تحليل

حقوق المرأة العاملة في مدونة الشغل

عبد الرحيم الرماح

كتبت عن هذا الموضوع (حقوق المرأة العاملة في مدونة الشغل) عند بداية العمل بها في 8 يونيو 2004 الذي تزامن مع بداية العمل بمدونة الأسرة في 3 فبراير 2004. الآن وبعد أن تم الاحتفال باليوم العالمي للمرأة في 8 مارس 2019، الذي عرف هذه السنة تنظيم عدد كبير من الندوات واللقاءات من طرف المنظمات النقابية والأحزاب السياسية والجمعيات النسائية والثقافية والإدارات والمؤسسات العمومية، كما عرف كتابة عدد كبير من المقالات من طرف مفكرين ومثقفين ومهتمين، وهو ما يعكس الاهتمام الكبير للمجتمع المغربي بوضعية المرأة، وهذا شيء طبيعي باعتبارها تشكل نصف المجتمع ولكونها ما زالت تعاني العديد من أشكال الحيف والظلم، وفي أفق الاحتفال بعيد الشغل لهذه السنة، أعود إلى تناول هذا الموضوع من جديد.

في البداية أشير إلى أن جميع الكتب ومواد المدونة تتضمن حقوقا للمرأة إلى جانب الرجل، كما أن هناك حقوقا أخرى تخص المرأة فقط نظرا لطبيعتها وخصوصيتها تتضمنها 28 مادة وردت على الشكل التالي:

- نصت المادة 9 من الكتاب التمهيدي على منع جميع أنواع التمييز بين الأُجَرَاء، بما فيها التمييز بين الجنسين.

- ونصت المادة 40 من الكتاب الأول على حماية المرأة العاملة من التحرش الجنسي والتحريض على الفساد الذي قد تتعرض له من طرف المشغل أو رئيس المقاولة أو المؤسسة.

كما أن الكتاب الثاني من مدونة الشغل المتعلق بشروط الشغل وأجر الأجير تضمن عدة مواد تؤكد على حماية حقوق المرأة، وبالأخص الباب الثاني من هذا الكتاب الذي يبتدئ من المادة 152 إلى المادة 165، ومن ضمن ما جاء فيه:

- استفادة المرأة العاملة من فترة توقف عن العمل مدتها 14 أسبوعا عند الولادة، كما نصت على ذلك المادة 154.

- إمكانية الاستفادة من عطلة غير مدفوعة الأجر لمدة 12 شهرا لتربية مولودها باتفاق مع المشغل، كما نصت على ذلك المادة 156.

- إعطاؤها الحق في الاستفادة من ساعة في اليوم مدفوعة الأجر لمدة 12 شهرا لإرضاع مولودها، كما نصت على ذلك المادة 161.

- منع تشغيل النساء والأحداث ليلا إلا في الاستثناءات التي تُحدَّدُ بنص تنظيمي بعد استشارة المنظمات المهنية للمشغلين والمنظمات النقابية للأجراء الأكثر تمثيلا مع مراعاة عدة شروط تضمنتها مواد الباب الرابع من الكتاب نفسه التي تبتدئ من المادة 172 إلى المادة 178.

وقد صدر مرسومان في هذا الموضوع؛ الأول تحت رقم 2.04.568 حول تحديد الشروط الواجب توفرها لتسهيل تشغيل النساء في أي شغل ليلي، والثاني تحت رقم 2.04.682 حول تحديد لائحة الأشغال الممنوعة على الأحداث دون 18 سنة والنساء الأجيرات المعاقات– وقد تم ذلك بعد استشارة المنظمات النقابية الأكثر تمثيلا – حيث تم نشرهما بالجريدة الرسمية بتاريخ 3 يناير 2005.

- منع النساء والأحداث من القيام بأعمال لا تأخذ بعين الاعتبار قدرتهم على إنجازها كالأشغال في المقالع أو الأشغال التي تؤدى في أغوار المناجم، كما نصت عليه مواد الباب الخامس من الكتاب نفسه التي تبتدئ من المادة 179 إلى المادة 183.

ومنذ أن بدأ العمل بها في 08 يونيو 2004، ومع مرور حوالي 15 سنة إلى حد الآن، يتبين أن جل ما جاء فيها في حق المرأة العاملة لم يطبق على أرض الواقع، ويتمثل ذلك في:

- التلاعب في تجديد عقود الشغل دون مراعاة القاعدة الأساسية المتمثلة في إبرام عقد الشغل المستمر في حالة العمل المستمر وعقد الشغل المؤقت في حالة العمل المؤقت.

- استعمال عقود التدريب من أجل الإدماج عن طريق الوكالة الوطنية لإنعاش التشغيل والكفاءات بطرق ملتوية حيث لا يتم دمج المتدربات إلا في حالات محدودة.

- عدم توفر نسبة لا يستهان بها من النساء العاملات على بطاقة الشغل رغم أهميتها عند غياب عقد الشغل المكتوب لما لها من دور في إثبات علاقة الشغل.

- عدم توفير بيانات الأجر رغم ما لها من أهمية لعلاقتها بسلامة التصريحات في الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.

- عدم احترام الحد الأدنى للأجور، حيث نجد أن نسبة كبيرة منهن تتقاضى أجورا هزيلة مما ينتج عنه انعكاسات سلبية على أوضاعهن الاجتماعية.

- عدم توفر شروط العمل الصحية والضرورية في العديد من المقاولات التي يشتغلن بها وما يترتب عن ذلك من أضرار.

- عدم احترام ساعات العمل القانونية، حيث إن العديد من المقاولات تشغلهن لمدة تتراوح ما بين 10 إلى 12 ساعة في اليوم، الشيء الذي يعرضهن للعديد من المضايقات والاعتداءات بعد خروجهن من العمل في أوقات متأخرة، هذا دون أن ننسى أن هناك مقاولات تحترم القانون وتوفر للعاملات وسائل النقل أو التعويض عنها في الحالات التي يَكُنَّ مضطرات إلى تمديد فترات العمل عندما تفرض الضرورة ذلك، ودون أن ننسى أن المقاولة المغربية تواجه تحديات كبيرة من جراء المنافسة مع غيرها ولا يمكن التغلب عليها إلا عن طريق التعاون مع العمال والعاملات مع الأخذ بعين الاعتبار حقوق ومصالح الجميع بشكل متوازن.

ونشير إلى أن هذه الخروقات لا تمس فقط العاملات، بل تمس أيضا العمال لكون مقتضيات المدونة تعني العاملات كما تعني العمال، وهناك مقتضيات تعني فقط العاملات كما أشرنا إلى ذلك في بداية المقال.