محمد بهضوض: دردشة رمضانية (14/30)

السياسة (2/3)
***

الدولة

الدولة هي أداة السياسة. هذا، ان لم نقل أنها تجسد السياسة ذاتها، كما فرضت نفسها منذ نحو 10 آلاف سنة، فيما ذكر، بمعنى، أن الدولة مسألة "حديثة"، على اعتبار أن البشرية عاشت قرونا طويلة دون دول أو أمم.

بل وكشف الانثربولوجي ب. كلاستر (في كتابه "مجتمعات ضد الدولة")، كيف كانت بعض الجماعات تدبر أمورها بأنفسها. دونما دول أو رؤساء، معتمدة فحسب على تقاليدها الخاصة، على نحو ما عرفته جل مجتمعات العالم.

لكن الدولة أضحت أمرا واقعا، اقتضته ظروف انشاء المدن والإمبراطوريات ، كما أسلفنا. بل هذا ما تطور تاريخيا كي يأخذ ، خلال العصر الحديث، شكلا أكثر تنظيما وطموحا، على ما يبدو، هو: الدولة/الأمة.

وهو "بناء متخيل" بدأ في الغرب، قبل أن يصبح نموذجا يحتذى به في سائر أنحاء المعمور، فيما بعد. اعتمد أساسه القانوني عموما على ثلاث عناصر هي: وجود سلطة، على شعب معين، في مجال جغرافي محدد.

ما نتج عنه، منذ وقتها، نشوء عشرات الدول/الأمم، بلغت اليوم نحو 196 دولة/أمة. ومازال العدد في ارتفاع، بالنظر للطلب المتزايد على إنشاء دول مستقلة من القوميات أو الجهات أو الإثنيات، التي ترى أنها تستحق ذلك.

وفي هذا الصدد، اذا أمكن القول إن الدولة حققت، بفعل تنظيمها لشؤون الحكم، مكتسبات مادية (التقدم الاقتصادي والاجتماعي) ومعنوية (النحن، الهوية...) فقد أضحت اليوم تعيش تحديات صعبة، تهددها بالانهيار.

وهو تهديد يأتي من أعلى وأسفل: الأعلى، يأتي من العولمة والشركات المتعددة الجنسيات ومخاطر البيئة والهجرة...؛ والأسفل، يأتي من ارتفاع المطالب الجهوية والحقوقية والاثنية والتفكك الاجتماعي، وما إليه.

في هذا الصدد، تراوحت الاقتراحات لحل هذه الاشكاليات بين الحكم المحلي (سياسة القرب)، و"الحكامة الدولية" (الملائمة للعولمة) وما جاورهما. لكن السؤال هنا هو: ما مصير الديموقراطية في ضوء ذلك؟