رأي

المريزق مصطفى: لماذا أنشأت حركة قادمون وقادرون –مغرب المستقبل... بعيدا عن حزب الأصالة والمعاصرة؟

يخوض الفاعل السياسي المريزق مصطفى من خلال هذه المقالات في سرد شذرات ومقاطع من تجربته، وذلك للإجابة على سؤال لماذا أنشأت حركة قادمون وقادرون-مغرب المستقبل، بعيدا عن حزب الأصالة و المعاصرة.

في تقديم هذا الجزء الاول، يقول المريزق، "بعد إلحاح كبير ولا متناهي من طرف العديد من الأصدقاء والأحبة الطيبين الذين يريدون معرفة كل شيء عن تلك المسافة الفاصلة التي وضعتها بيني وبين الشأن التنظيمي السياسي الحزبي، وعن ايماني العميق بخدمة وطني وممارسة قناعتي انطلاقا من تجربة مواطنة، محايدة ومنفتحة على كل شرفاء الوطن، تحمل داخلها عمقا سياسيا وأفقا اجتماعيا وثقافيا جديدا.

ونزولا عند رغبة الجميع، واحتراما لكل رفاقي أينما وجدوا وحيثما حلوا وارتحلوا، وتعبيرا مني عن معزتي وتقديري لكل من جمعتني بهم تجربة الوفاء والإخلاص والاحترام، وقيم التسامح والتعايش والعيش المشترك؛ سأحكي بكل موضوعية بعض الشذرات والمقاطع من تجربتي الشخصية التي ذهبت كأقراط "الدنجال" إلى المقلاة. والتي تستحق مني اليوم أن أقدم نقدا ذاتيا أخص به نفسي قبل غيري، من دون التهجم على أحد، ومن دون عنف أو تنابز أو كراهية أو انتقام من أحد.

فمهما كان، يجب أن نتشبث جميعا بالأمل من أجل المساهمة في بناء صرح متكامل للديمقراطية وحقوق الانسان ببلدنا ووطننا العزيز.."

في ما يلي نص المقال:

مع احترامي للجميع، هناك من دون شك تجارب مختلفة مر منها أكثر من زعيم أو قيادي أو مناضل من المناضلين البسطاء، وهناك نظم كثيرة لم يعد لها وجود، كما أن حكام عرفهم العالم بأسره رحل منهم من رحل ولم تتوقف الدنيا.

إنني مدين بالشكر لكثير من الأصدقاء ورفاق التجربة هنا وهناك، كما أشكر صباح مساء كل الناس على دعمهم المتواصل وتشجيعهم المستمر لكل المبادرات والمشاريع الثقافية والجمعوية والجامعية التي أشرف عليها بمعية العديد من المناضلات والمناضلين، وجنود الخفاء، من مختلف جهة المملكة.

نعم، لن أحكي عن كل شيء، لأن الحقيقة وكما صورتها الشاعرة "إميلي ديكنسون"، يجب أن يكون إبهارها بالتدريج، وإلا أصبح كل الناس مثل العميان.

كما أني لن أبوح بكل شيء حتى أترك للآخرين مساحات للحكي عن زمنهم، وحتى نفسح المجال لصراع الحقيقة والأكذوبة، لأن الحقيقة وكما اعتبرها الشاعر والعالم الانجليزي " جون ميلتون" صاحب قصيدة "الفردوس المفقود"، كانت دائما في وضع أسوأ في أي لقاء حر ومفتوح.

كنت أعجبت أيما إعجاب بتجربتي اليسارية المتواضعة، وحملت جزءا من أسرارها الدفينة في نفسي، ولا زلت أنهل منها جهارا كلما صادفتني فرص من فرص انصرام المراحل النضالية الذهبية الأولى ومراحل العصر الوسيط من عمري ووقائع الزمن الحالي.

ربما كان من الممكن فهم ما عشته وما قمت به إزاء وطني بكل تواضع طوال ما يقرب 40 سنة من عمري، وفي ضوء سياقات ظاهرية، لكي أعطي معنى حقيقيا لالتزامي بسيرورة النضال والكفاح، غير أن المحيط والزمن فعل ما هو أكثر من توجيه ضربات كلما سنحت الفرصة.

وأمامنا أمثلة من تاريخ محطات ذات دلالة تشهد برقي إنسانيتنا وأخوتنا، لا ينكرها سوى المعذبون مع أنفسهم وضحايا تاريخهم. وهكذا أعود من حيثما بدأت: حقا إن الكذب والوهم العنيد كشف ما عجزت عنه تحاليل وتصورات نخب المركز، لأنها غير مؤثرة وموجودة بالرمز فقط.

