رأي

سعيد الكحل: شورت المتطوعات وخزي البرلماني

لن تنفع الرسائل المفتوحة مع العقائد المتطرفة التي تشبع بها البرلماني الإسلاموي علي العسري وكل المتطرفين؛ بل ينفع الردع بكل أشكاله وأساليبه، وأولاها فضح الدوافع النفسية المكبوتة التي تغذيها عقائد التطرف والغلو وتشرعنها.

إن البرلماني إياه كان أحرى به أن يتمثل قيم المغاربة وعراقتها في التسامح والتعايش على مر التاريخ، فلم تكن تُثرهم ألبسة الأجانب ولا معتقداتهم ؛ كما كان حريا به أن يستحضر بنود الدستور وتنصيصها على تبني المغرب قيم وثقافة حقوق الإنسان في بعدها العالمي، وضمنها قيم التعاون والتسامح والتعايش. والمفروض في البرلماني إياه أن يتصرف كعضو في أسمى مؤسسة تشريعية دستورية فيستحضر مصالح المواطنين ويشاطرهم معاناتهم ويتفهم مطالبهم ويستسيغ غضبهم ويكون أول المدافعين عن الساكنة ووكيلا عنهم أمام الحكومة والوزارات أو الجهات المعنية. وفي البداية والنهاية يتصرف كإنسان يتسامى على النوازع والدوافع والغرائز، فلا يرى في الشابات المتطوعات غير الأبعاد الإنسانية التي حفّزتهن على تحمل حرارة صيف المغرب ووعورة مسالك منطقة تارودانت من أجل تجسيد القيم الإنسانية في سموها ورقيها ليثبتن أن الإنسانية أسمى عقيدة توحد كل البشرية بغض النظر عن العقائد واللغة والعرق والجغرافيا والإيديولوجيا.

لقد أجرم النائب إياه في حق الوطن والشعب والإنسانية والدين الذي يزعم أنه يشكل مرجعية حزبه، كما أجرم في حق نفسه لما وضعها موضع السخرية والاستهزاء وعطّل ملكات التفكير والتمييز والنقد. فحتى الكائنات المتوحشة لا تؤذي من ينقذها في حالة الشدة أو الخطر، لكن البرلماني إياه آذى فتيات بلجيكيات أتين لفك العزلة عن الساكنة ومشاركتها حياتها اليومية في ظروف التهميش والحرمان التي يفرضها على المنطقة تجاهل الحكومة وإهمالها لمطالب السكان. ومن باب المروءة والدين والقيم تقديم الشكر لمن يصنع لنا خيرا أو يقدم لنا مساعدة لا مهاجمته والتحريض ضده كما فعل البرلماني إياه . ففي القول الديني المأثور ( من صنع لكم معروفا فكافئوه فإن لم تجدوا ما تكافئونه به فاعدوا له). فما هي المكافأة التي خص بها البرلماني ضيوف ساكنة تارودانت والشعب المغربي عموما ؟ وما هو الدعاء الذي دعا لهن به اعترافا بما قدمنه للساكنة؟؟

وأجرم البرلماني في حق الشعب المغربي ليس فقط أنه أعطى صورة مشوهة عن المغاربة وكرس مخاوف الأوربيين من القدوم إلى المغرب بعد عملية شمهروش الإرهابية، بل أيضا سعى إلى حرمان الساكنة وعموم الشعب من الخدمات التطوعية التي تقدمها جمعيات مدنية أجنبية بدافع إنساني. فلم تكفه سياسة الحرمان والإقصاء التي تنهجها الحكومة في حق مناطق عديدة بالمغرب، ولا التجاهل الذي تواجه به المجالس المنتخبة مشاكل الساكنة ومطالبها، ولا تنكّر المنتخبين لمسئولياتهم داخل دوائرهم الانتخابية، كل هذا لم يشفع للسكان عند البرلماني فأصر على مضاعفة القسوة عليهم بأن أرْهَب المتطوعات الأجنبيات ومعهن أسرهن والجمعيات التي ينتمين إليها بسبب التهديد والتحريض على العنف ضدهن بعلة أنهن يرتدين الشورت. فالبرلماني لا تهمه أبدا وضعية الإقصاء والعزلة التي يعانيها السكان ولا تشغله معاناتهم من انعدام المسالك والطرق أو المؤسسات الثقافية، لهذا لم تشد أنظاره وعورة المسالك ولا خطر على باله معاناة الحوامل والمرضى والمسنون والتلاميذ ولا أنّبه الضمير بسبب استحالة وصول ساعفة أو سيارة أجرة لنقل من شق عليهم/ن التنقل. كل ما يشغله هو شروط البنات المتطوعات وأفخاذهن التي تكسوها الأتربة ويغسلها عرق الكد وجهد نقل الحجارة والإسمنت، وكأنه يريدهن أن يرتدين البرقع والجلباب ويغالبن أكياس الإسمنت وأكوام الخرسانة والأحجار. إن كان يريد صاحبات البراقع والجلابيب فليأت بهن من عضوات حزبه وحركته الدعوية اللائي شغلتهن هواتفهن وهن تحت قبة البرلمان عن مشاغل الناس ومشاكلهم. فلا أحد منعه من هذا ما دام العمل الصالح مبتغى كل مواطن.

ليعلم النائب البرلماني أن تدوينته التحريضية ضد المتطوعات البلجيكيات أساءت إلى الشعب والوطن كما أساءت إلى البرلمان الذي اكتشف الأوربيون مع التدوينة إياها، أنه بات وكرا للتطرف والكراهية والتحريض على العنف. وليعلم البرلماني وأمثاله المتطرفون أنهم دخلاء على المجتمع المغربي بما يحملون من عقائد الكراهية وثقافة العنف وميولات الإرهاب.

لا شك أن مواجهة التطرف والكراهية ليست مسئولية الدولة وحدها، بل هي كذلك مسئولية كل المواطنين. ولعل موجة التنديد التي أثارتها تدوينة البرلماني وقبله الإرهابي في جبة مدرس، هي واحدة من الأساليب الفعالة للتصدي للتطرف ومواجهة المتطرفين أيا كانت مواقعهم.

أخي جاوز الظلاميون المدى // فحق النضال وحق الفدا.

فجرّد لسانك من غمده /// فليس له بَعدُ أن يُغمدا.