مجتمع وحوداث

تحليل مورفولوجي لحكاية هينة

صالح هشام

نص الحكاية

كان يا ما كان، حتى كان الزحاف يقفز الكيفان، حتى كان الأعمى يخيط الكتان، في يوم من الأيام، خرجت ثلاث بنات للغابة من أجل الاحتطاب، وكانت واحدة منهن برفقة أخيها، فوجدت البنتان( مغزلات صغيرة )، أما الثالثة، وكان اسمها هينة فقد وجدت هراوة حديدية كبيرة٠

    عندما قفلن راجعات إلى منازلهن، بدأت هراوة هينة تكبر ٠٠٠تكبر ٠٠٠تكبر وتكبر، فبقيت هينة وأخوها وحيدين في الغابة، فحاولا حمل تلك الهراوة الحديدية الكبيرة، لكنهما لم يفلحا في ذلك٠

    فجأة تحولت تلك الهراوة غولا مخيفا٠٠٠ ضخما ٠٠٠ غريبا٠٠٠ وعجيبا٠٠٠  فطلب هذا الغول يد هينة للزواج، فقبلت به خوفا منه، كما وافق أخوها أيضا، رغم أنها كانت مخطوبة لابن عمها، الذي كان في مهمة سفر خارج البلاد٠ تعرف الغول على منزل هينة، فتركها تذهب - رفقة أخيها - لحال سبيلها٠

     وعندما ادلهم الليل، تسلل الغول تحت جنح الظلام، واقترب من  بيتها، وبدأ يصرخ، وينادي هينة:

-  آهينة، آهينة، أعطيني شربة ماء٠

   ولكن هينة  فطنت لحيلته، وعرفت أنه ما جاء إلا  ليخطفها، وليتزوجها فأجابته:

- عمي يعطيك الماء٠

       ورجع الغول من حيث أتى مكسور الخاطر٠ وفي اليوم الثاني- بعد غروب الشمس - جاء إلى القرية، ونادى هينة:

- آهينة، أعطيني شعلة نار٠

       عرفت هينة أنه جاء ليخطفها، ويتزوجها، فأجابته:

- آعمي الغول، جدي يعطيك شعلة النار٠

        فغضب منها، أرغى وأزبد، وصاح فيها والحقد يعمي عينيه:

- لك الويل والدمار ياهينة، ولعمك، ولجدك٠

         وقفل راجعا إلى قصره٠

      مرت الأيام والشهوربسرعة، فعاد ذلك الغول إلى قرية هينة ذات ليل دامس٠ فترصد بها، حتى خرجت للعب مع صديقاتها من بنات القرية تحت ضوء القمر،  فخطفها من بينهن، وفر بها هاربا إلى قصره، وكان بعيدا ٠٠٠بعيدا٠٠٠بعيدا ٠٠٠ بمسيرة أيام وليال، وكان قصره لا يدخله أحد كيف ما كان نوعه، وكان يمتلك فيه:

سبعين فرسا، وسبعين كلبا، وسبعين خروفا، ومرت الأيام (دازت أيام وجات أيام) وكان الغول يذهب إلى الصيد، ويترك هينة وحيدة في القصر٠ وكانت المسكينة تقضي يومها كله في البكاء٠

     وفي يوم من الأيام، عاد خاطبها ( ابن عمها ) من سفره الطويل، فسأل عنها، فأخبره أهلها بأنها ماتت، ودفنت٠ وعرفوه بقبر وهمي،  وليوهموه بموتها فعلا، أخذوا خشبة، ووضعوا فوقها مجدول حريريعود لهينة٠

      أصبح خاطب هينة يزور ذلك القبر كل يوم، وهو يبكي بحرقة، ويقرأ القرآن٠ وفي يوم من الأيام، مرت قربه امرأة عجوز، فرأته يبكي هينة، فسألته:

- يا ولدي، ما سبب بكائك ؟

         أجابها، والدموع تنهمر على خديه:

-  يا والدة، إني أبكي مخطوبتي هينة، فقد ماتت وأنا في سفر٠

       عرفت العجوز بأن أهل هينة كذبوا عليه،  وأوهموه بموتها فقالت له:

- يا ولدي، هينة لم تمت، هينة خطفها الغول، وتعيش معه الآن في قصره٠

       وعندما عرف خاطب هينة بسرها، وأنها ما زالت حية، فرح فرحا كبيرا٠ وقرر السفر للبحث عنها، ركب حصانا، وحمل سيفا، وتزود بالعدة والعتاد، وخرج يجوب البراري والأحراش، ويقطع  الغابات والجبال بحثا عن مخطوبته/مخطوفته هينة ٠٠٠  فحدث أن مر بالقرب من إحدى الوديان فقال له:

       -  يا واد،  مالي أراك جف ماؤك؟

        فأجابه ذلك الوادي:

- يجف ما ئي، ويزيد جفافا، لأن هينة  شربت منه٠

     عرف الفارس أن هينة مرت من هنا، من قرب هذا الوادي٠ فتابع طريقه، حتى وصل لشعب (بكسر الشين) عميق فقال له:

- يا شعب، مالي أراك عميقا؟

        فأجابه ذلك الشعب:

