تحليل

'كفى بريس' تتذكر أسطورة كرة القدم المغربية 'حميد الهزاز'...

مصطفى قطبي

لا يمكن لأي متتبع رياضي أو أي دارس للمشهد الرياضي المغربي، أن ينس أحد أبرز الحراس التي أنجبتهم الملاعب المغربية، 'حميد الهزاز'، نجم فريق المغرب الفاسي السابق والمنتخب الوطني المغربي، الذي فقدته الكرة المغربية يوم السبت 13 يناير 2018. الفقيد حمى عرين المنتخب في أزيد من 80 مباراة دولية، وحفر إسمه بحروف من ذهب في سجل الكرة الوطنية.

وإذ نتذكر الحارس الأسطورة، فإننا نكرمه من خلال الإشادة بما قدمه للكرة المغربية بعامة وكرة القدم الفاسية بخاصة... عبر حوار أجراه معه موقع 'كفى بريس' قبل وفاته، ومن خلال هذا الحوار يتعرف القارىء الكريم على ذكريات الحارس الدولي وأهم الطرائف الرياضية التي صادفته في مسيرته الغنية مع عمالقة كرة القدم...

يحتفظ حميد الهزاز كواحد من أبرز حراس المرمى الذين عرفتهم الكرة المغربية، بذكريات ساحرة عن ماضيه الكروي في مدينة فاس ومع أسود الأطلس. في 1962 برز حميد الهزاز ضمن فريق المغرب الفاسي، بعدما اكتشف المدرب عبد العزيز الدباغ مواهبه الكروية، إلى جانب وجوه رياضية أخرى كانت تمارس اللعبة في فريق أحياء مدينة فاس، وسطع نجمها في سماء الكرة الفاسية والوطنية والدولية، منهم الكزار والزهراوي والتازي وغيرهم.

ظل حميد الهزاز مرتبطاً بفريقه الأصفر إلى غاية 1984، ومكن دهاؤه الكروي من التحاقه عام 1967 بالفريق الوطني الرديف، وواصل مسار التألق بانضمامه سنتين بعد ذلك إلى الفريق الوطني الأول. حيث سيجري أولى مبارة له بالمنتخب الوطني ضد الفريق الوطني التونسي عام 1969 ثم مرسيليا في مباراة حبية ضمن الاستعدادات لتصفيات كأس العالم عام 1970. وكانت آخر مشاركة له مع أسود الأطلس ضد المنتخب الجزائري عام 1979. وإذا كانت صورة الرياضيين ترتبط في ذاكرة المتتبعين بما يقدمونه من أداء فوق أرضية الملعب، وما يحققونه من ألقاب، فخلف هذا الوجه الرياضي، هناك وجه آخر خفي، سنحاول سبر أغوار الحارس الدولي ' حميد الهزاز ' وننبش في ذكرياته... ولنترك العنان لمخيلته تتذكر ماضياً جميلاً مع عمالقة كبار وأخلاق عالية.

'لا زلت أتذكر قصة طريفة وقعت في شهر رمضان، حيث كان المنتخب المغربي مشاركاً في كأس العرب بدمشق سنة 1974، وكان آنذاك المدرب الروماني مندريسكو، فرض على جميع اللاعبين الإفطار بعد أن أفتى بعض العلماء بالمغرب بضرورة الإفطار ليظهر المنتخب بوجه مشرف، لكن لاعبين رفضا ذلك بقوة ولم يتراجعا، هما اللاعب ريتشا من النادي القنيطري، ومغفور من المولودية الوجدية، ولم يتراجعا عن قرارهما رغم صعوبة اللعب في ظروف صيفية مرتفعة الحرارة'.

ومن الذكريات التي لا يمكن أن تقفز من ذاكرتي، حادثة الطائرة سنة 1969، حيث كان المنتخب المغربي سينازل المنتخب السنيغالي للتأهيل لكأس العالم 1970، ففي رحلة الذهاب الإفريقية، كانت الطائرة ممتازة، لكن أثناء العودة بدأت الطائرة تتحرك بسرعة في السماء، وكان جميع من على الطائرة، يبكون ويستحضرون الموت أمامهم، وهنا كسّر اللاعب الفيلالي، لاعب المولودية الوجدية، كسّر هاجس الخوف والذعر عند الجميع، وقال لنا: لي عندو شي فلوس، أنا مستعد نوصلها لواليديه ' لن أنس هذا الموقف الدرامي الكوميدي.

ومما لا زال عالقاً بذاكرتي، أنه لما تأهلنا لكأس العالم 1970، حجزت لنا اللجنة التنظيمية، فندقاً من فئة نجمتين، هذا الفندق خرافي، حيث يقع في حي شعبي وبجانب الطريق العام، وأمام محطة الحافلات، ولم نعرف كيف ننام من كثرة الضجيج وأصوات الحافلات و الباعة المتجولون. وكان هذا الفندق المتواضع يحتضن الحفلات والأعراس بشكل دائم. ولم تستمر هذه المعاناة طويلاً، حيث انتقل المنتخب الوطني إلى فندق محترم بوسط المدينة تقطنه منتخبات كبيرة.

