محمد بهضوض: دردشة رمضانية (12/30)

الدين (3/3)

*

الدين

 

يقودنا الحديث عن الأسطورة والاعتقاد مباشرة الى الحديث عن الدين، باعتبارهما من مكوناته الثلاث  إلى جانب  الطقوس. ما يفيد بأن الدين يتكون، في إحدى تعريفاته،  من:  قصص، تدور حول معتقد، ترسخه طقوس معينة.

 

بهذا المعنى، يمكن القول بأن الدين حقل مركب، يتضمن:  اولا،  "الدين" الذي هو جانبه النظري (الميتافيزيقا)؛ وثانيا، "الديانة" التي تمثل جانبه المؤسساتي والاجتماعي (الهوية الجماعية)؛ وثالثا "التدين"  الذي يشكل جانبه العملي او الممارستي .

 

وهذه الأقانيم قد تلتقي وقد تختلف. فالممارسة قد لا تنسجم مع الدين والديانة، والعكس صحيح. ومثاله الروحانية، التي هي مقاربة معينة للدين والعالم،  قد تقوم على ديانة معينة (مثل التصوف)  أو لا (البوذية، المادية الروحية، الزن...).

 

أما بشان أصل الدين، ففيما يرى المؤمنون أنه من عند الله، يرى المؤرخون ان فكرته تطورت من  "قوة غفل" لدى الشعوب الأولى، الى  "آلهة متعددة" لدى الحضارات الشرقية القديمة، الى "الإله الوحيد" لدى مجتمعات التوحيد.

 

لكن التطور لا يعني التجاوز، حيث مازالت جل هذه المعتقدات قائمة، ومتفاعلة مع عصرها. ومثاله أديان التوحيد التي تتأرجح اليوم بكل مذاهبها  بين ما هو صلب (الأصوليات) وما هو سائل (الروحانيات) وما بينهما من ألوان.

 

يبقى الأهم، وهو أنه فيما رأى  اوجست كونت أن الوضعية العلمية قضت على الدين، وتحدث آخرون عن موت الإله (نيتشه) ونزع السحر عن العالم (ماكس فيبر) الخ، يعود الدين، ومعه الروحانية، هكذا بقوة، إلى الساحة.

 

هل  هذا تعبير عن رشد أو تيه؟ هزيمة للحداثة أم انتصار للدين؟ النقاش مفتوح. وفي تقديري، الحداثة والدين والروحانية هي مقاربات  وموارد فحسب،  تكمن أهميتها في مدى قدرتنا على تصريفها الملموس، شرا أم خيرا، بناء أو تخلفا، تنويرا أم ظلاما.

 

  ما يفيد، أن الحل لا يوجد في النظر المجرد (الحداثة، الدين، الروحانية...) ولكن في "الحل الملموس للواقع الملموس". و"هنا طاح الريال"، كما تقول العامة!