-   أعمق، ويزيد عمقي،  لأن هينة مرت  قربي٠

       فتابع طريقه حتى وصل إلى نهر خرج ماؤه عن ضفتيه، فقال له الفارس :

- يا نهر مالي أرى مياهك فاضت، وخرجت عن ضفتيك ؟

         فأجابه النهر:

- تفيض مياهي، وتزيد لأن هينة  مرت من هنا٠

    فعرف الفارس أنه قريب من قصر الغول، فتابع طريقه : زيد٠٠٠زيد ٠٠٠زيد ٠٠٠٠زيد ٠٠٠زيد٠٠٠ وإذا بقصر الغول يظهر له، أمام بابه ديك عجيب، فكلمه الفارس، وقال له:

-  اذهب يا ديك، وأخبر هينة أن ابن عمها  قدم للبحث عنها٠

       ذهب الديك عند هينة، وأخبرها بقدوم خاطبها وفارس أحلامها، لكن هينة لم تصدقه، فعاد الديك من حيث أتى، وأخبره بأنها لم تصدق قدومه، فقال له الفارس:

- عد إليها واخطف منها صوفا في أظافرك، فإنها ستتبعك وقتها، ستراني٠

    وفعل الديك ما أمره به الفارس، فتبعته هينة   فرأت خاطبها، عانقته عناقا حارا وبكت وبكى٠ وأحسنت ضيافته في قصر الغول٠

     وعندما اقترب موعد عودة الغول من الصيد، أخفته  تحت قصعة من نحاس، وأوصته عندما تنام، وينام الغول: أن يسل شعرها من تحته شعرة، شعرة، شعرة٠

       وعندما قدم الغول، اشتم رائحة البشر، فقال لها:

- قنصري، بنصري، لعرب داخل للدار، هينة يا بنت الغدار٠

     ولكن هينة أنكرت، وأقسمت له بأنها لم تدخل أحدا لقصره، فصدقها٠ وعندما أراد أن ينام أفرشت له سالفا من سوالفها، وغطته بسالف آخر، فاحمرت عيناه، فعرفت بأنه نام، وأغرق في نومه٠

    خرج الفارس من تحت القصعة النحاسية، وسل شعرها من تحت الغول شعرة ، شعرة، إلى أن حررها تماما٠ فقامت هينة برش جميع جنبات القصر بالحناء، ولكنها نسيت أن ترش المهراس، فهربت مع فارسها، وكان يحمل معه حفنة من الإبر، وحفنة من النبال، وحفنة من الملح، وعندما هربا، بدأ المهراس الذي نسيت رشه بالحناء، يصرخ :

- طن٠٠٠ فطن٠٠٠ طن ٠٠٠ فطن٠٠٠ هينة مشات٠

- طن ٠٠٠ فطن ٠٠٠ طن ٠٠٠ فطن ٠٠٠ هينة مشات٠

     استيقظ الغول، فاقتفى أثر هينة وخاطبها، فكان كلما اقترب منهما رماه الفارس بالإبر، تخترق جلده، فينشغل عنهما بإزالة هذه الإبر الكبيرة، وعندما ينتهي يتبعهما، فيرميه الفارس بالنبال، وينشغل بإزالتها من لحمه،  وعندما ينتهي يتبعهما، وفي الأخير رماه بحفنة  من الملح،  فأصيب بالعمى، ففاض بينهما النهر٠  توقف الغول عن اللحاق بهما، فقال لهينة:

-   أوصيكما، والوصية لا تقتل ولا تحيي: في طريقكما ستجدان طائرين يتشاجران  فلا تصلحا بينهما٠ وستجدان نهرا اذا شربتما منه فلا تتنفسا٠ وسيلقاكما في الطريق طائرسيطلب من ابن عمك أن يحلق له شعره، فلا يجب أن يتركه يفعل ذلك٠

      وقفل الغول راجعا إلى قصره٠

    أكملت هينة وخاطبها طريقهما، وفعلا وجدا طائرين يتعاركان، فلم يتدخلا لحل نزاعهما، ووجدا واديا، وشربا منه ولم يتنفسا، ووجدا طائرا كبيرا تحايل على خاطب هينة ليحلق له شعره، فانخدع الفارس، ونسي وصية الغول، وترك هذا الطائر يحلق له شعره، فابتلعه و حصانه، وطار في السماء، بكته هينة كثيرا،  وتابعت طريقها، فوجدت جلد سلوقية ( فصيلة من الكلاب) فلبسته وأكملت رحلتها، حتى وصلت إلى أحد الدواوير، وبقيت تعيش مع الكلاب، وعندما تغرب شمس كل يوم، يأتي ذلك الطائر الذي ابتلع خاطبها ويبدأ في مناداتها:

- هينة،  يا هينة،  أش عشاك الليلة؟ (ما عشاؤك الليلة؟ )

        فتجيبه هينة:

- عشائي النخالة ( قشور القمح بعد الطحين ) وركادي (نومي ) بين

 لخوالف (ستائر الخيمة من الشعر) يوسف، يا الغدار٠

     واستمر ذلك الطائر في مناجاة هينة كلما  أقبل الليل٠ وفي يوم من الأيام، اكتشفت حقيقة أمرها، فسألها أهل الدوار من تكون؟

