رأي

محمد التويجر: ما جدوى وجود جيش عرمرم داخل مديرية التواصل بجامعة الكرة؟

مغادرة المدرب الفرنسي رونار مركب المنتخب المغربي، بعدما استبدت به عاصفة هوجاء أفقدته وجهة بر الأمان من عدمها، تذكرني بالمسلسل التركي "سامحيني" الذي لا تعرف نهايته، بفارق أن سلوك جامعة كرة القدم المريب يضيف إليه بهارات الشك وتجاهل الرأي العام والقفز على حقه في معرفة مستجدات منتخب يوحد عشاقه من طنجة إلى الكويرة.
من سرب أمس خبر الاستقالة ، جاعلا إياها تنتشر كما تنتشر النار في الهشيم، خصوصا بعدما أعطاها موقع الرياضية (شريك الجامعة الأول وقناتها شبه الرسمية في تمرير أخبارها) صدقية ومصداقية، لم ينطلق من فراغ، لأنه يعرف أن عملية التسريب هذه ستجد لها صدى كبيرا داخل المواقع الإلكترونية، ومن ثمة ستلامس أكبر شريحة من الرأي العام المتعطش لجديد الملف وتشعباته، في ظل الملايير المتمخضة عن الشرط الجزائي .
ظلت الجامعة طيلة الساعة التي أعقبت التسريب ملتزمة الصمت، تراقب عن بعد ما يعتمل... وحتى اتصالات الزملاء بالمكلفين بملف التواصل بها لم تجد لها صدى ولا استجابة (على فكرة، تتوفر الجامعة  جهاز تواصل كبير بأطره ومعداته، وعلى رأسه زميل خبر المجال الإعلامي عبر اشتغاله بأجهزة ذات باع كبير داخل المغرب وخارجه، ويصر على أنه ليس ناطقا رسميا باسم الجامعة، بل مستشارا إعلاميا للرئيس).
 بعد ذلك، بشرونا بأن بلاغا وشيكا سيصدر عن الجامعة لاستجلاء الأمر، قبل أن يفاجأ الجميع بنفي الاستقالة جملة وتفصيلا، وأن جلسات الحوار بين الرئيس والمدرب انطلقت وستستمر قصد الوصول إلى توافق (هنا بيت القصيد).
تزامنا مع ذلك، نفى رونار هو الآخر عبر حسابه الرسمي على تويتر خبر الإقالة، مكررا بطريقته الخاصة التي تتقاطع وبلاغ الجامعة بأن الطرفين اتفقا على ألا يدليا بتصريحات في الموضوع، وكأن الأمر يتعلق بسر من أسرار الدولة.
بعدها، فوجئنا بصحيفة "المساء" التي عودتنا على تقديم جديد المنتخب والجامعة قبل باقي الصحف، نظرا لمصادر مسؤول الصفحة الرياضية بها الزميل جمال السطيفي، تدبج صفحتها الأولى بمانشيط عريض يعلن انفصال الطرفين، وأن خيار الاستقالة اتخذه رونار حين وجوده بمصر مباشرة بعد الإقصاء، وأنه سلمها مكتوبة للرئيس لقجع في لقاء أمس.
أمام كل هذه التطورات وتسارعها، يحق لنا أن نطرح سؤالين جوهريين:
- ما دام أن فك الارتباط بين الطرفين حتمية يفرضها الخروج المذل والمبكر من "كان"، كان عشاق النخبة المغربية يعقدون عليه آمالا كبيرة، من أجل معانقة  ثاني تتويج قاري بعد صيام دام 43 سنة، فلماذا إلباس الملف رداء السرية والتوجس، وتفعيل منطق "لا أسمع، لا أتكلم  ولا أرى"؟
- ما الجدوى من وجود جيش عرمرم داخل مديرية التواصل بالجامعة، إذا كان قدر الإعلامي الساعي إلى الحصول على الخبر من منبعه أن يتحول إلى كرة تتقاذفها الأرجل، دون مراعاة عنصر الزمن، وساعة إغلاق الصحف قبل تحويلها إلى المطبعة، والرغبة في القطع مع وباء الإشاعة الذي انتشر في الآونة الأخيرة كما ينتشر الجراد في الحصيد؟
إن أسلوب النعامة سياسة فاشلة، لا تمنع من كشف عورة من حرر عقد الارتباط، جاعلا الثعلب رونار في موقع قوة، لأنه حصن نفسه عبر متاريس إجرائية ومالية تخدم مصالحه دون غيره، عكس الجامعة التي وجدت نفسها في وضعية الضعيف الباحث على أبسط قشة ينقذ بها نفسه من غضب رأي عام، يسمع عن ملايير مستفزة ستذهب أدراج الرياح  .
أكيد لكل بداية نهاية... وأكيد أن رونار لن يخلد بيننا، ولن يكون الأول ولا الآخر الذي اغترف من مالية جامعة بلغت قمة الإنفاق مقارنة مع سابقتها (85 مليار سنتيم في انتظار التأكيد أو النفي)؛ لكن حبذا لو تسلحت الجامعة الموقرة بشجاعة التواصل البناء المستدام خدمة لإعلام محترف حقيقي لا يسعى إلى البوز وتعميم الإشاعة.
أعرف أن رئيس الجامعة، فوزي لقجع، يدرك تمام الإدراك قيمة الإعلام وخطورته في الآن ذاته... ممتلك لقدرة كبيرة على الخطابة والإقناع، فحبذا لو ترك قنوات التواصل مفتوحة بما يسمح لكل طرف بالقيام بواجبه: الجامعة تجاه الإخبار المحترم لذكاء الإعلاميين المغاربة، وهؤلاء الأخيرين من أجل سد الطرق على الطفيليات والذباب الإلكتروني الذي ابتلينا به في الآونة الأخيرة، بمباركة جهات كنا نظنها أنها صمام أمان يخدم السلطة الرابعة ويتفاعل معها، في احترام دائم ومتناغم للأخلاقيات.