تحليل

أضواء على النظام الجديد لموظفي الأمن

عزيز لعويسي

بعد المكتسبات المادية (الرفع من الأجور) والاجتماعية (إنشاء مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني) المحققة غضون سنة 2010، ستكون هيئة الأمن الوطني على موعد مع نظام أساسي جديد، تم تنزيل مقتضياته عبر المرسوم رقم "2.19.429" الصادر في 18 رمضان 1440 (24 ماي 2019) بشأن النظام الأساسي الخاص بموظفي الأمن الوطني (الصادر بالجريدة الرسمية عدد: 6781 بتاريخ 27 ماي 2019)، وهو نظام جديد من شأنه صون الحقوق وتعزيز لبنات المكتسبات المادية والوظيفية لنساء ورجال الأمن الوطني، بمن فيهم "الأطر المشتركة بين الوزارات" (التي ستختار الإدماج في أسلاك الشرطة)، بتمكين هذه الفئات من الموظفين من الاضطلاع الأمثل بواجباتها المهنية متعددة المستويات، وفي طليعتها صون أمن واستقرار الوطن والحفاظ على سلامة الأشخاص والممتلكات، في إطار احترام سلطة القانون وحقوق الإنسان والتقيد بالضوابط المهنية والالتزام بأخلاقيات المهنة الشرطية، بشكل يؤسس لصورة مشرقة لشرطة مواطنة، تجعل خدمة الوطن والمواطنين في صلب قضاياها واستراتيجياتها.

وعليه، سوف نحاول من خلال هذا المقال توجيه البوصلة نحو أهم المستجدات التي حملها النظام الأساسي الجديد مقارنة مع النظام الأساسي السابق (أولا)، وقراءة هذه المستجدات وما قد يثيره بعضها من غموض وإشكال (ثانيا)، في محاولة لإغناء النقاش بخصوص هذا النظام الجديد، وتقريب مستجداته من الشرطيين والباحثين والمهتمين.

أولا: أبرز مستجدات النظام الأساسي الجديد

-إتاحة الإمكانية لإدماج "الأطر المشتركة بين الوزارات "اختياريا" في أسلاك الشرطة":

إذا كان النظام الأساسي السابق قد أبقى على بعض الفئات خارج أسلاك ودرجات الأمن الوطني كما هو الشأن بالنسبة للأطر المشتركة بين الوزارات، فإن النظام الجديد قد فتح الإمكانية أمام هذه الفئة (مهندسون، أطباء، صيادلة، متصرفون...إلخ) من أجل الانخراط في أسلاك الشرطة، إذ تم التنصيص في هذا الصدد على إدماج الأطر المشتركة بين الوزارات، "المتمرنون" و"المرسمون" المزاولون لعملهم في تاريخ دخول المرسوم حيز التنفيذ، بالمديرية العامة للأمن الوطني، وبمديرية مراقبة التراب الوطني، في أسلاك ودرجات الأمن الوطني (المادة 37)، وهو إدماج "اختياري" مرهون بطلب الموظفين المعنيين بالأمر، داخل أجل سنة من تاريخ دخول المرسوم حيز التنفيذ (المادة 39)، على أساس أن يتم إخضاع الفئات المدمجة لفترة من التكوين بالمعهد الملكي للشرطة أو بأحد المراكز التابعة له (المادة 38)، من أجل تمكينها من مختلف المعارف والأدوات ذات الصلة بالعمل الشرطي الصرف، بعد أن تم إدماجها في إطار درجات شرطية توزعت -حسب وضعياتها القانونية والإدارية- بين "درجة مراقب عام" (مهندس دولة رئيس من الدرجة الممتازة، مهندس معماري رئيس من الدرجة الممتازة...) و"درجة عميد شرطة إقليمي" (مهندس دولة رئيس من الدرجة الأولى، مهندس معماري رئيس من الدرجة الأولى...) و"درجة عميد شرطة ممتاز"(مهندس دولة من الدرجة الأولى، مهندس معماري من الدرجة الأولى...).

