قضايا

جوع الحنين

نجاة البوعبدولاوي بلهادي
تتداخل مع شهر رمضان ذكريات زمن جميل، ومعها يتضاعف الإحساس بالحنين والشوق إلى الأسرة ومحيطها الدافئ، إنه واقع لا يغادر حالنا نحن المغتربين، الذين لم تعتاد على الغربة والبعد عن الوطن..نحن المغتربين الذين اعتادوا على ممارسة طقوس وعادات جميلة تربينا عليها منذ سنين، وترتبط ارتباطاً وثيقاً بتجليات وروحانيات الشهر الفضيل..
بعيدا عن أحضانك استقبلنا شهر الصيام يا وطني وكأننا في خصام مع الذات التواقة لشوارعك المزدحمة ورائحة الحريرة التي تختلط بعبق التوابل، والشباكية  الغرير والمسمن والسمك والبوشيار وكل الأكلات الموحدة فيك يا وطني..اشتقت إلى أسوار المدينة القديمة وإلي زحمة الشوارع قبل الافطار وبعده وزحمة المقاهي بعد الافطار، اشتقت إلى أزقتك واحيائك...اشتقت لرفاقي وزملائي وجيراني وأهلي....اشتقت لشمسك الحارقة، وإلى البحر وإلى صراخ الباعة وزحام الحافلات وصراخ الباعة المتجولين سنعيش الشهر بين ظهران قوم يرى في جوعنا عقوبة ونراه عبادة وشتان بين الرؤيتين....
رغم بعدنا عنك يا وطني فنحن نلتقط قنواتك بحثا عن اللٌمة العائلية وجو رمضان هناك في مدينة الرباط مسقط رأسي وكل ذكرياتي أحن للحي الذي ولدت وترعرعت فيه، أحن  لوجوه لم ولن تفارق مخيلتي أبدا .. في كل صلاح في غربتي أبحث في شاشات تلفزيوناتك يا وطني عن مغرب يقل فيه الكذب والنفاق والتضخيم والتفخيم والتبجيل .. في كل يوم أبحث في شاشات تلفازك عن مغرب تركناه ذات يوم يغرق في جوع وطني, مغرب لا يكاد يستوي فيه المواطن بالمواطن والبيت بالكوخ والفيلا بالسرداب....في رمضان الغربة تفتش أعيننا عن مغرب رمضاني يلبس جلباب الرحمة والمحبة والغفران والتواب. ويتصالح مع الفقير والأرملة واليتيم ... في رمضان الغربة نتصفح خريطة البرامج بحثا عن مؤنس لوحشتنا في ليل طويل، لكن للاسف تلفازنا لا يخلو من وجوه أشباه فنانين لا يتقنون سوى الرداءة و " الحموضة " وثقل الدم ..في الغربة نتفتح التلفاز المغربي وكلنا أمل ألا ينبري أمام أعيننا مطربون وممثلون يقتاتون بالغناء والإشهار ويحشدون أموال الفقراء والمحتاجين.. 
بعيدا عنك يا وطني سنرى الهلال ولن تعقبه زغرودة الجارة فجارتي إسمها جاكلين وجاري الجنب يدعى شارل، هؤلاء يستغربون صيامنا فهم يعتبرونه جوع ونحن نعتبره عقوبة ونحن نعتبره عبادة وتقربمن الله ...
كما الأيتام حللت علينا يا شهر طفولتنا الغابرة، ونحن في الغربة نكتوي بنار الفراق .. نعم نحن نتحرق بعيدا عن وطن يحمل في بطن أرضه .. شبابه رحلوا من اجل العيش الكريم، شباب رحلوا بحثا عن البديل لانهم لم يجدوا مكانا على ارضك يا وطن .. وما تبقى من شبابك يا وطني إلتهمهم الفايسبوك واليوتوب والانستغرام....
يا وطني منذ هجرناك أصبحت هواتفنا هي التي تلحقنا بمغرب تركناه بحثا عن " التيقار " فإذا به يلاحقنا رغم أنفنا ويستوطن الأحشاء بين الضلوع ..
#أحبك_يا_وطني_رغم_جفائك💚💚💚