- واش أنت خلقة ( إنسان ) أو ( جن )؟

        فأجابتهم عن أسئلتهم :

-  أنا خلقة من مخلوقات الله٠

وحكت لهم قصة خاطبها مع الطائر كاملة،  وأن هذا الطائر الذي يأتي كل ليلة ويناديها، هو الذي ابتلع خاطبها، فألبسها هؤلاء الناس أحسن ما تلبس بناتهم من ثياب، وأكرموها، وأحسنوا ضيافتها، ووعدوها بتخليص خاطبها من هذا الطائر٠     وفي تلك الليلة، أتى الطائر كعادته، ونادى:

     -  هينة، يا هينة، أش عشاك الليلة؟

         فأجابته هينه:

     - عشائي لفتات ( أكلة شعبية مغربية) ورقادي (نومي) بين البنات، يوسف يا الغدار٠

    اتفق سكان الدوار، وذبحوا ثورا أسود، لا بقعة بيضاء فيه٠ وهيؤوا وليمة لجميع الطيور، وقسموا ذلك الثور سبع قسمات من اللحم،  وأكثروا الملح في كل قسمة، فنزلت الطيور من السماء، وأكلت حتى شبعت، وكان معها ذلك الطائر الكبيرالذي ابتلع خاطب هينة، فطارجميع الطيور، إلا هو، فإنه عجز عن الطيران، فقبض عليه سكان الدوار، وشرعوا في ضربه ضربا مبرحا، و هم يقولون له:

- حط يوسف، حط يوسف كما أكلته٠

        فيجيبهم متحديا:

- أحطه بلا عود (فرس )٠

       ويبالغون في ضربه:

       - حط يوسف،  كما أكلته٠

       فتقيأ الطائر خاطب هينة بفرسه وسيفه، فقتلوه، وأقاموا احتفالا كبيرا لهينة وخاطبها، وتزوجا وأنجبا البنين والبنات،  وعاشا في هناء وسعادة في تباث،  بين البنين والبنات٠

وامشات حجايتي مع الواد٠٠٠ الواد ٠٠٠ وأنا أكلت فواد ( فواد :أحشاء الخروف ) وأنت كليت ( أكلت) خبزة وبراد، ( براد الشاي )٠انتهت الحكاية٠

ملاحظة :----------------------------------

قمت بنقل هذا النص من العامية المغربية، ومن لغته الأصلية، إلى العربية الفصحى لتسهيل فهمه، وتعميما للفائدة ٠

---------------------------------------—-

مورفولوجيا الحكاية:

 الاستهلال :

    تستهل الحكاية بخروج ثلاث فتيات إلى الغابة من أجل الاحتطاب، وكانت البطلة   هينة  هي البنت الثالثة، وكانت مرفوقة  بأخيها. تجد الفتاتان ( مغزلات صغيرة) وتجد  هينة وأخوها هراوة كبيرة، فينشغلان بحملها، وتخلو الغابة إلا منهما٠ فجأة، تتحول تلك الهراوة غولا ضخما، مخيفا يطلب  يد هينة للزواج، فتوافق -مكرهة-  على ذلك، فيتم الاتفاق على الزواج مع أخيها الذي قبل لتلافي غضبه فيعودان إلى البيت٠

     قبل بداية التحليل التركيبي لهذه الحكاية، أود أن أشير إلى أن الوحدات الوظيفية ذات طابع ثنائي على مستوى البطولة في الحكاية،  فيلعب البطولة ابن عم هينة، وهو خاطبها، وهي مخطوبته، كما سنرى في هذه القراءة، كما أننا سنكون بصدد شخصيتين شريرتين، كل منهما سبب الأذى لبطل بعينه، فهينة يخطفها الغول وخاطبها، يخطفه ذلك الطائر، ويبتلعه بحصانه وسيفه، وإن اختلفت عملية الاختطاف بين البطلين٠

       الوحدات الوظيفية :

      وهي 31 وحدة وظيفية، كما حددها فلادمير بروب في كتابه (مورفولوجيا الحكاية الخرافية ) وهي التي سنعتمد في هذا التحليل المورفرلوجي لحكاية هينة٠ وهي  كما يلي في هذه الحكاية:

1- تغيب كل من البطلين: فهينة تتغيب عن البيت للاحتطاب من الغابة، وخاطبها يتغيب عن قريته في مهمة سفر طويلة٠

      ٦- الشخصية الشريرة: الغول والطائر، فأما الأول، فحاول  أن يخدع هينة، عندما كان  يناديها، وهي في بيتها، ويطلب منها الماء والنار، فتكتشف الخدعة، فلا تستسلم له، أما الشخصية الشريرة الثانية فهي (الطائر) الذي  خدغ الخاطب (ابن عم هينة) عندما طلب  منه أن يحلق له شعره، فينخدع ، ويبتلعه هذا الشرير٠

      ٧ – استسلام البطل لخداع الشخصية الشريرة: يستسلم خاطب هينة للطائر ليحلق له شعره، ثم  يبتلعه بسيفه وجواده٠