طوال حياتي وأنا أحلم بنبع الحرية، وأكره الظلام الدامس وسحب الكآبة. كما عشقت طوال عمري، ولا زلت، الموسيقى والرقص والشعر، وعشت متصالحا مع نفسي ومع غيري، وحتى مع من أساء إلي من قريب أو بعيد، بل حتى مع من اختطفني ذات ليلة من ليالي فبراير الفاسي .. وعذبني .. وسجنني (أنظر الجزء الأول من مسار في تجربة اليسار).

كان التحاقي بحزب الاصالة والمعاصرة رسميا في يناير سنة 2011 بعد تقلدي المسؤولية الجهوية في نونبر -دجنبر 2010، أي سنتين ونصف بعد رجوعي من منفاي الاختياري من باريس بطلب من الصديق المرحوم إدريس بن زكري (انظر قصة رجوعي واستقبالي بمطار الرباط سلا التي ستنشر في الجزء الثاني من كتابي "مسار في تجربة اليسار"). وهو التحاق حزبي عادي جدا، لأني لم أكن يوما ما، لا من المؤسسين لحركة كل الديمقرطيين ولا من القيادين الكبار ولا من المتعاطفين مع الحزب منذ تأسيسه في 7 غشت 2008!

انخرطت في هذه التجربة، بعد إصرار بعض الرفاق المقربين مني، ولم أجالس لا علنا ولا سرا أيا من المؤسسين أو المسؤولين "الكبار" عن الحزب. جاء ذلك بعد فشلي الدريع في إقناع ابن بلدتي الطبيب محمد مجاهد، الأمين العام السابق لحزب اليسار الاشتراكي الموحد، والدكتور مولاي إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والاشتراكية، في إمكانية دعم معركة غفساي الشهيرة للحصول على قيادة المجلس البلدي باسم اليسار في الانتخابات المحلية لسنة 2009. كنت قياديا ساعتها في الحزب ولم أكن مرشحا (أنظر الأحداث بالتفصيل في الجزء الثاني من كتابي "مسار في تجربة اليسار" الذي سينشر لاحقا). تلك الانتخابات التي كان قد حصل فيها "البام" على 6011 مقعد، ومليون و155 ألف و247 صوتا، مصحوبا بحزب الاستقلال والتجمع الوطني والاحرار.

ولأن الحرية حسب الفيلسوف الألماني هيجل هي: الإرادة والقدرة على الفعل، ولأن الانسان كائن عقلي مزود بإرادة وحرية الاختيار والفعل دونما إنكار وسلب؛ فإني لم أتأثر بالانتقادات الشديدة والسب والقذف والاهانة في حقي، بعد اعلان التحاقي ب "البام"، واعتبرت كل ما تعرضت له صدقة جارية من الإخوة اليساريين المؤمنين بجميع الديانات باستثناء إيمانهم بالديمقراطية والحريات الجماعية والفردية للإنسان.

وكما تظهر ذلك العديد من الكتابات والاتهامات والنعوتات "الصليبية" والخواطر الذاتية من الداخل والخارج، فإن إخواننا اليساريين وبنو جلدتنا لا يعرفون الكثير عن أنفسهم، حتى ولو كانت تختبر غالبا حدود الحقيقة، وبأكثر الطرق الملموسة.

ونظرا لخصوصية جهة مكناس تافيلالت (في التقسيم الجهوي السابق)، منحتني قيادة الحزب مسؤولية "الأمانة العامة الجهوية" قبل أن أشرف على عقد المؤتمر الجهوي الأول يوم 28 دجنبر 2012، بإمكاناتنا الذاتية الخاصة، وبحضور ما يقرب 2000 مشارك ومشاركة، جلهم أطر من مختلف المنابع، من جامعيين وأكاديميين، وشباب ونساء، ورجال أعمال، وفلاحين، ومعطلين، وشخصيات وطنية وأممية ودولية وعربية وافريقية، وفاعلين سياسيين ونشطاء مدنيين وفرق موسيقية تتقدمهم مجموعة المشاهب المناضلة (أنظر كتابي: "الأمانة العامة الجهوية لجهة مكناس تافيلالت: الحصيلة والآفاق". وهو الكتاب الوحيد واليتيم الذي يؤرخ لحزب الأصالة والمعاصرة على المستوى الوطني والجهوي، ويظم 391 صفحة. وهو كتاب وثائقي). ويعتبر هذا المؤتمر في حينه، ثاني مؤتمر جهوي وطني نظمه حزب الاصالة والمعاصرة وطنيا، من دون أن يصرف عليه ولو سنتيم واحد. تجربة رائدة، كانت تجمع في صفوفها مئات الشرفاء والغيورين والمناضلات والمناضلين، الذين لا زلت أفتخر بهم جميعا رغم المسافة الزمنية والتنظيمية والحزبية التي باتت تفصلني عنهم. لقد كانوا كلهم شعلة ونور على نور. كنت أحبهم جميعا ولم أنل منهم سوى التقدير والاحترام.

"يتبع"