وإذا كان النظام الأساسي الجديد قد فتح الإمكانية لإدماج "الأطر المشتركة بين الوزارات" بشكل اختياري، فقد أثارت بعض مقتضياته نوعا من المواقف غير الإيجابية من جانب المتصرفين، الذين رأوا أن النظام الجديد - حسب بلاغ منسوب "للاتحاد الوطني للمتصرفين المغاربة"- جاء بمقتضيات "تضر بالوضع المادي والنظامي والاعتباري للمتصرفين العاملين بمصالح الأمن الوطني"، بمبرر وضعهم في درجات أدنى من درجات باقي الفئات المتساوية لهم في السلاليم وفي الأرقام الاستدلالية، ووضعهم في درجات مع فئات مرتبة في سلاليم وأرقام استدلالية أدنى، وقد ردت "المديرية العامة للأمن الوطني" على ذلك، في بلاغ صادر عنها، أكدت من خلاله "أن المرتكزات الأساسية المحددة لإدماج الأطر المشتركة بين الوزارات وفق ما جاء في المرسوم الجديد، بمن فيهم فئة المتصرفين، تمثلت أساسا في صون وتعزيز المكتسبات الوظيفية التي توفرها لهم درجاتهم ورتبهم الأصلية، خاصة فيما يتعلق بالأقدمية والخدمات المسداة، وكذا الأجرة التي لا يمكن، بأي حال من الأحوال، أن تقل عما كانوا يتقاضونه في درجاتهم السابقة، علاوة على منحهم حق الاختيار الطوعي في الإدماج ضمن صفوف الأمن الوطني".

-كما أكدت المديرية العامة للأمن الوطني في البلاغ ذاته أن جميع الموظفين المدمجين سيحتفظون برقم استدلالي يفوق -أو على الأقل- يعادل رقمهم الاستدلالي في درجاتهم الأصلية، ويضمن لهم زيادات مهمة في الأجر الصافي الشهري، علاوة على التمتع بنفس الحقوق والمكتسبات المخولة لنظرائهم في أسلاك الأمن الوطني، من قبيل الاستفادة من نسق سريع للترقية في الدرجة والرتبة يتمثل في تقليص عدد السنوات للترشح للترقي، وكذا توسيع قاعدة النسب والحصص التي يتم على أساسها الترقي، فضلا عن فتح آفاق واعدة للارتقاء في جميع الدرجات العليا للأمن الوطني.

- الاعتماد على الدرجات والأرقام الاستدلالية بدل السلاليم:

لا بد من الإشارة ابتداء إلى أن النظام الأساسي الجديد احتفظ بالتسميات القائمة نفسها، ماعدا تغييرات طالت تسميات "سلك التأطير" بشرطة الزي الرسمي، الذي يتكون من ثلاث درجات (درجة قائد أمن، درجة قائد أمن ممتاز، درجة قائد أمن إقليمي)، وهذا السلك كان مقسما في ظل النظام السابق إلى إطارين إثنين؛ "إطار التأطير" (درجة ملازم شرطة، درجة قبطان شرطة) و"إطار القيادة" (درجة رائد شرطة، درجة عقيد ملازم شرطة، درجة عقيد شرطة)، وعلى غرار الجيش والدرك الملكي والقوات المساعدة، أضحى التمييز بين عناصر وأطر الأمن الوطني يتم بناء على درجات وأرقام استدلالية عوض السلاليم، مما يجعلهم خارج النظام المعمول به بالوظيفة العمومية الذي يقوم أساسا على "السلاليم" و"الدرجات" و"الرتب"، وقد تضمن النظام الجديد مراجعة شاملة للأرقام الاستدلالية بالنسبة لجميع الأسلاك، كما هو الحال بالنسبة لسلك عمداء الشرطة (درجة عميد شرطة، درجة عميد شرطة ممتاز، درجة عميد شرطة إقليمي)، فعميد شرطة -مثلا- مرتب في الرتبة الأولى، انتقل إلى الرقم الاستدلالي رقم "336" (مقابل رقم 275 في النظام السابق)، وهو رقم استدلالي يطابق الرتبة الأولى بالسلم "11" حسب ما هو معمول به بالوظيفة العمومية.

- تحسين الوضعية المادية:

على غرار النظام السابق الذي حقق لموظفي الأمن الوطني مكتسبات مادية (الرفع من الأجور) واجتماعية (إنشاء مؤسسة محمد السادس للنهوض بالأعمال الاجتماعية لموظفي الأمن الوطني)، فقد ترتب عن النظام الأساسي الجديد، تحسين الأوضاع المادية عبر الرفع من التعويضات المرتبطة بالمهام والأعباء والأخطار، والرفع من التعويضات الخاصة بالسكن، وكذا تخصيص تعويضات مادية شهرية مرتبطة بالمسؤوليات.

-إخضاع تعويضات السكن للاقتطاع من أجل المعاش:

خلافا للنظام الأساسي السابق، أصبحت التعويضات المرتبطة بالسكن، خاضعة لقائمة التعويضات الخاضعة للاقتطاع من أجل المعاش بمقتضى نظام المعاشات المدنية، وهذا المستجد يعد مكسبا لنساء ورجال الأمن الوطني، ليس فقط لأنه أعطى "معنى" لرواتبهم الشهرية، ولكن بالنظر إلى تداعياته الإيجابية على المعاش.

