رأي

عبد الإله الجوهري: حفيظ العيساوي، الصوت الجمعوي الصارخ في برية المحبة

ساحتنا السينمائية المغربية، ورغم ما قد يبدو من أجواء التوتر التي تخيم عليها بين الفينة والأخرى، نتيجة مشاحنات و مزايدات بين الفاعلين و المبدعين و النقاد، فإنها ساحة تضج بعمق المحبة وشساعة الود و العشق المتبادل، العشق الحافظ لهيبة و بيضة التواصل الخلاق، و الدفاع عن سينمانا في المهرجانات و الملتقيات، و كل المحطات الثقافية الفنية، وطنية كانت أو دولية، والفضل يعود في ذلك لأسماء خلاقة، أسماء وازنة و رزينة و عزيزة على جميع المهنيين والمثقفين و عشاق الشاشات السينمائية بالمغرب. و لعل الفاعل الجمعوي أو الصديق الصادق الصدوق حفيظ العيساوي، واحد من هؤلاء الاشخاص الأكثر احتراما ومصداقية، بالنظر لمساره الثقافي وحضوره الطاغي و قربه من نفوس كل مناضلي و مناضلات حركة الأندية السينمائية و عموم المشتغلين بالسينما و الفن بالمغرب

حفيظ العيساوي، الأمازيغي القادم من قلب اقليم تازة أصلا و فصلا، و الحامل لهويات متعددة متداخلة، حيث تتداخل فيها هويات مكانية، كمدينة فاس، التي عاش بها ردحا من الزمن و احب شوارعها و ازقتها و توحد مع اصالتها، و حاضرة سلا، التي أضحى ابنا من ابنائها المنافحين عن مكانتها و المساهمين في اشعاعها و رقيها الحضاري و الثقافي، و الرباط التي خبرت مواقفه الثقافية و جربت حضوره الدائم في أنشطتها المختلفة. اضافة لهويات ثقافية و علمية متداخلة، فهو الدارس و الأستاذ لمادة الرياضيات، و هو رجل الإدارة المحترم، أو الإداري الاكثر قربا من نفوس طلبة المؤسسات التعليمية التي اشتغل بها و مارس فيها قيم الوفاء لمهنة التربية و التكوين، و هو المتعمق في الثقافة السينمائية و الباحث عن جذورها الفنية و الجمالية، قراءة و مشاهدة، و هو المناضل في جمعيات مدنية عديدة متعددة، و هو كل ذلك و فوق ذلك، الحامل لمعاني الإنصات و التواضع و التواصل مع عوالم الحكمة و المعرفة و نباهة من يثق في ثقافتهم و حكمتهم و جرأتهم في فضح القبح والإنتصار لكل ما هو جميل.

حفيظ العيساوي، مناضل على الطريقة المغربية القحة، من حيث التفاعل و التوحد و البحث اللانهائي عما يخدم ثقافتنا الوطنية. علاقاته بحركة الأندية يعرفها القاصي و الداني، كفاعل ساهم في خلق العشرات من الأندية السينمائية بمدن و قرى المغرب، كما لا ينكر إلا جاحد، دوره في المسار الجديد للجامعة الوطنية للأندية السينمائية، الذي انطلق سنة 1992 من خلال الجمع العام الاستثنائي بمدينة تطوان، و وقوفه إلى جانب الأصوات المنادية بضرورة توسيع إشعاع هذا الاطار الوطني ليعم كل ارجاء المملكة، لتستفيد منه الاجيال الصاعدة، الأجيال التي أضحت هدفا سهلا لثقافة الاستهلاك و الخواء و التغريب الروحي و الفكري، فكان ان ساهم في تنظيم ملتقيات و لقاءات و ايام للفن السابع، مثلما ساهم في تنظيم دورات الجامعة الصيفية السينمائية، منذ الدورة الأولى التي احتضنتها مدينته الأليفة تازة، الدورة التي نجحت بفضل العيساوي و باقي المناضلين الأوفياء، المناضلين الذين لازالت صورهم و انجازاتهم حاضرة بقوة في ذاكرتنا الثقافية و المعرفية.