٩/١٠- البطل يقرر تخليص هينة من قبضة الغول، وهو في قصره البعيد٠

11- البطل يترك الأهل، ويخرج للمغامرة من أجل تخليص هينة، وهذا الغياب سيختلف عن الغياب الأول،لأنه سيكون لا إراديا، وسيكون اضطراريا٠

12- الشخصية المانحة:  في هذه الحكاية لا تمنح البطل أداة سحرية (العجوز) وإنما تشير عليه بمكان هينة، وترشده إلى طريق قصر الغول بطريقة ضمنية، وتتجسد هذه الشخصية في الواد والشعب (بكسر الشين ) إذ يسألهما البطل أسئلة لا علاقة لها بهينة، ولكنهما يرشدانه بطريقة غير مباشرة إلى مكانها٠

15- البطل ينتقل إلى العالم المجهول: ينتقل إلى قصر الغول، حيث تؤسرهينة ٠

21- الشخصية الشريرة تقتفي أثر البطلين: عندما يستفيق الغول على طنين المهراس الذي نسيت هينة رشه بالحناء، يقتفي أثرهما للانتقام منهما٠

22- البطل يهزم الشخصية الشريرة: ينتصر الفارس (خاطب هينة ) على الغول بأدواته السحرية (الابر/ النبال/ الملح )٠

19- زوال خطر الشخصية الشريرة: يعود الغول إلى قصره مهزوما٠٠٠ يقتل أهل الدوارالذي لجأت إليه هينة في صورة سلوقية ذلك الطائر الذي ابتلع الفارس٠

٢-توجيه التحذير يوجه للبطلين لاجتناب الفعل المحظور: ويتجلى ذلك في وصية الغول للبطلين بأن يشربا من الوادي دون أن يتنفسا،  وأن لا يتدخلا في خصام الطائرين،  وأن لا يستسلم البطل لخداع الطائر٠

 ٣- ارتكاب المحظور: استسلام البطل للطائر ليحلق له شعره، فتكون العاقبة وخيمة

23- البطلان يصلان إلى بلد غريب عنهما: فلا يتعرف عليهما أحد، فهينة دخلت إلى الدوار متنكرة في جلد سلوقية، أما خاطبها، فكان يزورها كل مساء على هيئة طائر٠

29- ظهورالبطل الحقيقي  في وضع جديد: فهينة تظهرعلى صورة سلوقية، والبطل ( خاطبها ) على صورة طائر٠

30-  معاقبة الشخصية الشريرة: يعاقب البطل الغول، بسلبه بصره بأدواته السحرية ( الإبر /النبال/الملح) ويقتل الطائر على يد سكان الدوار، انتقاما لخاطب هينة٠

31- الخاتمة السعيدة: البطلان يتزوجان، وينجبان البنين والبنات، ويعيشان في سعادة٠

     من خلال هذا التحليل التركيبي لحكاية هينة،  يتضح لنا بأنها استوفت تقريبا كل تلك الوحدات الوظيفية، التي اعتمدها بروب في تحليله الحكاية الخرافية، وهي لم ترد كاملة في هذا النص الحكائي، وإن كان الحكي الشعبي بصفة عامة يتفق على توظيف ٣١ وحدة وظيفية٠ كما أن حكاية هينة لم تلتزم بالترتيب حسب كيفية بناء أحداث الحكاية، وهذا ما نص عليه بروب بالفعل في تحليله المورفولوجي للحكاية الخرافية، وقد وردت في هذا النص على هذا الشكل:

الوحدات الوظيفية:

١-٦-٩~10~11~12~15~23~18~19~2~3~23~29~30~31

إلا أننا نلاحظ أن بعض الوحدات وردت متلازمة (2~3التحذير/ارتكاب المحظور) والوحدتان (18~19/انهزام الشخصية الشريرة/  زوال خطرها) والوحدتان (30~31/ عقاب الشخصية السريرة / زواج البطلين، تحقق الحلم)٠

    والمثير في هذه الوحدات الوظيفية هو الوحدتان (2~3) ذلك أن التحذير هنا لم يرد من شخصية مساعدة مثلا، وإنما ورد من الشخصية الشريرة نفسها، وهي التي تسببت للبطلة (هينة) في الأذى، والتي حاربها البطل من أجل تخليص مخطوبته من قبضتها٠ فرغم عداء الغول لهينة وخاطبها، لم يبخل عليهما بالوصية: عدم التدخل  للحسم  في خصام، والشرب من الوادي دون تنفس، كما حذر البطل من الاستسلام لذلك الطائر المخادع، فيأتي التحذير من  هذه الشخصية بعد انهزامها، وهذا يبدو لي فعلا متناقضا، وغير منطقي، لأنه لا يعقل أن تتحول الشخصية الشريرة بين عشية وضحاها إلى شخصية مانحة أو مساعدة٠ وهذا يدعو إلى المزيد من التساؤلات،  فهناك سر ما يخفيه الأنسان الشعبي وراء هذا التناقض، فربما يريد استئصال الشر من جذوره ليعم الخير فقط، خصوصا وأن الوحدتين تردان في بداية الحكاية تقريبا، وهذا ما لا نلاحظه في حكاية هينة،  كما أنها تكون في أحيان أخرى حافزا منشئا لحركة الحكاية، ودافعا لخروج البطل مغامرا متحديا الأهوال والمصاعب٠

