رأي

محمد بهضوض: لا معنى لأن يتولى مثقف كيفما كانت مكانته رئاسة إتحاد كتاب المغرب أكثر من ولاية واحدة

كما هو معلوم اعلن الاستاذ عبد الرحيم العلام،  رئيس "اتحاد  كتاب المغرب" عن قرار استقالته في 28 من فبراير 2018, من  رئاسته لهذا الاتحاد، لأسباب عبر عنها في الرسالة.

وهو قرار حكيم، اذ تاكد، كما عبرت عنه في تعليق لي  على جدار المعني بالأمر.  ليس استنادا بالضرورة إلى  الأسباب التي أوردها في رسالته المذكورة (والتي اترك تقييمها للمعنيين بالأمر من الكتاب الأعضاء في الاتحاد)  ولكن إلى ما أراه شخصيا من  اسباب، أوردها، على سبيل المناقشة، فيما يلي:

اولا- أنه لا معنى لأن يتولى مثقف،  كيفما كانت مكانته اليوم، رئاسة الاتحاد أكثر من دورة او فترة انتخاب واحدة، والا تحولت معه هذه الرءاسة إلى ما اعتاد الاتحاد نقده نظريا، اي  إلى "استبداد ديموقراطي" (الشعب عاوز كدة).

ثانيا- أن الاتحاد بمفهومه الشمولي  الستيني، اي الذي يمثل كل مثقفي البلاد، قد انتهى منذ زمان. حيث لم يعد ، كما كان، يمثل اداة للصراع السياسي الثقافي  ضد الدولة (جبهة الاشتراكية والتقدمية ضد جبهة المخزن والرجعية).

ثالثا- لقد ذاب الجليد نسبيا بين الدولة والمثقفين،  وصل إلى حد: تعيين احد رؤساء الاتحاد (الاديب المحترم محمد الاشعري) وزيرا للثقافة،  ودخول مثقفين إلى دواوين وزارية، أو تعيينهم في مناصب عليا،  وتطور الدعم العمومي  للثقافة (الذي استفاد منه الاتحاد بسخاء)، بل وتمويل القصر ذاته لمقر الاتحاد الجديد، وما اليه.

رابعا- أن أشكال تنظيم المثقفين ذاتها تعددت،   إن لم نقل تشظت،  عبر العضوية  في منظمات عدة، لها تماس بشكل أو اخر، مع الدولة، ومنها العضوية في  مجالس وطنية او هيات مدنية او  لجان الدعم، أو انخراط في منظمات  حقوقية وممثليات مهنية او جمعيات ونوادي..، وما إليه.

خامسا- ان مواقف المثقفين أو الفنانين كذلك تعددت أو  تشتت، حيث أصبح بامكان كل مثقف أو فنان أن يعبر عما يريد بشكل مباشر، دون وساطة بالضرورة لاتحاد أو غيره، بوساءل  شتى (كتب، محاضرات، استجوابات، وساءل الاعلام، بلوغات،  شبكات التواصل  الاجتماعي...) .

سادسا- لذلك،  لم يعد هناك اليوم معنى لأن يقوم هناك اتحاد ذو طابع شمولي أو تنظيم عمودي، يضم جميع كتاب المغرب (دون أن ننسى أن العشرات منهم يعيشون في الخارج)، فما بالك ادعاء الحديث باسمهم. إذ لم نعد،   في مغرب  الحسن الثاني او عراق صدام حسين او ليبيا القذافي.!

سابعا-  كما أنه إذا كان طموحنا هو أن تتحقق  الديموقراطية فعلا في بلدنا، فلا يوجد، حسب علمي، اتحادات للكتاب في الديموقراطيات العريقة. نعم، هناك  تمثيليات مهنية محددة  في قطاع النشر والكتاب، ولكن لا تمثل شخصيات المثقفين أو آراءهم كجسد موحد، لأن المثقف لا يقبل الجمع.

من هنا أرى، في تقديري، انه ينبغي تجاوز المشاكل السطحية للاتحاد  المذكور، والتي عفا عليها الزمن. وهذا بالنظر  لارتكازها طويلا ، كما هو معروف، على صراعات شخصية أو اتجاهات/ توازنات حزبية معينة،  حقيقية او وهمية،  مازالت للأسف تنخر جسد الاتحاد.

لقد حان الأوان لتجاوز ذلك. وهذا بتحويل الاتحاد الحالي، في تقديري،  الى  "ملتقى وطني للثقافة" ( forum  national de la culture)، أو اسم آخر ،  يديره مكتب منتخب من مجلس وطني  مكون من  رؤساء الجمعيات الثقافية والفنية الوطنية ،  يتم انتخاب رءيسه لمدة 4  سنوات.

يكون دور الرئيس هنا  بالأساس التنسيق العام بين الجمعيات الثقافية والفنية (التي يبلغ عددها الان ، حسب علمي، نحو 9000 جمعية)، والدفاع عن مطالبها المشروعة، والقيام بلقاءات ثقافية مشتركة بينها، وتقديم تقرير سنوي عن أنشطتها (...).

ذلك، انه امام هذا الحشد من الجمعيات  الثقافية، لم يعد من المعقول أن يكون لنا (لاسيما في عصر العولمة واللامركزية والجهوية  والتشبيك...)، "اتحاد مركزي للكتاب". بل وجب أن تكون لنا في الواقع "تنسيقية أو ملتقى افقي للفعاليات الجمعوية الثقافية والفنية"، مستقلة تماما عن اي جهة سياسية معينة.

وباختصار، يحتاج اتحاد كتاب المغرب الى اعادة النظر في تنظيمه وأهدافه. اما الإبقاء عليه كما هو،  برءاسة العلام او غيره، فسيكون مجرد إصرار على  الاحتفاظ بجثة ميتة، او مواصلة استهلاك منتج قديم انتهت صلاحيته منذ زمان، لن ننتظر منه سوى "تلك الراءحة".