وتبقى من أجمل اللحظات التي عشناها بالمكسيك، ووقع فيها تحول، هي لحظة اقتراح المدرب الروماني مندريسكو، زيارة المنتخبات التي كانت ستلعب ضدنا، وهي ألمانيا والبيرو وبلغاريا، وهنا وقعت مشاداة بين المسيرين والمدرب، حيث قبلوا فكرة زيارة المنتخبين البيروفي والبلغاري، ورفضوا بشدة زيارة المنتخب الألماني، باعتبار أن أولى المقابلات ستكون ضده. لكن المدرب الروماني تمسك برأيه وأقنع المعترضين، وكانت لحظة لا تنسى، فعمالقة العالم الذين كنا نشاهدهم بالأبيض والأسود وكانوا كالأسود، نجالسهم ونأخذ صوراً معهم. وكان المنتخب الألماني جد مستغرب لهذه الزيارة قبل يومين من إجراء المقابلة. وللتاريخ فهذه الزيارة للمنتخب الألماني أزالت كل الرهاب الذي كان مسيطراً علينا، بفضل حنكة المدرب الألماني.

ومن الذكريات التي لم يكن أحد ليصدقها، حادثة قتل 11 من الإسرائليين، فقد تأهل المنتخب المغربي للألعاب الأولمبية سنة 1978 بألمانيا، وكنا نسكن بمدينة رياضية تضم جميع المشاركين، من بلدان عديدة، ومرّ علينا أسبوع بعد هذه الحادثة البشعة كسنوات، إذ تعززت الظروف الأمنية وأصبح الجميع مطوقاً بالإجراءات الأمنية.

لا زلت أذكر ونحن نشارك في كأس العالم بمكسيكو 1970، أننا كلاعبين كنا نخرج نتجول في المساء، بلباس مغربي، فكان المكسيكيون يتهافتون علينا لأخذ الصور معنا، وتوقيع الأوتوغرافات، لكن في أحد المرات، غيرنا ملابسنا، وارتدينا ملابس عادية، فلم يقترب منا أحد ولم يتعرف علينا أحد، ولم يطلب منا أحد أي شيء أو يعطينا هدية. فما كان منا إلا أن ارتدينا ملابسنا المغربية وعادت إلينا المعجبون من جديد.

أما الذكريات التي تتعلق بالسحر والشعوذة، فلازلت أذكر أنه قبل مقابلة المنتخب المغربي ضد المنتخب السنغالي بالسنغال، حذرتنا بعض أفراد الجالية المغربية بالسنغال، من أعمال السحر التي تدخل في طقوس بعض المشجعين السنغاليين، ولدى المنتخب السنغالي ساحر أو غرغري، يجلب لهم الانتصار بالتمائم التي يضعها بالملعب، وقبل المقابلة ذهب اللاعب المغفور، وبحث قرب الشباك وأمام الزوايا، وعثر على كيس كبير مملوء بالتمائم بوسط الميدان، فقذفه لخارج الملعب، مما أثار غضب الجماهير الغفيرة التي حجت لمتابعة المقابلة. وقد ربحنا المقابلة.

أما في غانا فكنا نجد تمائم وحجابات وتعاويذ في مستودع الملابس، وقد كان بعض السحرة يتبعوننا ويقرؤون طلاسم غريبة لنخسر المقابلة، والغريب أن بعض سحرتهم قبل المقابلة، نراه يقوم بحركات كلها طقوس شعوذة ورقص غريب.

أما ذكرياتي مع الملاعب الإفريقية، فأتذكر أن المنتخب المغربي أجرى بميامي بالنيجر مقابلة سنة 1974، وآنذاك لم يكن لهذه الدولة لا فنادق ولا ملاعب، الفندق يشبه الفندق ولا تتوفر فيه أيه ميزات وبقربه الملعب، وهذا الملعب حجري عبارة عن ساحة كبيرة، ومحاط بمحلات عشوائية للنجارة والحدادة  وبائعي الكرموس والكبال... فكنا نلعب على أنغام سنفونية هذه الكائنات العجيبة، ونفس الشيء وقع لنا بملاعب إفريقية بغانا وأثيوبيا والكونغو.

وبعد عودتنا من كأس العالم 1970، لازلت أتذكر أننا تسلمنا كتعويض وتحفيز على النتائج التي حصلنا عليها، مبلغ 4500درهم. وقبل ذلك كانت الجامعة قد اقترحت علينا أن نبق بالمكسيك نتابع نهائيات كأس العالم، لكن أجمع جميع اللاعبين على أن يعودوا للمغرب، حيث قضينا شهرين في التداريب وأجرينا آنذاك 6 مقابلات تجريبية.

بالإضافة إلى الذكريات السابقة، لا زلت أتذكر بعد نهاية مقابلة المغرب ضد بلغاريا بمكسيكو والتي انتهت بالتعادل إصابة في كل شبكة، أتذكر أن المدرب الروماني مندريسكو، بدأ يبكي ويقبل اللاعبين، ويقول لنا، أن هذه النتيجة تاريخية بجميع المقاييس.

ولابد قبل إقفال هذه الذكريات المشرقة في حياتي، أن أتذكر المعلم والأب والطبيب والمربي، المدرب عبد السطاتي، فهو من لقبني بالفقيه، حيث كنت معلماً، وانتشر اللقب وسيطر على إسمي العائلي والشخصي، فالمدرب السطاتي نشأ بالجزائر، وهناك ينادون المدرس بالفقيه.