قضايا

في يومه العالمي... الشعر اختراق يقوم به المرء أحيانا لكي يبلغ المعرفة

كفى بريس

يحتفل العالم الخميس 21 مارس، باليوم العالمي للشعر، الذي كان سباقا إلى الدعوة إليه بيت الشعر في المغرب. وككل سنة تتعدد كلمات الإحتفال لشعراء العالم، وفي ما يلي كلمة الشاعرة الفرنسية نيكول باريير بهذه المناسبة:

أن أعبر الحدود وأن أتحدث عن الشعر، يعني أن أسقط في شرك أفعال حركة ما قبل السفر، أفعال الحلم والمقاومة واللقاء.

فعل الحلم هو بُعْدُ طوباوية القصيدة والخروج من المنفى للانضمام إلى الإنسانية الكبرى كما يقول بذلك ناظم حكمت.

فعل المقاومة هو أن يكون الشاعر شاهدا بكلمات غير الكلمات التي تستعملها وسائل الإعلام الضخمة، وغير كلمات صيرورة تنميط الخطابات.

فعل اللقاء هو أن ينطلق الشاعر ليبلغ في مسيره أراضي الرجاء التي لا حدود لها، أن يشعر بالإنسانية التي ترتسم عند الفجوات، في قلب تلك الفروق التي تمثل في الآن ذاته مكان ومنبع أحلام جديدة التي على الجميع أن يبنيها ويشيّدها.

تأتي بعد ذلك أفعال المعرفة والمحبة والرعاية.

الشعر اختراق يقوم به المرء أحيانا لكي يبلغ المعرفة. يجب على المرء اختراق الأصل ويقوم بالترجمة، لأن الترجمة توجد في صلب معرفة الآخر وشعره. إنها تتيح التعرّف على حساسيات مُغايرة وثقافات مختلفة كما تمكّن من فهم روح شعوب أخرى. إنها الأداة الأساسية في كل ضروب اللقاء.

المحبة والرعاية، إنهما ما يتولّد من المعرفة. إن المحبة والرعاية بالنسبة إليّ هو نشر شعراء العالم، هو التعريف بنصوص شعراء معاصرين، نصوص نساء شاعرات وشعراء يكتبون بلغاتٍ تتكلمّها الأقليات.

فهذا الحوار هو أيضا أرحبُ لأنه بفضل حضور وإشعاع شعراء مغاربة، انفتح كل الفضاء المغاربي، الجزائر وتونس، وليس هذا فقط بل امتدّ ليصل إلى مصر وبلدان أخرى ناطقة بالعربية. إنّ هذا الانفتاح يمكّن من التعرّف على شعوبٍ أخرى وعلى رُؤى للعالم أخرى تفرض مراجعة التصورات والأفكار والحساسيات.

كل هذا يُساهم في البناء الجماعي للعالمية، بمعنى إرساء حوار الشعوب فيما بينها، إرساء نقاش حول المنافي، كل المنافي، المنافي الجماعية للمهجَّرين والمهاجرين واللاجئين، والمنافي الفردية لكل واحدة وواحد منا.

بواسطة بعض الأفعال ومداراتها، أعتقدُ أنه بإمكان المرء أن يحدّد ويعرف ما يكون عمل الشاعر. ذلك العمل الذي يُعطي معنى للشاعر ويعطي معنى لمسؤوليته. يُبنى هذا الأمر بشكلٍ فردي على الصفحة البيضاء وبشكل جماعي في اللاوعي الغامض للعالم.

الشعر، لِيَكُنْ، لكن ما جدوى الشعر؟ إننا نعيش في عالم من البلبلة وضياع المعنى، هذه البلبلة وضياع المعنى ليسا أقدارا مُقدرة بل نتائج للأصوليات كما يحددها الفيلسوف الأمريكي الأسود كورنيل ويست والتي تتلخص في: النزعة العسكرية العدوانية، والنزعة التسلطية، والأصولية الاقتصادية، والعدمية.

إن دور الشعر هو أن يعارض بواسطة الكلمات منابع ومفعولات تلك الأصوليات، لأن النزعة العسكرية العدوانية قبل أن تكون استراتيجية وتدخلا على أرض الواقع فهي خطاب، ودور الشعراء هو أن يدعموا الحياة وأن ينهضوا بها عبر الحوار والتسامح وأيضا في خِضم المقاومة من أجل صيانة وحماية الأسس الكونية للإنسانية.

إن دور الشعراء أيضا هو أن يفتحوا حقولَ تفكيرٍ أخرى، وأن يُبدعوا وجهاتِ نظرٍ أخرى لمواجهة تسلط الفكر الأوحد وهيمنته. يقول كورنيل ويست: «عندما ينتابني الحزن، أغني البلوز»، وهو يعطينا بذلك دروسا رائعة في الفن الأفرو-أمريكي.

تلك الدروس إنما هي دروس في الالتزام ودروس في فكر البلوز، أي ذلك الموقف الذي يسمح للمرء بأن يحيا: في وجه كل ضروب المعاناة والإهانات التي عاشتها الشعوب المضطهدة منذ زمن الاستعباد، هذا الموقف يرد بالمأساة الساخرة كما لو أنها حركة ساخرة تزدري كل النزعات السلطوية والأصولية والعنف. إن هذا الموقف يخاطبنا جميعا، وسط العولمة التي تشتغل بنشاط، إنه فكر قائم على الأمل، إنه فكرُ الحياة الذي يقاوم كل الاستراتيجيات المميتة للعولمة.

إنه فكر متمرد، هو ذا الشعر الذي تفتح قوته على منافذ حقيقة وفرح التحاب/الانجذاب كما يعرفه عبد الكبير الخطيبي: «علاقة تسامح تحققت، وعلاقة تعايش معا، بين الأجناس والحساسيات والأفكار والأديان والثقافات المتنوعة»، كعلاج للعدمية.

أتمنى لكل شعراء بيت الشعر بالمغرب وشعراء العالم فرح الخيالات وفرح اللقاءات وفرح الإبداع في يوم الشعر، 21 مارس، اليوم العالمي للشعر.