يوسف غريب: البرلماني الذي "نسي هواتفه" الثقيلة في جيبه

من الواضح الآن أن جل الدول في العالم تسارع الوقت والزمن لتحصين امتحاناتها الإشهادية، كالباكالوريا وغيرها، أمام ما توفره هذه التكنولوجيا الرقمية من وسائل وأدوات تضر في العمق بمكانتها العلمية والاعتماد عليها كآليات في  ممارسة الغش والتدليس ضاربا بذلك تكافؤ الفرص بين الممتحنين كمبدأ دستوري.

وليس المغرب بمنأى عن هذه الظاهرة التي أصبحت ملازمة لكل الاستحقاقات التربوية الوطنية. ولاحظ الجميع كيف أن المشرع المغربي واكبها باستصدار قوانين الزجر حد الإكراه البدني لكل من حاول أن يعتمد على غير نفسه أثناء اجتياز الامتحان الإشهادي.

وبفضل هذه الإجراءات الصارمة يمكن القول وبصدق بأن ظاهرة الغش تقلّصتْ بشكل كبير في السنتين الأخيرين دون أن يعني ذلك القضاء عليها نهائيا؛ فما زال البعض من تلامذتنا يستغلون من طرف ما يصطلح عليه مافيات الامتحانات التي تعرض كل مستجدات هذه التكنولوجيا الرقمية قبيل اقتراب موعد الامتحانات بما يتطلب المزيد من التعبئة والتواصل والإقناع لعموم المترشحين من تلامذتنا.. وهي مسؤولية تربوية تتجاوز أطر التعليم إلى باقي المؤسسات الرسمية الأخرى؛ بما فيه البرلمان كواجهة تشريعية فاعلة وحاسمة لإيقاف تفشي هذه الظاهرة.

إذا كان هذا هو الافق الذي نطمح أن يتجه إليه الجميع، فإن نازلة البرلمانيّ الذي ادّعى أنه نسي هواتفه وهو بداخل قاعة الامتحان كمترشح يجعل من الحلم بعيد المنال.. وقد يتحول إلى نموذج، بل وبطل لدى الغشاشين من تلامذتنا.. وسنقف عاجزين أمام تبرير إدخال ممثل الأمة لهواتفه الثلاثة لقاعة الامتحان والممنوعة بقوة القانون وبصريح العبارة؛ وحتى الادعاء بنسيان ذلك لا يستقيم.. بل هو استغباء وبلادة، إذ لا يعقل أن لا يحسّ بثقل هذه الهواتف بجيوبه.. بل وأن لا يظهر حجمها للعيان. أبدا.. اللهم إذا كانت من الحجم الصغير جدّاً... جدّا.. وبوزن الريشة، فإن الأمر في هذه الحالة قد يراودنا الشك في استحضارها أثناء اجتياز الامتحان.

وفي كلا الحالتين لا يشفع لك كبرلماني إدخال الهواتف لأنك عارف، بل ومشرع للقوانين الجاري بها العمل في مثل هذه النازلة.. اللهم إذا اعتقدت أن حصانتك البرلمانية تجعلك خارج المساءلة والمراقبة. وأعتقد أن هذه الصفة غررت بك حتى نسيت هواتفك كما ادّعيت.. ولو استحضرت أنك مترشح عادي ذاهب إلى الامتحان بدون قبعة البرلماني لاختلف الأمر وتركت هواتفك خارج القاعة كبقية المترشحين عبر التراب الوطني.

وهل نسيت أنك وقْعت التزاما بكل هذه الممنوعات بما فيها الهواتف الثلاثة.. وتعرض المخالف لقوانين زجرية قاسية.

إن الواقعة البرلمانية لصاحبها قد أساءت كثيرا إلى المجهودات الجبارة التي يقوم بها الأساتذة الواجهة المباشرة في هذه الحرب مع الغش… متحمّلين كل أنواع التهديدات والكلام النابي من طرف محاولي الغش… بل كيف سيواجهون من يشهر ورقة البرلماني/ المترشح الذي "نسي" هواتفه الثقيلة في جيبه…

قد تشرعن هذه الحالة وبقوة الواقع للغش ما لم تتخذ المسطرة شكلها القانوني أسوة بماحصل ويحصل لبقية أبناء الشعب.

قد تشرعن هذه الحالة وبمبرر شرعي وأخلاقي لأن الانتماء السياسي لصاحبه، وبهذه القناعة المذهبية العقائدية التي تجرّم الغش وبكل شبهاته.. ما لم يتخذ قرارا يناسب حجم هذه الإساءة الينا جميعا..