- فتح الإمكانية للتوظيف المباشر:

أصبح بإمكان المدير العام للأمن الوطني، كلما دعت المصلحة إلى ذلك، أن يوظف مباشرة في أسلاك موظفي الأمن الوطني في حدود "ثلاثة في المائة" في المناصب المخصصة لسلكي حراس الأمن ومفتشي الشرطة، و"خمسة في المائة" من المناصب المخصصة لأسلاك ضباط الأمن وضباط الشرطة وعمداء الشرطة وعمداء الشرطة الممتازين، مع مراعاة الشروط الواجب توفرها لولوج الأسلاك المذكورة (المادة 19).

-إمكانية إجراء مباراة خاصة لولوج درجة "عميد شرطة ممتاز":

فتح النظام الأساسي الجديد الإمكانية لإجراء-إذا اقتضت الحاجة ذلك-مباراة خاصة لولوج درجة "عميد شرطة ممتاز" في وجه المترشحين الحاملين لإحدى الشواهد والديبلومات التالية: شهادة مهندس دولة أو شهادة مهندس معماري أو شهادة معترف بمعادلتها لها–الدكتوراه في الطب أو الصيدلة أو الطب البيطري أو شهادة معترف بمعادلتها لها–الدكتوراه في علم الأحياء أو الفيزياء أو الكيمياء أو شهادة معترف بمعادلتها لها (المادة 16).

-فتح مباراة "عمداء الشرطة" في وجه حاملي الإجازة دون تخصيص:

على خلاف النظام الأساسي السابق، الذي كان يحصر المترشحين لمباراة "عمداء الشرطة" في حاملي شهادة "الإجازة" في الحقوق، أو إحدى الشهادات المعادلة، أو دبلوم "سلك التكوين في التدبير الإداري للمدرسة الوطنية للإدارة"، فقد فتح النظام الجديد المباراة أمام جميع حاملي شهادة "الإجازة" أو "الإجازة الأساسية" أو "الإجازة المهنية" المسلمة من طرف كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية، أو ما يعادلها، طبقا للمقتضيات الجاري بها العمل (المادة 15).

- الترقي:

بخصوص الترقية بالاختيار في الدرجة، وعلى الرغم من تقليص سنوات الترشح للترقي وتحديدها في خمس سنوات بالنسبة لبعض الدرجات، فهذا ليس معناه أن الموظف المعني سيرقى إلى الدرجة الموالية، بمجرد تقييده في جدول الترقي بعد استيفائه شرط الأقدمية المطلوبة، لآن فعل الترقي بقي مرهونا بالنسبة أو الحصة المطلوبة من مجموع المناصب الخاصة بالسلك، كما هو الحال بالنسبة لدرجة عميد شرطة (في حدود 40 في المائة)، ودرجة عميد شرطة ممتاز (في حدود الثلث)، ودرجة عميد شرطة إقليمي (في حدود الثمن)، ودرجة مراقب عام (في حدود 16/1)، ودرجة والي أمن (في حدود 50/1)، ودرجة قائد أمن (في حدود 40 في المائة) ودرجة قائد أمن ممتاز (في حدود 3/1) ودرجة قائد أمن إقليمي (في حدود 8/1)، مما يجعل الترقي، خاصة في الدرجات العليا، أمرا ليس بالهين.

ثانيا: قراءة في المستجدات:

-النظام الأساسي الجديد، كما تمت الإشارة إلى ذلك، فتح إمكانية الإدماج في أسلاك الشرطة أمام "الأطر المشتركة بين الوزارات" لمن رغب اختياريا في ذلك، داخل أجل سنة من تاريخ دخول المرسوم حيز التنفيذ، ويبقى التساؤل مطروحا بشأن مستقبل الفئات التي لم ترغب في الإدماج في أسلاك الشرطة، وفضلت البقاء في وضعها السابق كأطر مشتركة بين الوزارات، فهل سيتم الإبقاء عليها في المشهد الشرطي أم سيتم فتح المجال أمامها لإعادة الانتشار في وزارات أخرى؟ وفي الحالة الأولى، هل ستحتفظ بالحقوق والمكتسبات نفسها، خصوصا فيما يتعلق بالتعويضات الشهرية وتحمل المسؤوليات؟ وما هو واضح الآن أن "المديرية العامة للأمن الوطني" قطعت مع توظيف "الأطر المشتركة بين الوزارات"، وكل التوظيفات مستقبلا لن تتم إلا في إطار أسلاك ودرجات الشرطة، وهي خطوة إيجابية من شأنها توحيد جميع الموظفين المنتسبين للمديرية العامة للأمن الوطني، والقطع مع مشهد شرطي غير متجانس، تتعايش ضمنه هيئات تشتغل بإدارة الشرطة، لكن تخضع لأنظمة قانونية مختلفة، كما هو الحال بالنسبة للأطر المشتركة بين الوزارات.