      إن  مرحلة الانفصال والانتقال إلى تلك العوالم المجهولة، حتى الوصول لتحقيق الهدف، لم تتميز بذلك الصراع الحاد والدامي الذي ألفناه في الحكايات الخرافية، والذي يكون بين شخصيتين متناقضتين: البطل/الشخصية الشريرة، إذ يمثلان ثنائية الخير والشر، وصراعهما الأبدي٠ فالبطل لم يعان من صعوبات تذكر، وهذا يدل على عدم ظهور شخصيات أخرى شريرة، تهدف إلى عرقلة مساعيه، فتؤدي إلى تأزم أحداث الحكاية٠ فقد تمكن البطل من تحقيق الهدف في العالم المجهول دون استعانة بأدوات سحرية خارقة، وإنما بأدوات بسيطة وإن اعتبرناها سحرية( الإبر/ النبال/ الملح) ولم تكن المنحة ( خاتما أو بساطاً سحريا) في هذه الحكاية، بل كانت منحة إرشاد إلى قصر الغول، وبطرق غير مباشرة٠ ويتجلى ذلك- كما سبق- في ذلك الحوارالذي دار بين البطل والوادي والشعب (بكسر العين)٠ ففي الوقت الذي سأل عن سبب جفاف الوادي، أجابه بأن هينة اغتسلت بمائه، كما أن الشعب أجابه بأن هينة مرت منه، أما النهر فقد أرشده إلى طريق هينة لأنها تجلب منه الماء لقصرالغول، فهذه المرحلة إذن، لم تعرف حدة ذلك الصراع الذي يخوضه البطل بعد عودته إلى عالم الواقع٠

   ولن تعرف الحكاية نقطة تأزم إلا في هذه المرحلة، وذلك لأن الشخصية الشريرة التي ستسبب له الأذى لم  تظهر إلا بعد تخلصه من الأولى، أي بعد انتصاره على الغول، وتخليص هينة من قبضته، وإن سبق أن أشرنا إلى أن شخصية الغول تظهر بشكل متناقض، فتزرع فينا نوعا من الشك، باعتباره شخصية شريرة ومانحة في الوقت نفسه٠فبعد هزيمته، فعل خيرا، بوصيته البطلين باجتناب أفعال يراها محظورة، وهذا بطبيعة الحال، لم نألفه في الحكايات الخرافية إلا في حكاية هينة٠

   وأشير هنا إلى أن العجوز التي نبهت البطل إلى خداعه من طرف أهل هينة، لا يمكن اعتبارها من الشخصيات الرئيسة في الحكاية، لأن دورها انحصر فقط في إنشاء حركة الخروج، حيث حفزت البطل ومنحته إحساسا  مفاجئا بركوب المغامرة من أجل الحصول على ضالته٠ وتبعا لذلك يمكن اعتبارالعجوزقوة محفزة ودافعة، لأنها هي التي ساهمت في الحركة الأولى (حركة الخروج إلى العالم المجهول) المترتبة عن كشف البطل أكذوبة ( موت هينة ) ومعرفته بوجودها في قصرالغول٠

     أما الأخ، فكان ظهوره لتبريرعملية الاختطاف من البيت لا من الغابة، فعند موافقته على زواج الغول من أخته هينة، عرفه بالبيت لاجتناب خطره، فتركهما  وانصرف إلى حال سبيله٠ كما كان ظهور الأخ أيضا من أجل تبرير الوحدة رقم (1) أي محاولة الغول خداع البطلة عندما كان يناديها، ويطلب منها الماء والنار٠

      ونظرا لضرورة تركير الحكاية على بطل بعينه، وعلى حدث بعينه، ركز على الخاطب (ابن عم هينة ) والمخطوبة ( هينة)، وبالتالي اختفت الشخصيات الأخرى التي تلعب دور بطولة ثانوية، تساهم فقط في تنمية الأحداث٠ وما دام  الزواج من العناصر المهمة في الحكاية، كان من المتوقع أن  يفك الإنسان الشعبي أسرهينة من جلد السلوقية، ومن أكل النخالة  مع الكلاب، والنوم وراء ستائر الخيام٠ وهذا سيتم عند اكتشاف القرويين حقيقتها، عندما كانت تناجي ابن عمها، وهوفي بطن الطائر:

      -  هينة، يا هينة، أش عشاك الليلة ؟

      - عشائي النخالة، ورقادي بين لخوالف، يوسف، يا الغدار٠

    فيتم كذلك خلاص الخاطب من بطن الطائر،  فيعودان معا إلى صورتهما الآدمية ليعلن أهل الدوار الأفراح احتفالا بزواجهما، وتنتهي الحكاية نهاية سعيدة، وهذا شأن  معظم الحكايات الشعبية أوالخرافية على حد سواء٠

