سياسة واقتصاد

خبير يرصد عشر أسباب خلف إقامة المغرب مراكز للمراقبة في منطقة الكركرات

كفى بريس

اعتبر “صبري الحو” المحامي و الخبير في قضايا الهجرة و نزاع الصحراء، أن من أهم الأسباب التي جعلت المغرب يتخذ قرار إقامة مراكز للمراقبة بمنطقة الكركرات، هو سعيه لضمان أمن وسلامة حركة مرور البضائع والمسافرين في طريق الكركرات، هاته الأخيرة التي تحولت إلى ملاذ لهروب واختباء الجناة ولانطلاقهم، ونفس الشيء في وجه المهربين وعصابات الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها، يقول صبري.

و أوضح “الحو” من خلال مقالة تحليلية له أن “مقتضيات القانون الدولي تعطي للمغرب حق استغلال واستعمال المعبر ، وفي الوقت ذاته تجعل على عاتقه واجب والتزام بسط الأمن فيها وحفظ وضمان سلامة العابرين، خاصة أن المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي، جعل المنطقة تدخل في النطاق الجغرافي للإقليم المغربي دون اعتبار لوضع النزاع حول المنطقة”

وأشار ذات المتحدث الذي دأب على بسط آرائه التحليلية في كل القضايا ذات الارتباط بنزاع الصحراء، عدد عشرة أسباب مستندة إلى ماهو واقعي و قانوني معتبرا إياها أسبابا رئيسية استند عليها المغرب لإقامة مراكز للمراقبة في منطفة الكركرات.

وفيما يلي النص الكامل للمقال :

صبري الحو*

قام المغرب مؤخرا بتثبيت مراكز مراقبة قارة لفائدة شرطة الحدود ورجال الدرك المغربي والجمارك في إطار مشروع متكامل لتأهيل معبر الكركرات، الهدف منه تأمين حركية المرور والعبور للبضائع وتنقل المسافرين، ومحاربة مهربي الأسلحة والمخدرات بعد سلسلة من أفعال التوتر التي تعرقل وتعيق ذلك.

وهذا التصرف المغربي خلق ذعرا وتخوفا لدى قيادة وإعلام البوليساريو، الذي اعتبر الفعل خرقا لاتفاق وقف إطلاق النار، ومحاولة مغربية لتغيير الوضع القائم في المنطقة، واستفزازا يهدد الأمن في المنطقة. واحتفظت الجبهة لنفسها بحق الرد، كما راسلت الأمين العام للأمم المتحدة في الموضوع.

وفي هذا التحليل سنحاول البحث في الأسباب والخلفيات التي جعلت المغرب يتخذ هذا القرار بعد قرار الانسحاب من جانب واحد صيف 2016، والنتائج التي تحكمت في القرار.

أولا: إن المغرب يعتبر المنطقة إقليما وترابا مغربيا، وتركه خاليا في عهدة ومسؤولية الأمم المتحدة بواسطة بعثة المينورسو لتقوم بمراقبة وقف إطلاق النار. وتبين كما تأكد للمغرب أن المنطقة أصبحت مجالا وقاعدة لتهديد أمنه، وأمن وسلامة حركة مرور البضائع والمسافرين في طريق الكركرات، وتحولت إلى ملاذ لهروب واختباء الجناة، ولانطلاقهم، ونفس الشيء في وجه المهربين وعصابات الجريمة المنظمة بمختلف أشكالها وأنواعها.

ثانيا: لقد سبق للمغرب أن عبر عن رفضه اقتحام البوليساريو للمنطقة العازلة ومحاولتها إقامة منشآت إدارية، ووجه تنبيها رسميا ورسائل إلى الأمين العام للأمم المتحدة ومجلس الأمن وأمريكا وروسيا وكل الدول صاحبة النقض والدول أصدقاء الصحراء والسويد لثلاث سنوات متتالية منذ 2017، 2018 و2019، على إثر اقتحام البوليساريو للمنطقة، وعبر بلغة شديدة عن أنه عازم على التصدي بأي وسيلة ولو باستعمال القوة لأي شكل من أشكال محاولات البوليساريو تغيير الوضع القائم في المنطقة العازلة.

ثالثا: إن المغرب يعتبر المنطقة العازلة كلا لا يتجزأ وغير قابل للانقسام، وهي كل الشريط الذي يقع خلف الجدار الدفاعي المغربي نحو الشرق في اتجاه الحدود المغربية الجزائرية، أو في منطقة الكركارات في اتجاه الحدود المغربية الموريتانية وفي اتجاه المحيط الأطلسي دون استثناء ودون فواصل ولا تحديد للمسافات.

رابعا: إن اقتحام البوليساريو للمنطقة العازلة ومحاولات إعمارها مدنيا واعتبارها ”أراضي محررة”، والمخطط الذي يمتد إلى 2014 (تاريخ مصادقة مجلسها الوطني على ذلك)، وتأكد للأمين العام السابق بمعاينة عناصر بعثة المينورسو وتوثيقه في تقريره لسنة 2015، وإقدامها مباشرة ولعدة مرات على قطع الطريق والممر العابر لمنطقة الكركارات من طرف عناصرها المدنية أو العسكرية، هو مس بسلامة وحرية المرور في المعابر الدولية.

