مجتمع وحوداث

البرلماني الغشاش” : من غشنا فهو منا !!

محمد الشمسي

ليست المشكلة في أن نضبط برلمانيا يخرق قانون محاربة الغش في امتحانات نيل شهادة البكالوريا ؟ ، بل المشكلة هي ماذا يفعل رجل بدون بكالوريا في البرلمان ؟ ، وكيف للسلطة التشريعية أن تستقيم وفيها عناصر تنقصهم “التنافسية العلمية” ؟ ، كيف له أن يستوعب قانون المالية ومعه باقي مشاريع القوانين بلغتها الجامدة والصلبة والتي حيرت الباحثين والمتخصصين ؟ كيف له أن يناقشها ليصوت عليها وهي القوانين التي ترسم مصير الوطن ؟ ، إذا كان العلم يصنع الأمجاد ، فكيف نصنع برلمانا ببرلمانيين بلا “سوابق علمية ” ولهم فقط “سوابق عدلية” ؟ ، هنا ثبت غش من صوت ، وغش من نجح ، وغش ما ننتجه …

ليست المشكلة في سن القوانين القاسية التي تعاقب الغشاشين حد الإعدام، بل المشكلة هي في برنامجنا التعليمي ، فكل دروسه ومحاضراته ، ومنهج تلقينه وتدريسه ، تحث على الغش وتحفز عليه ، حصص دراسية تقدم للتلاميذ والطلبة كمًّا ، مثلما تقدم أكوام التبن للأبقار…لا مكان فيها للذكاء والإبداع ، ولا شيء فيها يعلو على الاجترار والاستظهار، مثل الحمار يحمل الأسفار…

وليست المشكلة في هل كان البرلماني ينوي الغش يوم ضبطه وفي حوزته “محل تجاري من الهواتف النقالة”، لأن الركن المادي لجريمة الغش يتحقق لمجرد العثور على آلة كيفما كانت لدى المتباري يوم الامتحان ، بل المشكلة هي أن المتهم المنتمي للجهاز التشريعي يختفي خلف النسيان وخلف الجهل بالقانون وخلف الإجرام بحسن نية …

ليست المشكلة في أن “إخوان وأخوات” البرلماني انبروا للدفاع عنه ،لتطهيره من رجس سيظل عالقا به ، ونصبوا أنفسهم شهود زور، بل المشكلة هي أنهم استحضروا آصرة القرابة والحزب ، على حساب المساواة وتكافؤ الفرص ، وفضلوا مناصرة “الأخ الغشاش” ، وأفتوا بجواز غشه مستحضرين حديث “نصرة الأخ” ، وما جرى به العمل لدى”أهل مدينتهم أو حزبهم ” …ولسان حالهم يقول “وإن غشنا فهو منا ” ، ويضيفون ” إن الله لا ينظر إلى غشه ، بل إلى مقعده الذي يمنحنا الأغلبية لنقود الحكومة والشعب نحو …” ، لذلك لم يقدم استقالته ، ولم يعتذر لكتلته الناخبة …

نحن قوم غشاشون ، ومن إفراطنا في الغش بات الغش عقيدتنا ، غشاشون حين نصنعإرادة شعبية مزيفة نطبخها في صناديق من زجاج ، يسرق منا فيها “أهل المال” و ” أهل الشفاوي” و”أهل الدين” الحلم والأمل ، نصوت على “الظريف” ، أو على “من يدفع أكثر ” أو على ” ولد الدرب أو الدوار أو العشيرة ” أو على من ” يؤنسنا في صلاة الفجر” ، ولا نصوت على الأكفأ والأجدر ، لأننا لا نجد حانوت “مول البرنامج” في رحبة الانتخابات …

غشاشون في ديننا وتديننا ، حين يسوق “العالم أو المتعالم منا ” ، خلق الله قطيعا وقطعانا ، يهش عليهم بعصي الفتاوى ، وخداع الرقية ، ومكر مشروبات محللة بالعسل يقدمها داء لكل دواء … نغش حين ينبري الإمام كل يوم جمعة يخطب في الناس بما يشبه حكايات الجدات ، البعيدة عن واقع يلسع ولا يرحم ، يعتني فيها بالجناس والطباق والسجع ، ويصيح بما يشبه أنكر الأصوات …

غشاشون في الفكر والأدب ، حين يسرق المثقف منا عملا أدبيا ، أو يمزق جزءا من قصيدة غيره وينسبه لنفسه ، مثله في ذلك مثل طائر يختلس بيض غيره ويحضنه في انتظار فلاليس لا صلة له بها …

لكم اجتزنا مباريات لتقلد كبريات المناصب ، واتصل بنا “السماسرة ” سنتها ، وكشفوا لنا عن سعر كل منصب بلا ضريبة على القيمة المضافة ، وطلبوا منا حالة توفير “الأمانة” أن نمدهم فقط بصورة من الاستدعاء وعليها رقم الامتحان ، والباقي على عهدتهم ، وقد ركب الموسرون منا سفينة قراصنة المباريات ، وهم أهل حل وعقد في مجالات اشتغالهم اليوم ، لكن يشهد التاريخ أنهم دخلوها دخول الغشاشين …

نحن قوم غشاشون في صفقاتنا ، وفي تدبير أحزابنا ونقاباتنا ، في جمعياتنا وحتى في فنوننا ، نغش في مزروعاتنا ، ونغش عند تسمين ذبائحنا ، نغش عند شق طرقاتنا وإنشاء حدائقنا ، ونغش ونحن نبني بيوتنا ، ونغش حتى عند قضائنا لحاجاتنا …

نغش في صالة الحمام حين نهدر الماء فوق الحاجة ، انتقاما من تسعرة الدخول ، ونغش في الرياضة حين ننسحب من أول شعور بالعياء أو الملل ، أو حين نحقن أجسامنا بحقن ممنوعة ، أو نسجل أهدافنا ضد قانون اللعبة ، ونغش في المحكمة وفي “الكوميسارية”وفي “لابريكاد” حين نصمم على شراء حقوق غيرنا وضمها إلى حقوقنا .

فلم نضغط على أبنائنا الغشاشين ، وهم لم يجنوا خطيئة غير أنهم ساروا على دروبنا ، فنحن الغشاشون “الكرايضيا” ، وهم ورثوا منا وعنا ، أليس من شبه أباه ما ظلم …ولم نضغط على “برلمانينا الغشاش” ، أليس “البرلمانيون على دين أصواتهم ؟”