رأي

ﺣﻤﺎﺩﻱ ﺍﻟﻐﺎﺭﻱ: هنا يكمن السر ما معنى أن تكون قاسميا ؟

ﺳﺆﺍﻝ ﻭﺟﻮﺩﻱ ﺭﺑﻤﺎ ﻗﺪ ﻳﺨﻄﺮ، ﺃﻭ ﻻ ﻳﺨﻄﺮ، ﻋﻠﻰ ﺑﺎﻝ ﻛﻞ ﻣﻦ ﻋﺎﺵ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ . ﺃﻋﻨﻲ ﺑﻜﻠﻤﺔ “ ﻋﺎﺵ ” ﻟﻴﺲ ﻓﻘﻂ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩ ﺍﻟﻤﺎﺩﻱ ﻟﺸﺨﺺ ﺭﺃﻯ ﺍﻟﻨﻮﺭ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ ﺃﻭ ﺭﻣﺖ ﺑﻪ ﺍﻷﻗﺪﺍﺭ ﻟﻴﺸﺘﻐﻞ ﺑﻬﺎ ﺛﻢ ﻳُﻘﻴﻢ ﻓﻴﻬﺎ .. ﻻ .. ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺍﻟﻌﻴﺶ ﺑﺎﻟﻤﻌﻨﻰ ﺍﻟﺸﻤﻮﻟﻲ ،ﺍﻟﻔﻠﺴﻔﻲ، ﺍﻟﻌﺎﻃﻔﻲ ، ﺍﻟﻮﺟﺪﺍﻧﻲ ﺛﻢ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ ﻟﻠﻜﻠﻤﺔ ، ﺣﻴﻨﻬﺎ ﺳﻴﺸﻌﺮ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﻭﻳﻠﻤﺲ ﻣﻌﻨﻰ ﻭﺩﻻﻟﺔ ﺃﻥ ﻳﺤﻤﻞ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺼﻔﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﺗُﻮﺍﺗِﻲ ﺃﻱّ ﺷﺨﺺ ﺣﺘﻰ ﻭﻟﻮ ﻛﺎﻥ “ ﺍﺑﻦ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ .”

ﺇﻥ ﻋﻼﻗﺔ ﺍﻟﺸﺨﺺ ﺑﺎﻟﻤﻜﺎﻥ ﺗﻘﻮﻡ ﻋﻠﻰ ﻣﻌﺎﺩﻟﺔ ﺍﻟﺤﺐ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﻓﻲ ﺃﺳﻤﻰ ﺗﺠﻠِّﻴَﺎﺗﻪ ؛ ﺣﺐ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﻣﻦ ﻃﺮﻑ ﻭﺍﺣﺪ . ﻭﻣﻦ ﻫﻨﺎ ﻳﻜﻮﻥ ﺑﺈﻣﻜﺎﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺃﻥ ﻳﻨﺴﻠﺦ ﺣﺘﻰ ﻋﻦ ﺃﺻﻠﻪ ﻟﻴﻨﺪﻣﺞ ، ﻛُﻠِّﻴَﺔً، ﻓﻲ ﺃﺣﻀﺎﻥ ﻣﺪﻳﻨﺔ ﺗﺼﺒﺢ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ . ﻭﺍﻟﺪﻟﻴﻞ ﺃﻥ ﻣﻮﺍﻃﻨﻴﻦ ﺃﺟﺎﻧﺐ ، ﻓﺮﻧﺴﻴﻴﻦ ﻭﻳﻬﻮﺩ ﻋﺎﺷﻮﺍ ﻓﻲ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺪﻳﻨﺔ، ﺭﺩْﺣﺎً ﻣﻦ ﺍﻟﺰﻣﻦ ، ﻳﻌﺘﺒﺮﻭﻥ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ ﻗﺎﺳﻤﻴﻴﻦ ﺣﺘﻰ ﺍﻟﻨﺨﺎﻉ ؛ ﻭﻗﺪ ﺃﺫﻫﺐ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻘﻮﻝ ﺃﻧﻬﻢ ﻗﺎﺳﻤﻴﻮﻥ ﺃﻛﺜﺮ ﻣﻦ ﺍﻟﻘﺎﺳﻤِﻴِﻴﻦ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ : ﻗﺎﺳِﻤِﻴُﻮ ﺍﻟﻤﻮﻟﺪ ﻭﺍﻟﻤﻨﺸﺄ …

ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺇﻧﺴﺎﻧﺎ ﻗﺎﺳﻤﻴﺎ .. ﻫﻮ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﺣﺮّﺍً ﻭﺣﺎﺭّﺍً .. ﻭﺑﻴﻦ ﺍﻟﺤﺮﻳﺔ ﻭﺍﻟﺤﺮﺍﺭﺓ ﻳﻜﻤﻦ ﺍﻟﺤﺐ ﻭﺍﻟﻮﻻﺀ ﻭﺍﻻﻧﺪﻣﺎﺝ ﻭﺍﻻﻧﺼﻬﺎﺭ ﻭﺍﻟﺤُﻠُﻮﻝ ﺑﻤﻌﻨﺎﻩ ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ ﺍﻟﻌﻤﻴﻖ .. ﻭﺣﻴﻦ ﺗﺼﻞ ﺍﻟﻌﻼﻗﺔ ﺇﻟﻰ ﻫﺬﺍ ﺍﻟﻤﺪﻯ ﺍﻟﻮﺟﻮﺩﻱ، ﺍﻟﺼﻮﻓﻲ، ﻓﻼ ﺃﺣﺪ ﻳﺴﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﻳﺤُﻮﻝ ﺩﻭﻧﻬﺎ …