    أشرت منذ البداية في تحليلي التركيبي إلى أن الحكاية تتميز بثنائية البطولة،   ولعل الإقرار بهذا يرجع أساسا إلى كون البطلين ( الخاطب/المخطوبة ) يتسمان بخصائص البطولة في الحكاية الخرافية، إذ قاما بالفعل نفسه، وإن كان  بينهما الاختلاف واضحا في مرحلة الخروج، وفي نوع الأذى الذي تعرضا له من الشخصيتين الشريرتين الطائر /الغول٠ فالبطلان سيعانيان من المتاعب نفسها، منذ خروجهما من قصرالغول، وإن خاض البطل مرحلة الانفصال وحده، أما مرحلة الاتصال، فكانت فيها المشاق مشتركة بينهما٠ فقد اقتفى الغول أثرهما معا، وعانيا من الأذى معا، وتغير شكلهما معا، ودخلا البلد متنكرين معا٠ فهناك وحدات وظيفية - إن لم نقل جلها-  مشتركة بين البطلين٠ ولكن ماذا يمكن أن نقول عن نوعية البطولة  في هذه الحكاية؟

     إن البطل في هذه الحكاية، لا ينمو من الداخل، أي أنه لم يكن بصدد امتحان يختبر فيه نفسه، فيتوقع منه النجاح أو الفشل، وإنما ينمو من الخارج، أي من خلال قوى مساعدة، وإن كانت المساعدة غير مباشرة، فالبطل لم  يكتشف قصر الغول بنفسه، وإنما اكتشفه من خلال شخصيات مساعدة، أرشدته بشكل غير مباشر إلى مكان هينة، وأخبر بالتدريج إلى أن وصل لهدفه المنشود٠

     فعندما يصل إلى قصر الغول، لا يتدبر خطة هجومية لتخليص هينة من أسرها، وإنما يسلك في ذلك مسلك حيلة ستمكنه من إخراجها من هذا القصر، وهذه الخطة ستساهم فيها شخصية  مساعدة أخرى، وهي الديك، الذي سيقرب أسباب اللقاء بين الخاطب والمخطوبة في غياب الغول٠ ستخفيه تحت قصعة كبيرة من نحاس، وتوصيه بأن يسل شعرها من تحت الغول عندما ينام٠ وتخفي عنه وجود بشر في القصر، وقد كان على وشك كشف الحقيقة، عندما شم رائحة البطل في قصره٠

    هكذا نجد أن البطل لم يبق أمامه من المغامرة، غير احترام ما أوصته به هينة٠ وهذا ما حدث بالفعل، كما أنه لم ينتصر على الشخصيات الشريرة ( الطائر/ الغول) بقوته الجسدية – كما هو معروف في بطولات الحكايات الخرافية - وإنما بأدوات بسيطة (النبال / الملح /الإبر) ولم يتخلص من الشخصية الشريرة الثانية، إلا من خلال مساعدة تلقاها من أهل الدوار، الذين هم بدورهم تحايلوا على الطائر بإكثار الملح في الطعام (وليمة الطيور)٠

     أما البطلة هينة، فإنها لم تتخلص من الغول إلا برش جميع جنبات القصر وأمتعته بالحناء، من هنا يتضح لنا بأن البطل بالفعل نما من طرف قوى مساعدة مكنته من تحقيق الهدف، ولهذا لم يكن من المنتظر فشله في مهمته، لأن المتلقي ألف هذا النوع من بعث الأمل في النفوس المقهورة، فالبطولة في الحكاية عند الإنسان الشعبي ما هي إلا تحقيق أحلام مكبوتة في الواقع، فهو يحلم بقهر القهر، ودحر القمع والظلم، من خلال نجاح البطل في مهامه، وتتويج مجهوداته بالنهاية السعيدة٠

   ولكن هل يمكن الاقتصار على تحليل الجوانب التركيبية، التي لا تتجاوزالجانب الشكلي في الحكاية، لسبر أغوار فكر مشبع بالحمولات الرمزية؟ أعتقد أن هذا النوع من القراءات الشكلية لا يمكنها  أن تفي  بالغرض المطلوب  للكشف عن دلالات  ورموز وتفسير مغزى حكاية ضاربة في عمق التاريخ، وتعج بتشابك خيطي من دلالات وشفرات مختلفة٠ لو كانت الحكاية  تهدف إلى زواج هينة بخاطبها، لما سلكت هذا المسلك المعقد، ولفرت مع ابن عمها في الوقت الذي خرجت فيه من القصر للقائه في غياب الغول للصيد، إذ يجعلنا هذا نصرف النظر عن التحليل التركيبي، إلى تحليل رمزي أكثر دلالة وعمقا، نتوخى منه الكشف عن الدلالات الرمزية التي تظهر وتختفي وراء الألفاظ، لأن الحكاية لا تتكلم بألفاظ بقدر ما تتكلم بصور ورموز، يجب تفسيرها في الأنساق التي وردت فيها، ولأن الرمز لا يكتسي أهميته إلا في موضعه من النسق العام٠