-بخصوص عمداء الشرطة، فقد تم الارتقاء بهم إلى مستوى أرقام استدلالية تطابق "السلم 11" حسب نظام الوظيفة العمومية، وتوضيحا للرؤية، يمكن الإشارة إلى أن "عميد شرطة" حديث العهد بالمهنة تم منحه الرقم الاستدلالي "336"، وهو رقم يطابق "الرتبة الأولى" بالسلم 11، وهذه الوضعية الجديدة قد تثير إشكالا قانونيا إذا ما أخذنا شروط الترشيح لمباراة "عمداء الشرطة"، ومن بينها ضرورة أن يكون المترشح حاصلا على "شهادة الإجازة"، بينما الأرقام الاستدلالية الجديدة تطابق في الوظيفة العمومية السلم "11" الذي يتطلب الولوج إليه "شهادة الماستر"، وليس "شهادة الإجازة" التي تؤهل لاجتياز مباريات "السلم 10".

وفي هذا الصدد، ورغم أن المديرية العامة للأمن الوطني قطعت الشك باليقين، بعدما أكدت في البلاغ ذاته أن النظام الأساسي الجديد لموظفيها لم يتضمن أي مقتضى تنظيمي يتعلق بالسلاليم، بعدما أضحى تصنيف الموظفين يتم على أساس الدرجات والأرقام الاستدلالية، إلا أن ذلك لا يمنع من استحضار هذا الإشكال القانوني.

-تنويرا للرؤية نأخذ، مثلا، حالة "عميد شرطة" تم إلحاقه "بالمجلس الأعلى للسلطة القضائية" (وضعية إلحاق) أو وضعه رهن إشارة المؤسسة المذكورة (وضعية رهن الإشارة)، فيبقى التساؤل بخصوص وضعيته الإدارية بالمؤسسة الملحق بها أو الموضوع رهن إشارتها، هل سيدرج في وضعية "محافظ قضائي من الدرجة الثانية " (السلم 11) أم في وضعية "محافظ قضائي من الدرجة الثالثة" (السلم 10)؟ ويمكن أيضا إثارة حالة قرار "عميد شرطة" المغادرة النهائية لسلك الشرطة والالتحاق بوظيفة أخرى، كالقضاء الإداري (شرط "10" سنوات من الخدمة الفعلية في السلم 11)، أو كمستشار بالأمانة العامة للحكومة (شرط خمس سنوات من الخدمة الفعلية في السلم 11)، فسواء تعلق الأمر بالحالة الأولى أو الثانية، هل "عميد الشرطة" بإمكانه اجتياز مباراة الولوج إلى إحدى الوظيفتين بمبرر أنه استوفى شرط الأقدمية في درجة (وليس سلما) أرقامها الاستدلالية مطابقة لتلك المتواجدة بالسلم 11 على مستوى الوظيفة العمومية؟ أم لا يمكنه البتة اجتياز مباراة الوظيفتين، اعتبارا لمرجعية الشهادة التي تسمح باجتياز مباراة عمداء الشرطة (شهادة الإجازة/ السلم 10) وليس (شهادة الماستر/ السلم 11).

-الفوارق بين الرتب داخل الدرجة نفسها لا تترتب عنها إلا فوارق مادية محدودة (مثلا عميد شرطة بالرتبة الأولى، وعميد شرطة بالرتبة الرابعة)، بل أكثر من ذلك، الفارق المادي بين "الرتبة 5" و"الرتبة 6" بشكل عام لا يتجاوز حدود "800" درهم، بينما "الفارق بين الرتبتين 5 و6 في أسلاك الوظيفة العمومية يبلغ حوالي "2100" درهم في السلم 11، وارتباطا بالجانب المادي، يسجل تقليص في التعويضات الشهرية المرتبطة بالمسؤوليات بالنسبة للمسؤولين (والي أمن، رئيس منطقة، عميد مركزي، رئيس دائرة...إلخ)، بالمقارنة مع الوضع في ظل النظام الأساسي السابق، مع خلق تعويضات جديدة مرتبطة ببعض المسؤوليات الصغرى (رئيس فرع مثلا).