ﻓﻲ ﻧﻈﺮﻱ ، ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺮﺍ ،ﻷﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﺍﺣﺘﻀﻨﺘﻪ ﺑﻴﺌﺔ ﻣﻔﺘﻮﺣﺔ، ﻣﺘﻔﺘﺤﺔ ،ﺣﻨﻮﻧﺔ،ﺳﺨﻴﺔ .. ﺑﺪﻭﻥ ﺣﺪﻭﺩ ، ﻭﺑﺎﻟﺘﺎﻟﻲ ﻻ ﺑﺪ ﺃﻥ ﺗﺆﺛّﺮ ﻓﻴﻪ ،ﻷﻧﻪ ،ﺑﻜﻞ ﺑﺴﺎﻃﺔ، ﺍﺑﻦ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ . ﺑﻴﺌﺔ ﺣﺒﺎﻫﺎ ﺍﻟﻠﻪ ﺑﻤﺨﺘﻠﻒ ﻣﻮﺍﺻﻔﺎﺕ ﺍﻟﺠﻤﺎﻝ ﻭﺍﻟﺒﻬﺎﺀ .. ﻭﻫﻨﺎ ﺑﺎﻟﻀﺒﻂ ﻳﻜﻤﻦ ﺳﺮﻫﺎ ﻭﺟﺎﺫﺑﻴﺘﻬﺎ .

ﺃﺳﺘﻄﻴﻊ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﺃﻥ ﺍﻹﻧﺴﺎﻥ ﺍﻟﻘﺎﺳﻤﻲ ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﺇﻻ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺣﺎﺭّﺍً ﻓﻲ ﻋﻼﻗﺎﺗﻪ ، ﻓﻲ ﻣﻮﺍﻗﻔﻪ، ﻓﻲ ﺣﻴﺎﺗﻪ ﻛﻠﻬﺎ .. ﻷﻥ ﺍﻟﺒﻴﺌﺔ ﺍﻟﺘﻲ ﻧﺸﺄ ﻓﻴﻬﺎ، ﺍﻟﺘﻲ ﻃﺒﻌﺘﻪ ﺑﻄﺎﺑﻌﻬﺎ ﻭﺑِﺠَﻮِّﻫﺎ ﻭﺃﺟﻮﺍﺋﻬﺎ ، ﺑﻴﺌﺔ ﺣﺎﺭّﺓ ﺑﻌﻄﺎﺋﻬﺎ، ﺣﺎﺭّﺓ ﺑﻄﺒﻌﻬﺎ، ﺣﺎﺭﺓ ﺃﻳﻀﺎ ﺑﻮﺟﻮﺩﻫﺎ ﻣﻨﺬ ﺃﻥ ﻛﺎﻧﺖ ﺇﻟﻰ ﺍﻟﻴﻮﻡ ..

ﻫﻨﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﺷﻴﺌﺎ ﻣﻬِﻤّﺎً ـ ﻭﺃﻧﺎ ﻓﺘﻰ ﺃﻟْﻬُﻮ ﻭﺃﻟﻌﺐ ﻭﺃﺩْﺭﺱ ﻓﻲ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ ـ ﺃﻥّ ﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺐ ﻣﺪﻳﻨﺘﻪ ﻻ ﻳﺤﺐ ﻭﻃﻨﻪ، ﻭﻣﻦ ﻻ ﻳﺤﺐ ﻭﻃﻨﻪ ﻻ ﻳﺤﺐ ﺃﻣّﻪ . ﻫﻮ ﺣﺐ ﻛﺎﻣﻞ ﺍﻷﻭﺻﺎﻑ؛ ﻣﺘﻜﺎﻣﻞ ﺍﻷﺑﻌﺎﺩ؛ ﺇﻣّﺎ ﺃﻥ ﻳﻜﻮﻥ ﺃﻭْ ﻻ ﻳﻜﻮﻥ . ﻻ ﻳﻤﻜﻦ ﻟﻲ ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﺟﺎﺣﺪﺍ ﺃﻭ ﻋﺎﻗّﺎً ‏( ﻣﺴﺨﻮﻃﺎ ‏) . ﻷﻥ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ ﻋﻠﻤﺘﻨﻲ ﻛﻴﻒ ﺃﻛﻮﻥ ﻣﻠﺘﺰﻣﺎ، ﻭﻓﻴﺎ، ﻣﺨﻠﺼﺎ .. ﻟﻢ ﺗﻌﻠﻤﻨﻲ ﺍﻟﻨﻔﺎﻕ ﻭﻻ ﺍﻟﺨﺪﺍﻉ ﻭﻻ ﺍﻟﺘﺂﻣﺮ ﻭﻻ ﺍﻻﻧﺘﻬﺎﺯﻳﺔ …

