قضايا

سكيزوفرينيتنا العمياء: بين السلوك التديني والسلوك الجنسي

المهدي بسطيلي

يتصور كل مغربي مسلم أن للإسلام أركانا خمسة لا يستقيم إلا بها، وركن الصلاة أولها، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن يتساهل مع من يتخلى عن ركن الصوم الذي أصبح طقسا دينيا اجتماعيا بمجتمعاتنا، ويعتبره "كافرا"، ويمكن أن يتساهل مع من لا يصلي ويطلب له العفو والتوبة. ألا تبدو هذه حالة من السكيزوفرينيا؟.

يحيل ذلك على فهم للمحتوى والمضمون الديني في اعتبار الفرد المغربي، الذي يتخذ من فهمه لهذا المحتوى حتى لو كان ضيقا العين التي ينظر بها إلى كل الأمور والقضايا باختلاف مجالاتها، ولا يقبل النقاش في نظرته التي يعتبرها الصواب الذي لا يقبل النقاش.

إن المغربي يعتبر النص الديني مقدسا لما له من هالة، ويجعل من تصوره حبيس فترة من الزمن، يحن من خلاله دائما للعصر الذهبي الذي عاشه المسلمون، ويحن باستمرار لهذا المجد العالق بالماضي. هذا في نظري ما جعل من الفرد المغربي إنسانا بذهنية الماضي والحاضر.

هي إشكالية التقليد والحداثة التي لم يستطع الفرد المغربي أن يجد لنفسه تموقعا فيها، وهو جزء آخر تحضر فيه مسألة العلمانية التي لم نستوعب معناها أصلا ودخلنا في نقاش حولها، واستطاعت بعض الإيديولوجيات أن تسوقها للذهنية المغربية في صورة بشعة.. وصل الأمر بالبعض إلى ربطها بالإلحاد والخروج عن الدين...فما إن تتحدث عن العلمانية إلا وتجد نفسك متهما في عقيدتك ومحط شكوك تعتبر بمثابة ضريبة الخروج عن النسق.

إن الفرد المغربي يستدعي الإسلام الشعبي في كل محطات حياته، وحتى في المسألة الجنسية، كما تحدث عن ذلك أساتذتنا؛ فهو يتعامل بنوع من الانتهازية الخطيرة جدا.. ألا نحرم الممارسات الجنسية خارج مؤسسة الزواج، ونستدعي النص الديني من خلال تأويلاته باستمرار لهذا التحريم؟ وفي الوقت نفسه هناك إقبال على المحفزات الجنسية، بالإضافة إلى الاستهلاك الخطير لموانع الحمل بشتى أنواعها، لأن الفرد المغربي يعتبر علاقته الجنسية الشرعية محكومة بشروط الحياء كما يتمثله هو، ويرفض كل محاولات النقاش من أجل متعة جنسية للطرفين، رغم حاجته المشتركة إلى ذلك، ويبحث في المقابل عن متعة جنسية مع طرف آخر خارج العلاقة الشرعية، وقد يتقبل كل أنواع المتع الجنسية ويحللها حينها، ولعله تناقض خطير يعاني منه وينعكس بالضرورة على علاقته الأسرية.

كما أن المغربي منذ بلوغه يجد نفسه مطالبا بفتح غزواته الجنسية الخاصة، والاستمتاع بعلاقته الجنسية مع نساء مختلفات، وعليه أن يبحث في آخر المطاف عن أنثى حافظت على جسدها الذي لا تملك الحق فيه، وينادي بحقه المشروع في جسد طاهر بمعنى ما يتصوره، ويطلب الضمانة المتمثلة في عذرية الأنثى. ولعل هذه الممارسات وهذه الثقافة الجنسية لا يمكن أن نحمل الذكر المسؤولية عنها حتى نختلف عن النقاشات التي تدعي حمل قضية المرأة، بل إن الثقافة هي التي رسمت حدود هذه الممارسات وجعلت منها قانونا اجتماعيا. وللأسف فقنوات التنشئة الاجتماعية تعمل على تمرير هذا القانون الذي جعل للمجتمع أدوارا وقوالب جاهزة يلجها كل من الذكر والأنثى منذ الطفولة.

أتذكر في طفولتي أن الوالدة روت لي أسطورة "عايشة قنديشة"، وطلبت مني ألا أغادر البيت ليلا لأن الأخيرة تخرج وتقتل كل ذكر، وأنا أتساءل منذ ذلك اليوم ما سر هذا المخلوق الأسطوري؟.

في حقيقة الأمر "عائشة القديسة" كما روتها الأسطورة في حالتها الأولى كانت امرأة في غاية الجمال، وشاركت في المقاومة ضد الاستعمار الفرنسي، وكانت تخرج ليلا لتهاجم الجنود الفرنسيين، وكانوا ينعتونها بالقديسة لجمالها وشجاعتها، لكن الذهنية المغربية شوهت صورتها، فأصبحت قبيحة رغم جمالها لأنها ولجت عالم الرجال وحملت السلاح.

نحن ندعي الحداثة باستمرار وندعي الحقوق وغيرها من المفاهيم الرنانة، لكن يتضح أن هذا لا يتجاوز الشكل، وربما حتى نخبتنا المثقفة، التي تدافع باستماتة عن مطالب الحداثة، لا تعمل بها في حياتها الخاصة، وكأن المسألة تتعلق باستعداد فطري لتقبل هذه التمثلات، إنها قوة الثقافة.