-ارتباطا بالجانب المادي، يلاحظ أن مجموعة من الشرطيين يخوضون في نقاشات جانبية مرتبطة بحجم الزيادة التي ستطال رواتبهم الشهرية، ويتساءلون ما إذا كانت الزيادات المعلن عنها في النظام الجديد "صافية" أو "خام"، ومهما كان حجم هذه الزيادات الشهرية، فإن المكسب المادي الحقيقي، الذي قد تغفله لغة الأرقام والحسابات، هو إدخال "تعويضات السكن" ضمن قائمة التعويضات الخاضعة للاقتطاع من أجل المعاش بمقتضى نظام المعاشات المدنية، خلافا للوضع السابق، وهو وضع كانت له تداعيات سلبية على رواتب المعاشات، وعليه، فلا مناص من القول إن إدراج تعويضات السكن في اقتطاعات التقاعد هو مكسب له أهميته القصوى، ولن يشعر بقيمته إلا من سيحال على التقاعد في ظل النظام الجديد.

-فتح مباراة "عمداء الشرطة" في وجه جميع حاملي شهادة الإجازة والإجازة الأساسية والإجازة المهنية المحصل عليها من كليات العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية هو تغير نوعي لا يمكن إلا التنويه به، من منطلق أن النظام السابق كان يحرم عددا من حاملي الإجازة في تخصصات أخرى من اجتياز مباراة "عمداء الشرطة" من قبيل التاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع وعلم النفس والتربية الإسلامية واللغة العربية واللغات وغيرها، بما في ذلك حاملي الإجازة المهنية. وعليه، فهذا المستجد لن يساهم إلا في تكريس المساواة وتحقيق تكافؤ الفرص بين المترشحين، إذ العبرة ليست في التخصص، ولكن في مؤهلات وكفايات المترشح (المادة 15).

عموما وتأسيسا على ما سبق، ومهما كانت طبيعة الملاحظات أو المواقف التي يمكن تسجيلها بخصوص هذا النظام الأساسي الجديد، من جانب البعض، كما هو الحال بالنسبة للأطر المشتركة بين الوزارات، فإن هذا النظام الجديد يعد التفاتة ثانية لموظفي الأمن الوطني (بعد التفاتة 2010)، ستترتب عنها تداعيات مادية مباشرة على الرواتب، وهذا من شأنه تحسين الأجور الشرطية التي أصبحت –شئنا أم أبينا– أجورا مغرية ومحفزة، قياسا للأوضاع التي كانت قبل 2010، واستحضارا لمهن أو وظائف أخرى كالتعليم مثلا، إلى حد يمكن القول إن أدنى أجر في سلك الشرطة (حارس أمن) بما فيه تعويضات الساعات الليلية، أصبح يتجاوز راتب أستاذ بالسلك الثانوي التأهيلي من الدرجة الثانية (السلم 10).

وهذه الالتفاتة، لم تكن لتتحقق على أرض الواقع لولا العناية المستدامة التي يوليها جلالة الملك محمد السادس لأسرة الأمن الوطني، الذي ما فتئ يحرص على تمكين هذه الأسرة من كل الإمكانيات المادية واللوجيستية والتحفيزات الاجتماعية، حتى يتسنى لها الاضطلاع بالمهام الجسام المسندة إليها في جو من الراحة والطمأنينة والانضباط واليقظة والحزم والتعبئة المتواصلة، خدمة للوطن والمواطنين على حد سواء، في إطار احترام القانون والالتزام بحقوق الإنسان والتقيد بأخلاقيات المهنة، وهذه الرعاية السامية تنسجم مع توجهات "مديرية عامة" تسعى جاهدة للارتقاء بالعمل الشرطي والارتقاء بالرأسمال البشري لكسب رهان "الشرطة المواطنة"، وهذا لن يتحقق إلا بالصرامة في التعامل مع التصرفات غير المسؤولة التي من شأنها المساس بسمعة المهنة وصورتها، وخلق شروط المناخ السليم الذي يسمح بالتأسيس لحكامة أمنية رشيدة، مبنية على معايير النزاهة والشفافية والعدالة والإنصاف والمساءلة والمحاسبة...، من أجل مهنة لن يستقيم إصلاحها وتطورها ورقيها إلا بشرطيين "مواطنين" يتقاسمون قيم التضحية والشرف والوفاء ونكران الذات والبعد عن الشبهات...

Laaouissiaziz1@gmail.com