ﺃﻥ ﺃﻛﻮﻥ ﻗﺎﺳﻤﻴﺎ، ﻓﻬﺬﺍ ﻓﺨﺮ ﻭﺍﻋﺘﺰﺍﺯ ﺑﺎﻟﻨﺴﺒﺔ ﻟﺸﺨﺼﻲ ﺍﻟﻤﺘﻮﺍﺿﻊ ، ﻷﻧﻨﻲ ﺗﺮﻋﺮﻋﺖ ﻓﻲ ﻣﺪﻳﻨﺔ ‏( ﻣﻦ ﺃﻭﺍﺧﺮ ﺍﻟﺨﻤﺴﻴﻨﻴﺎﺕ ﺇﻟﻰ ﻣﻨﺘﺼﻒ ﺳﺒﻌﻴﻨﻴﺎﺕ ﺍﻟﻘﺮﻥ ﺍﻟﻌﺸﺮﻳﻦ ‏) ﻓﺘﺤَﺖْ ﻟﻲ ﺃﺣﻀﺎﻧﻬﺎ ﻭﺃﺳﺮﺍﺭﻫﺎ .. ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻓﻴﻬﺎ ﻛﻞ ﺷﻲﺀ، ﻭﻟﻢ ﺃﻋﺮﻑ ﻗﻴﻤﺔ ﻣﺎ ﺗﻌﻠﻤﺖ ﻭﻣﺎ ﺃﻋﻄﺘﻨﻲ ﺇﻻ ﺑﻌﺪ ﺃﻥ ﺫﻫﺒﺖ ﻟﻠﺮﺑﺎﻁ ﻟﻠﺪﺭﺍﺳﺔ ﺍﻟﺠﺎﻣﻌﻴﺔ ، ﺛﻢ ﺍﻹﻗﺎﻣﺔ ﻓﻴﻬﺎ ؛ ﻭﻣﻦ ﺧﻼﻝ ﺍﻟﻌﻼﻗﺎﺕ ﺍﻟﺘﻲ ﺭﺑﻄﺘﻬﺎ ﻣﻊ ﻣﺨﺘﻠﻒ ﺍﻷﻭﺳﺎﻁ ﺍﻟﺜﻘﺎﻓﻴﺔ ﻭﺍﻹﻋﻼﻣﻴﺔ ﻭﺍﻟﺴﻴﺎﺳﻴﺔ ﻭﺍﻟﻨﻘﺎﺑﻴﺔ ﻭﺍﻟﺒﺮﻟﻤﺎﻧﻴﺔ ﻭﺍﻹﻧﺴﺎﻧﻴﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻌﺎﺻﻤﺔ،ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﺣﻘﻴﻘﺔ “ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺳﻤﻴﺎ .” ﺍﻛﺘﺸﻔﺖ ﻗﻴﻤﺔ ﺍﻟﺰﺍﺩ ﻭ ” ﺍﻟﺒﺎﻛﺎﺝ Bagages)” ‏) ﺍﻟﺬﻱ ﺣﻤﻠﺘُﻪ ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ، ﻭﺣﻤّﻠَﺘْﻨﻲ ﺑﻪ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ ؛ ﺯﺍﺩٌ ﻭ ” ﺑﺎﻛﺎﺝ ” ﺳﺎﻋﺪﻧﻲ ﻛﺜﻴﺮﺍ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻜﻴّﻒ ﻭﺍﻟﺘﻔﺎﻋﻞ، ﺑﻜﻞ ﺳﻬﻮﻟﺔ ﻭﻣﺮﻭﻧﺔ، ﻣﻊ ﺍﻷﺟﻮﺍﺀ ﻓﻲ ﺭﺑﺎﻁ ﺍﻟﻔﺘﺢ .. ﺑﺪﻭﻥ ﻣﺸﺎﻛﻞ ﻭﻻ ﻋُﻘَﺪ .. ﻭﻛﻢ ﻛﻨﺖ ﻓﺨﻮﺭﺍ ﺃﻥ ﺃﻗﻮﻝ ﻟﻠﺠﻤﻴﻊ ﺣﻴﻦ ﻳﺴﺄﻟﻮﻧﻲ : ﺃﻳﻦ ﺗﺮﺑّﻴْﺖ؟ ﻭﺃﻳﻦ ﺗﻌﻠّﻤﺖ؟ﻭﻣﻦ ﺃﻳﻦ ﺃﺗﻴﺖ؟ﻓﺄﺭﺩّ ﺑﻜﻞ ﺛﻘﺔ : ﻣﻦ ﺳﻴﺪﻱ ﻗﺎﺳﻢ .

ﻫﻨﺎ ﻳﻜﻤﻦ ﺳﺮّ ﻣﺎ ﻣﻌﻨﻰ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺳﻤﻴﺎ . ﻭﻟﻴﺲ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻬﻞ ﺃﻥ ﺗﻜﻮﻥ ﻗﺎﺳﻤﻴﺎً.