رأي

عبداللطيف وهبي: الرئيس المنتشي

عندما لا يرضينا الواقع ندمن الخيال

بقدر ما كان رئيس الحكومة منتشيا، وهو يقدم حصيلة حكومته أمام ممثلي الأمة، بقدر ما كان المواطن يشعر بالاستفزاز، واقع معاش كارثي ورئيس حكومة منتشي على هذا الوضع.

فرئيس الحكومة، ظل يوزع الابتسامات ونظرات السرور يمنة ويسرى على برلمانيي الأمة، متأكدا من إنجازاته، وكأن الرجل أنقد العالم من هلاكه، لدرجة أن الانتشاء جعله ينسى التاريخ، بل يستغبي المواطنين، وينسب كل الأعمال وكل الأوراش الموجودة في المغرب إلى حكومته، فرغم أن ملك البلاد هو من أمر بأداء مبالغ الضريبة على القيمة المضافة، ودعا لخارطة طريق دقيقة لقطاع التكوين المهني، والقيام بإعادة هيكلة شاملة وعميقة للبرامج والسياسات الوطنية في مجال الدعم والحماية الاجتماعية، وطالب الإسراع بإخراج الميثاق الجديد للاستثمار، وبتفعيل إصلاح المراكز الجهوية للاستثمار، والتعجيل بإصدار ميثاق اللاتمركز الإداري داخل أجل لا يتعدى نهاية شهر أكتوبر، وغيرها من القرارات الملكية الدقيقة وفي مجالات مفصلة، فإن السيد الرئيس المنتشي نسب كل هذه الملفات لحكومته، بل حتى برنامج صناعة السيارات الذي جاءت به حكومة جطو من قبل، نسب نتائجه لنفسه، وغيرها من الملفات والقرارات التي أمر بها الآخرون، والرئيس المنتشي نسبها لعبقريته.

لقد كان رئيس الحكومة سعيد جدا، وكان يتحدث عن منجزات حكومة سحرية، في بلاد سعيدة، وعن شعب أتخمته المنجزات، متناسيا أن البلاد ومنذ اعتلاء الملك العرش، دخلت في أوراش مهيكلة كبرى، كميناء المتوسط، والرفع من وتيرة الطريق السيار، وإحداث هيئة الإنصاف والمصالحة، وقطار البراق وغيرها من الأوراش الشاهدة على نفسها والتي لمسها المواطن عن قرب، بينما منذ 2011 ماذا فعل المنتشون سوى توزيع الوعود السياسية يمينا ويسارا؟ والأخطر من ذلك هو اعتقادهم أن حضورهم يبنى عليه استقرار البلد، وكأن المغرب وجد بوجودهم، وتألق بحضورهم.

إن الرئيس المنتشي لم يستطع أن يقول الحقيقة، على الأقل لنفسه، الحقيقة الساطعة في حجم الإضرابات والمظاهرات اليومية بالشوارع، حقيقة فشله في تمرير قانون ساهم في وضعه داخل الحكومة وفشل في تمريره داخل البرلمان، حقيقة الركوض الاقتصادي الخطير، حقيقة الاحتقان الاجتماعي والحقوقي الذي سار يكبل سير المغرب، حقيقة متابعة الصحفيين واعتقالهم، حقيقة متابعة رفيق دربه في السياسة والحزب، وحقيقة سجن شباب في عمر الزهور احتجوا بالريف، ولم يقدم لهم حتى حدود الآن أي جواب على مطالبهم التنموية، وكان الأمر لا يهمه إلا أمنيا.

لقد انتظرنا من الرئيس المنتشي أن يحدثنا عن الصورة الحقوقية السوداوية التي باتت لبلدنا في مختلف التقارير الدولية والأممية، وعن ضعف الاستثمار، وعن انفجار الوضع الاجتماعي، وانهيار خدمات الصحة والتعليم، وعن أغلبية مفككة تتطاير شذرات صراعها يوميا، بينما هو يردد أن لا خلاف وسطها، رغم أن الجميع يعلم أن رؤوسا يانعة داخلها ويعجز حتى عن الإشارة لها بالأحرى قطفها، فقط الرئيس المنتشي يسر على العمل بمقولة (لا بأس بشيء من الخيال طالما أنه سيشعرنا بالسعادة).

لقد كان انتشاء الرئيس لا يثر الغضب فقط، ولكن يثير الشفقة كذلك، شفقة المفارقة الصارخة بين حصيلة الخطابات وبين الواقع، بين حياة المواطن وبين حكومة فاقدة للبوصلة، تعيش كالنعامة التي تخفي رأسها في الرمال، وكان الجهد الوحيد الذي قام به الرئيس المنتشي هو عبئ قراءة تلك الأوراق التي كتبت له.

فيكفينا انتشاءك الرئيس، وانتشاء رفاقك في البرلمان، انتشاء عكسه حجم تصفيقهم بحرارة، فأدركت حينها أن التصفيق لم يعد "مكروها" في الإسلام، ألم تقولوا أن سلفنا الصالح إذا أعجبهم شيء كانوا "يكبرون أو يسبحون" ولا يصفقون؟ بل لم يعد يرددوا مع المتشددين "أن التصفيق حرام لأنه من أعمال المشركين والجاهلية"، فكل ذلك لا يهم، فالمهم انتشائكم، أما أمور الدولة التي تسيرها الحكومة فلا عليكم، وأما المواطنون فيكفيهم انتشائكم، وأما الوطن في نظركم فيكفيه الانتشاء وليس الكثير من العمل والبكاء.