حفيظ العيساوي، تحمل مسؤوليات عدة في اروقة جواسم، لعل من اهمها رئاسة هذا الإطار في مرحلة جد دقيقة، مرحلة تكالب عليها أعداء النور من أنصار الظلام، محاولين إخماد جذوة المعرفة، مثلما حاول بعض ابنائها الخونة خنقها، مقابل مناصب واهية و مقاعد مسننة بجوار بعض اصحاب القرار و فراعنة الزمن الحالي.

نعم تحمل حفيظ المسؤولية مع بداية سنوات الالفية الجديدة، و تحمل النقد و الإنتقاد في كثير من الاحيان من الخصوم ورؤوس الفتنة و الخسران ، و في بعض الاوقات، حتى من الاصدقاء والأحبة و الإخوان ، لكنه استطاع امساك العصا من الوسط، كي لا يختل الميزان و ينفرط عقد جمعية كانت دائما نبراسا للمحبة و الثقافة و أعذب الألحان، فكان الذي كان، الخروج من عنق الزجاجة و الوصول بأقل الخسائر الممكنة لبر الأمان، فجاء ذلك كبرهان واضح، على حكمة هذا الرجل الاستثنائي، في زمن غير استثنائي، من حيث الردة و بيع البعض لذممهم و نفوسهم البئيسة التافهة بأبخس الاثمان.

رئاسة حفيظ العيساوي للجامعة الوطنية للاندية السينمائية بالمغرب، تميزت رغم دقة المرحلة، بخلق حركية و دينامية بديلة عن تراجع  و اندثار ثقافة عرض و مناقشة الأفلام على الطريقة التقليدية، بإنطلاق حركية خاصة، حركية تنظيم مهرجانات  و ملتقيات من طرف الأندية، و لتصبح الظاهرة طاغية، و تغدو اغلب النوادي تمتلك اليوم أنشطتها الخاصة و مهرجاناتها و ملتقياتها المتفردة، مهرجانات و ملتقيات رغم ما يمكن أن يقال عنها، فهي على الأقل تؤكد الوجود و تعمل على نشر الثقافة البصرية في العديد من المدن التي لم تعد بها قاعات سينمائية او فضاءات ثقافية ملائمة.

بين أكادير و مهرجان سينما الهجرة، و الناضور و سينما الذاكرة المشتركة، و سلا و سينما المرآة، لا تجد حفيظ  إلا غارقا في لجة التنظيم و التنظير و استقطاب الضيوف و العمل الشغوف بكل أدب و دآب، هنا و هناك و هنالك، يشتغل دون خلفيات مادية أو مكتسبات ذاتية ذاوية، اللهم خلفيات و مكتسبات الوفاء للاصدقاء و السينما ورفع راية الوطن عاليا، و تكريس عمق المحبة مع خلانه، من المسيرين و المشرفين الفاعلين: عبد السلام بوطيب و عزيز العمري و إدريس مبارك و عبد اللطيف العصادي، و كل من يقف وراء التنظيم من قريب او بعيد، لهذه المهرجانات. هكذا اضحى العيساوي، الروح التي تتنفس بها هذه الأنشطة، و االشرايين التي تغذي و تضخ دماء صافية خالصة، دماء الحياة الفنية و الإنسانية التي تمنح قوة و شبابا و مصداقية. لهذه المحطات السينمائية الدولية.

حفيظ العيساوي ليس مناضلا و كفى، بل كتلة من المشاعر الصافية، و صفحة مكتوب عليها آلاف عبارات التواضع و المحبة، و أفق انساني رحب مفتوح على عوالم الحكمة وغض البصر و غلق الفم عندما يهيم كل ضبع في فلاة تقطيع لحم الاصدقاء و الإخوة، بل درب يقود السالك نحو فهم معنى ان يكون الإنسان إنسانا، و معنى أن يصون المواطن هيبة الوطن عندما تجالس الأجانب و الغرباء..

شكرا حفيظ لأنك اعتبرتني صديقا لك منذ اول يوم تعرفت فيه عليك، و شكرا لأنك حملت مشعل جواسم لسنوات رغم ما قيل و يقال عنك، و شكرا لأنك ظللت شامخا رافعا للهامة رغم هبوب الأعاصير و اشتداد قوة الأنواء.. شكرا صديقي شكرا رفيقي بل شكرا اخي.