بوشعيب الضبار: الكاريكاتير المغربي حاضر في الصحافة غائب في التلفزيون

ارتبط الكاريكاتير دائما بالصحافة، وهو من التعبيرات الفنية التي تلقى الإقبال من طرف القراء، الذين يجدون فيه انعكاسا لتفاعلاتهم مع المستجدات السياسية، لكونه ينوب عنهم في انتقاد الأوضاع والتناقضات التي تعج بها الحياة من حولهم.

وإذا كانت وسائل الإعلام قد لعبت دورا في التعريف بأهمية الكاريكاتير، فإن ذلك نابع من عمق إدراكها له، كفن خطير، تكمن خطورته في قدرته على مخاطبة كل أفراد المجتمع، مهما تباينت مستوياتهم الثقافية، لاعتماده على الكلام المختصر المفيد، وأحيانا لا يحتاج إلى تعليق، مكتفيا بالتلميحات الذكية والخطوط الجريئة، المسبوكة في قالب من السخرية.

لم يكن مسار الكاريكاتير سهلا في المغرب، منذ ظهوره على صفحات "أخبار الدنيا" لمديرها مصطفى العلوي في الستينيات من القرن الماضي، وما تبعها من عناوين، فقد انتصبت في وجه بعض ناشريه وممارسيه أيضا سلسلة من المتاعب، لا يتسع هذا الحيز لاستعراضها كلها.

يكفي أن نتذكر هنا، مثلا، اعتقال ابراهيم لمهادي، رسام "المحرر" في شهر غشت 1980، ومنع العربي الصبان من نشر رسومه، بين سنتي 1986 و 1987 في مرحلة أطلقت عليها "العلم" "فصاحة البياض"، وذلك بترك مساحته اليومية في الصفحة الأخيرة فارغة كنوع من الاحتجاج والتضامن معه.

حين كانت الدولة في سنوات الرصاص تعادي الكاريكاتير، كانت الصحافة المكتوبة بصنفيها المستقل والحزبي تحتضنه، وتشهره كسلاح في وجه بعض مظاهر الفساد السياسي.

بالنسبة لوسائل الإعلام العمومية، مازال التلفزيون المغربي يتعامل بحذر مع الكاريكاتير، كأنه منطقة ملغومة ممنوع الاقتراب منها، باستثناء بعض البرامج القليلة بمبادرات شخصية من مقدميها، مثل استضافة الرسام خالد الشرادي من طرف بلال مرميد في برنامجه السينمائي على قناة "ميدي 1 تي في"، ومشاركة لحسن بختي سابقا في بعض برامج القناة الثانية، وتخصيص إحدى حلقات "صدى الإبداع" في القناة الأولى لبعض ممارسي الرسم الساخر، مثل الصبان وناجي بناجي وبلعيد يوميد.

ولعل بعض مسؤولي الإعلام العمومي مازالت ترن في أسماعهم كلمة الملك الراحل الحسن الثاني، حين قال إن الكاريكاتير ليس من تقاليدنا، ولذلك يحاولون تجنبه أو الاقتراب منه، أو تقديمه ضمن النشرات الإخبارية اليومية.

حتى الآن، لا أحد يعرف لماذا تتجاهل معاهد الإعلام والصحافة في المغرب بدورها تدريس الكاريكاتير، رغم أن أهميته لا تقل أبدا عن الصورة أو المقالة، بل قد يفوقهما من حيث تأثيره وملامسته لتضاريس الواقع.

وإذا كان من فضل ل"الفايسبوك" حاليا على بعض الرسامين، فإنه كان النافذة التي أطلوا منها في البداية، قبل أن تحلق ريشاتهم اللاذعة في سماء الصحافة، ومن بينهم العوني الشعوبي القادم من المغرب العميق بموهبته التلقائية والواعية والمعبرة عن هموم الشعب، ومحمد الخو بلمساته الفنية التي تبرع في رسم "البوتريهات" الشخصية.

كل أصحاب هذه الأسماء وغيرهم من شباب الجيل الجديد، أضافوا الكثير لفن الكاريكاتير، مثل عبد الغني الدهدوه في مشاغباته اليومية، وهو الذي تتسم أفكاره بالذكاء والعمق في الطرح، والجمالية في التنفيذ.

ولعل هذا التطور هو ما جعل الحكومة تعترف في بلاغ رسمي بأن "إبداع الكاريكاتور لم يعد ترفا، بل صار مكونا أساسيا من مكونات أي مطبوع ورقي أو إلكتروني، يتحدى في كثير من الأحيان الأجناس الصحفية التقليدية المعروفة، ويحظى بمتابعة واسعة من قبل القراء".

هذا كلام الحكومة، لكن الأسئلة التي تفرض نفسها هنا، هي: هل هو تحول في موقف الدولة تجاه الكاريكاتير؟ هل أعلنت الصلح والهدنة معه بعد عمر من الخصام والمعاداة وجر بعض ممارسيه إلى ردهات المحاكم وغرف الاستنطاق ؟

هل إدراج الكاريكاتير ضمن الجائزة الوطنية للصحافة، ودعم وزارة الثقافة لنشر كتاب عن الكاريكاتير من تأليف الباحث إبراهيم الحيسن، مؤشر كاف للدلالة عن هذا التحول الذي لم يأت من فراغ، بل جاء نتيجة مطالب طرحت أكثر من مرة في لقاءات ومناسبات مختلفة ضمنها ملتقى شفشاون السنوي لفن الكاريكاتير والإعلام.

ثمة التباسات وتساؤلات من الصعب ربما الحسم فيها، مادام رسام الكاريكاتير في المغرب لا يتمتع بوضعه الاعتباري كاملا غير منقوص، بما يضمن كافة حقوقه في التعبير بحرية والعيش بكرامة، وفق شروط مهنية مريحة، كمبدع يقدم عصارة فكره وفنه لخدمة مجتمعه.

ورغم الانتعاش الحاصل في إقبال بعض المنابر على نشر الكاريكاتير، لا تزال هناك تحديات تتعلق في مجملها بظروف الاشتغال، وبالجانب المادي والمعنوي، وكذا بالهامش المسموح به في حرية التعبير.

صديقنا المرحوم محمد عليوات المشهور بلقبه الفني " حمودة" الذي مرت مؤخرا ذكرى رحيله المبكر في صمت، كان ينادي دائما بإعطاء رسام الكاريكاتير "جميع حقوقه المشروعة"، ويبدو أن هذا المطلب مازال اليوم ملحا ومطروحا بحدة.