خامسا: إن مقتضيات القانون الدولي تعطي للمغرب حق استغلال واستعمال المعبر ، وفي الوقت ذاته تجعل على عاتقه واجب والتزام بسط الأمن فيها وحفظ وضمان سلامة العابرين، خاصة أن المجتمع الدولي، بما فيه الاتحاد الأوروبي، جعل المنطقة تدخل في النطاق الجغرافي للإقليم المغربي دون اعتبار لوضع النزاع حول المنطقة.

سادسا: إن إقامة البوليساريو لمنشآت إدارية وعسكرية في تيفاريتي وبئر لحلو ومحاولتها إقامة أخرى أو نقلها في المحبس يعتبر فعلا مخلا باتفاق وقف إطلاق النار، شأنه في ذلك شأن ظهور وتواجد عناصرها في الكركرات، الموثق في لوائح وقرارات الأمم المتحدة منذ 2016، ولا أساس قانونيا ولا تعاقديا يسمح بالتمييز بين تلك المواق كمنطقة عازلة غير مسموح لها بالتواجد فيها، وهو فعل مستمر لخرق وقف إطلاق النار.

سابعاً: إن الانتهاك والاقتحام المزدوج لعناصر البوليساريو المدنية والعسكرية للمنطقة العازلة وتواطؤها مع المهربين والعصابات داخل المنطقة، وبغض النظر عن طبيعة العلاقة، فإن ذلك في حد ذاته يعتبر فعلا مخلا بطبيعة المنطقة ووضع المنطقة العازلة، التي لا تقبل هذا الحضور.

كل ذلك فرض واستوجب على المغرب التدخل تنفيذا لتنبيهه ولتجسيد جديته في إصداره وتبليغه هذا الإنذار لكل المعنيين بالأمر، وربط بذلك القول بالفعل، تفاديا للفهم الخاطئ من طرف البوليساريو وغيرها.

ثامنا: من جهة أخرى فإن ما قد يكون قام به المغرب هو من قبيل أن ما يسري على البوليساريو في تواجدها في أجزاء من المنطقة العازلة، وإقامتها منشآت فيها ومحاولة إعمارها يسري عليه أيضا، ولا مانع يمنعه من التواجد والبقاء فيها تبعا لذلك أمام تقاعس المينورسو عن القيام بدورها والتزامها في بسط رقابتها على المنطقة.

فالبوليساريو ورغم التزامها في اتفاق وقف إطلاق النار بطبيعة المنطقة العازلة، وتعهدها للأمين العام في التقرير 2019 بالإخلاء وبعدم إقامة المنشآت ولا نقلها، ورغم القرار من مجلس الأمن بضرورة إخلاء المنطقة الفوري، تغاضى المجلس عن كل ذلك ولم يتم كبح جماحها بالصرامة والحزم اللازمين في مواجهتها، وهو ما شجعها على الالتفاف على تنفيذ قرارات مجلس الأمن وعدم احترامها وانتهاكها، بدليل ثبوت استمرار تواجدها في المنطقة.

تاسعا: إن التصرف المغربي رسالة لمجلس الأمن ولبعثة المينورسو، التي لم تستطع الاضطلاع بواجب مسؤوليتها في مراقبة المنطقة. وقد أقر الأمين العام نفسه في تقريره الأخير بصعوبة تلك المراقبة بذريعة شساعة المنطقة خلف الجدار الدفاعي المغربي، واعترف بوجود تهديد حقيقي وداهم لقوات وأفراد وعناصر بعثة المينورسو؛ بل إن صحافة البوليساريو تحرض ضد هذه القوات، راجع جريدة (المستقبل الصحراوي، وخاصة مقال صاحبها سعيد زروال) .

عاشراً: إن استفزازات البوليساريو آتية من منطقة الكركارات، وهي النقطة الصغيرة التي تختزل مجمل القضية، وعناصر الحل. وتوجد قيادة البوليساريو الآن في وضع صعب داخليا تبعا لغليان واحتجاجات سكان المخيمات، لعدة أسباب، منها معاقبتها على التفريط في ورقة الكركارات؛ وقد سبق لأمينها العام وقائدها في الشهر المنصرم أن هدد في شريط مصور بالعودة إلى الحرب.

واستنتجت شخصيا حينها في مقال أخذ التهديد محمل الجد، بالنظر إلى الوضع الداخلي في المخيمات، وللوضع في الجزائر، واتجاه المجموعة الدولية في رفض الأخيرة قيام دولة جديدة في المنطقة (حوار الرئيس السابق لموريتانيا محمد عبد العزيز مع الصحفي عبد الباري عطوان، والتقرير الأخير لجريدة وول ستريت جورنال الأمريكية الوارد فيه أن الرئاسة الأمريكية لا تؤيد ذلك، والدعم الذي تحظى به مبادرة المغرب بالحكم الذاتي).

على سبيل الختم

كل تلك الأسباب فرضت على المغرب اليقظة والحيطة والحذر من أي تهور ورعونة، لأن الحرب مزاج بشري غير قابل للضبط، ومن الأفضل التنبؤ والاستعداد لها؛ فالبوليساريو تعيش ضغطا صعبا قد يعصف بها، وهي تتخبط، والحرب ضالتها لتهدئة الداخل وتصريفه إلى الخارج، إلا أن تكلفة ذلك الاختيار كارثية في وجودها. وقرار المغرب الحالي يحقق به نتيجتين؛ فهو يضاعف من الضغط الممارس على قيادة جبهة البوليساريو من جهة، وهو حيطة وحذر واستعداد مطلوب لأي طارئ تقدم عليه .

*محامي بمكناس، وخبير في القانون الدولي- الهجرة ونزاع الصحراء