإنسانية النبيلة والقيمة.

 بعد ذلك، فُسِحَ باب النقاش والتفاعل للحاضرين والمتدخلين؛ حيث التأمَت الآراء حول تفرّد هذا العمل، مع إمكانية مساهمته بشكل كبير في إغناء الخزانة الوطنية، واعتماده من طرف باحثين في التاريخ والأنتروبولوجيا والسوسيولوجيا، ودعا المجتمعون في هذا العرس الفكري  إلى تسمية بعض الأزقة والشوارع بأسماء مقاومين ومقاومات اعترافا لهم بالجميل، وتكريما لهم على تضحياتهم في سبيل تحرير أرض الوطن من الاحتلال الغاشم.

قبل إسدال الستارعلى هذا الحفل، وفي كلمته الختامية، نوّه الأستاذ المبدع طارق بورحيم بالعمل الذي قام به المحتفى به الدكتور عبد الله صدقي بطبوطي، وأثنى على جميع الحاضرين من متدخلين ومشاركين، ودعاهم إلى حفل شاي على شرفهم وشرف المحتفى به.