قضايا

الناطحون الجدد...

عبد العزيز المنيعي

الخطأ كل الخطأ أن نعتبر واقعة "النطح" و"البونية" في مجلس النواب، من الزلات التي إقترفها برلمانيون داخل المجلس الموقر.

بالعكس، فالواقعة صحية جدا، تترجم إنكباب البرلمانيين المغاربة، بصفتهم منتمين للمؤسسة التشريعية، على العمل الدؤوب في سن قوانين جديدة للممارسة السياسية، ناهيك عن إخراج المشاهد والمتتبع المغربي لجلسات البرلمان من رتابة النقاش والأسئلة الشفوية وردود الوزراء.

"الناطحون" الجدد، جعلوا من ذلك الحوار الوازن والكلام المرتب والإحترام الزائد، مجرد ترهات لا طائل منها، وأبانوا للمغاربة أن نوابهم أو بعضهم على الأقل، قد كشفوا عن هممهم وشمروا عن سواعدهم "بصح" وشرعوا في "نطح" بعضهم البعض تعبيرا منهم على النقاش المتطور و الحداثي والجدال السياسي الذي تجاوز لغة اللسان إلى لغة الجسد.

 فلم يعد مقبولا اليوم، أن يبقى البرلماني مجرد رجل تشريع، بل عليه أن يتجاوز ذلك إلى رجل شارع حقيقي، يحقق نسب مشاهدة مرتفعة محليا وعالميا.

ولعمري فإن "نطحة" برلمانية وازنة، لا يمكن أن يقف إنتشارها في حدود المغرب فقط، بل ستتجاوزه وستصبح رائدة مواقع التواصل الإجتماعية، وكل الشبكة العنكبوتية، وكل القنوات التلفزيونية العالمية التي تركز على "البوز"، و ليس أي "بوز"، إنها "نطحة" من الطراز الرفيع، تلقاها زعيم حزب سياسي أثناء إجتماع رسمي، ومن طرف نائب برلماني من الحزب نفسه، إنه دليل أخر على الصحة والعافية التي يتمتع بها نوابنا اولا، ودليل على حرية النقاش و الفعل داخل بعض الاحزاب المغربية.

"النطحة" من جهة و "البونية" من جهة اخرى، إنهما وجهان لعملة واحدة، عملة  الدفاع المستميت على النصيب من الكعكعة، و من لم ينل منها فعليه بالنية، و من لم يستطع فعليه بالنطح أو البونية، وذلك أبهى تجليات الدفاع عن الحق و الإستماتة في نيله ولو كره الأمين العام للحزب، أو زميلك في التنظيم فأنت احق بأن تكون لك الكلمة الأخيرة، عفوا اللكمة الاخيرة.

طبعا لا تهمنا هنا تفاصيل تلك النطحة، ولا ملامح "المدابزة بالبونية"، ما يهمنا هو أن يكون البرلمان المغربي قد دشن، عهدا جديدا من النقاش "الحقيقي" والسجال الجسدي الذي لم يكن باعثه سوى كما قلنا كعكة المناصب داخل المجلس. اما لو كان الامر يهم مشروعا أو قانونا أو مقترحا كان سيكون "الطايح اكثر من النايض"، كانت ستكون كارثة حقيقية لأن نوابنا الكرام الأشداء الاقوياء لا يرضون بغير الحق، وحق المواطن اعطونا دليلا على الإستماتة في الدفاع عنه، من خلال نموذج بسيط وهو مناصب المسؤولية داخل مجلس النواب.

تاويل اخر ممكن لواقعة "النطح" و "البونية"، وهي محاولة حل الخلاف حول لغات التدريس، بدل العربية أو الفرنسية أو غيرها من اللغات، الجسد يحل المشاكل ولغته ابلغ في إيصال المعلومة إلى جسد المتلقي..

ختاما رحم الله من كانوا يتبادلون الشتائم بالاداب و الصواب بسبب مشاريع القوانين ورحم الله من كان يرشح للمناصب بمعيار الكفاءة و ليس وبمعيار الحسابات الذاتية الضيقة..