    فما حركة البطل وسط هذا التشابك الخيطي من الرموز، إلا إخراج لعمليات نفسية جد معقدة،  تفعل فعلها داخل كل فرد، وتدفعه إلى اجتياز تلك العقبات الواحدة تلو الأخرى، رغم ما يواجهه من مشاق ومتاعب يومية، حتى يصل إلى ذلك التكامل الشخصي غيرالمتناقض مع الناس، فالوحدات الوظيفية التي تتحكم في بناء هذه الحكاية، بمثابة دلالات نفسية، وإن كان الفارق بين بطل الحكاية والواقع النفسي للإنسان الشعبي متباينا كل التباين٠ فالبطل في الحكاية يمثل نموذجا لا يمكن أن تبوء مغامراته بالفشل، عكس واقع الإنسان الذي يفشل مرة، وينجح أخرى تبعا لظروفه الاجتماعية والحياتية بصفة عامة٠

    إن مغامرة البطل، منذ سماعه خبر اختطاف مخطوبته، وانفصاله عن واقعه واتصاله بالعالم المجهول، حتى العودة والاستقرار بالزواج، ليس ذلك سوى صور رمزية ونفسية لتلك التناقضات، والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان الشعبي المقهور، من أجل الوصول إلى تحقيق الذات، أو تحقيق تكامل شخصيته٠ فخروج البطل إذن، هو خروج من النفس المظلمة، وتخطي العقبات والحواجز، و تجاوز تلك التناقضات العنيفة التي يمر منها الإنسان في حياته اليومية، كما أن الوصول إلى هينة، وتخليصها من الأسر، هو تحقيق الإنسان اتحاده بقرينته، وإخراجها من العالم المجهول، وتخليصها من قبضة الغول، يعني تسليمها للشعور، الذي لا يبدأ عمله إلا نتيجة للتضارب والصراع الداخلي الذي يعاني منه الإنسان، وتحقيق هذا الهدف: أي تخليص هينة، أوالاتحاد بالقرينة، يتطلب من البطل أن يكافح كفاحا مريرا للحفاظ عليها، لأنه، وإن حصل على هينة وفكه أسرها، لا يعني أنه حقق الانتصار النهائي، فهذا النجاح مؤقت، وسيدفعه لخوض غمار متاعب مغامرات  أخرى، وليحافظ  البطل على هينة، يجب عليه أن يوظف ثلاثة عناصر من الأهمية بمكان، وهي عنصر التفكير والإحساس والإرادة، لأن عدم استخدام عنصر من هذه العناصر المذكورة، سيؤدي حتما إلى فقدانها (القرينة )٠

     فالغول يحذر البطل من الشرب والتنفس من الوادي، كما يحذره من عدم الحسم في صراع الطائرين، ويحذره كذلك من الطائر الذي يريد أن يحلق له شعره، وقد استخدم البطل العناصر كلها بالنسبة لشربه من الوادي مع عدم التنفس، كما أنه استخدمها في عدم الحسم في الشجار بين الطائرين،  إلا أنه في الوصية الثالثة نسي أو تناسى عنصري التفكير والإرادة، واستخدم عنصر الإحساس فقط، هذا لأن إدراكه تحذير الغول، كان إدراكا سطحيا وعاه بلفظه لا بمضمونه، فواجه هذا  الموقف الأخير بعنصر واحد،  هو الرغبة والإحساس بالحاجة الماسة إلى قص شعره، ولهذا فشل، فابتلعه الطائر، وفقد هينة للمرة الثانية٠

    وهكذا نجد أن تحقيق النجاح في تخليص هينة من قبضة الغول، لا يعني تحقيق التصالح بين الشعور واللاشعور، أوتحقيق (الأنا ) بقدر ما يعني بداية جديدة لخوض معارك أخرى، قد يحقق فيها نجاحا معينا٠ وقد تحقق هذا النجاح بقتل الطائر ونهاية المغامرة بالزواج من هينة، وهذا يعني تحقيق التكامل في الشخصية، أي أن البطل سيتحد بقرينته (هينة ) من جديد  بالفعل، وبالتالي يحقق أناه، لأنه سيستقر نفسيا،  فتزول كل تناقضاته وصراعاته الداخلية٠

    ويمثل أهل الدوار- من جهة - الجزء الواعي في الإنسان، الذي تمكن من إعادة الروح المحلقة في الفضاء إلى العالم الواقعي/ الأرضي، ومن جهة أخرى تلك القوة الروحية التي بقيت ساهرة على هينة (القرينة)، وهي على صورة كلبة، وترعاها إلى أن تسلمها لقوة روحية أخرى، وهي البطل الذي سيتزوجها، وليست هينة في هذه الحالة، إلا ذلك الوعي الجديد في الإنسان، والذي يجب السهر عليه حتى ينمو ويكبر ويترعرع٠ فكان البطل حريصا على زيارتها ليلا، سائلا عن أحوالها:

-  هينة يا هينة أش عشاك الليلة٠

       فتجيبه :

- عشاي النخالة وركادي بين لخوالف٠

       فهذا التقرب من البطلة له دلالة على تساؤلات البطل عن جانبه الروحي، الذي انفصم عنه لوجود عائق يمنعه من الالتحام به، و ذلك يتمثل في الطائر٠ وسيتم هذا الالتحام عندما تعود هينة إلى طبيعتها الإنسانية، إذ ستتغير إجابتها:

-  عشاي لفتات وركادي بين لبنات يوسف يا الغدار٠

     وتزول تلك القوة المانعة من الالتحام، بقتل الطائروعودة الخاطب إلى آدميته  كذلك٠ فهينة وخاطبها، يمثل كل منهما بالنسبة للآخر تلك الدوافع التي تجعل الإنسان يحس بالأنا٠

    وقد يتبادر إلى أذهاننا تساؤل:  ما أسباب ودوافع توظيف التفكير الشعبي تلك الأشياء والأدوات التي تتسم بالطول (الهراوة / المغزلات / النبال/الإبر)٠ فإذا سلمنا بأن الصور والرموز في الحكاية الخرافية والأسطورة تشبه تلك الصور و الرموز في الحلم، فإن علم النفس الفرويدي يعتبر هذه الصور والرموز المتسمة بالطول في الحلم، تعبرعن تلك الغرائز الجنسية المكبوتة، كما أن تصوير الأبطال في الحكاية في أشكال حيوانية ( البطلة /سلوقية٠٠ البطل /طائر ) له دلالة على ذلك الجانب الغريزي والبهيمي في الإنسان، والذي يقوده في الكثير من الأحيان إلى متاهات اللاشعور المظلمة٠ وكل هذه الدلالات تتجسد في الحكاية ( زميلات هينة٠٠٠ مغيزلات ٠٠٠هينة٠٠٠ هراوة حديدية٠٠٠الخاطب ٠٠٠ الابر٠٠٠ النبال٠٠٠ الملح )،( هينة تتحول سلوقية٠٠٠ خاطبها يتحول طائرا)٠ فماهي دلالة الأمكنة في الحكاية، باعتبارها من العناصر المهمة في كل حكاية دون استثناء؟

    فالغابة ليست إلا ذلك الجانب المظلم والخفي في اللاشعور، إذ فيه يواجه الإنسان ظلامه الداخلي، والذي لن يتغلب عليه إلاعندما يكف عن الشك في حقيقة أمره، وما هذا العالم المجهول الذي يتحرك فيه البطل وكأنه عالمه الواقعي المألوف، ليس إلا ذلك العالم الذي يريد الإنسان الشعبي أن يحقق فيه النجاح، ويقضي على الشر والأشرار، ويرقى إلى مراتب عليا٠  وتبعا لرؤية التفكير الشعبي، فالبطل يتحرك في هذا العالم بكل حرية، وبدون قيود وإن اعترضته عوائق كثيرة سيتغلب عليها بلا شك٠

    إن النزعة الوصولية في الإنسان الشعبي تجعل البطل يرقى إلى مراتب الملوك، إذ يتزوج ذلك البطل المقهوروالمستضعف الملكات ويعتلي عرش مملكاتها،  وهذه ميزة من مميزات الحكاية الخرافية، إلا أن حكايتنا هذه، سلكت مسلك البطل العادي الذي لا يصارع الخوارق من أجل الزواج من أميرة أو ملكة، وإنما يصارع من أجل الزواج بمحبوبته العادية الفقيرة و المقهورة٠ فالبطلان لا تفرق بينهما فوارق طبقية أو اجتماعية، لأنهما ينتميان للمستوى الاجتماعي نفسه، وقد بررت الحكاية عدم وجود هذه الفوارق منذ بدايتها الاستهلالية٠

    أما زمن الحكاية، فهو ثنائية ضدية تتجلى في الليل والنهار، فالبطل يصل إلى قصرالغول نهارا ويزور( هينة ) ليلا، فهذه الثنائية الضدية ترمز إلى نقيضين هما: الأمل والنجاح، والفشل واليأس، فالوصول نهارا دلالة على النجاح وبلوغ الهدف وقد تم ذلك فعلا بتخليص هينة من قبضة الغول، وهذه دلالة مستوحاة من كون النهار يشع فيه نور النفس، وتخامرها المسرات، إذ يغمر الدنيا بالنور، فتختفي  الأرواح الشريرة وتلوذ بمعازلها الخفية، وهذا عكس الليل الذي كان البطل يزور فيه هينة باستمرار،  فترمز هذه الفترة الزمنية إلى اليأس وموت الأمل، فالبطل كان أسيرا في بطن الطائر، والبطلة أسيرة في جلد سلوقية لتخفي حقيقتها عن سكان الدوار،  وإن كان ذلك مؤقتا،  لأنهم سيكشفون حقيقتها، فالليل هو الفترة التي تضطرب فيها النفس، لأنه يترك فيها آثارا سلبية ومخيفة، فهو مسرح للأرواح والأشباح، ومتنفس لسكان العالم السفلي٠ ووفق هذه الدلالات، نلاحظ أن الإنسان الشعبي يعبرعن الموقفين الذين مربهما البطل بالليل والنهار، والانتصار وتحقيق الهدف تم نهارا، والفشل واليأس كانا يخامران نفسه ليلا٠

     فالليل يدل على عدم الانطلاق الروحي للإنسان، ويمكن إدراج هذا التصور وفق بعض المعتقدات الشعبية القديمة لخلق الليل على سبيل الاستئناس، يقول كراب على لسان من يعتقدون ذلك 😞 إن الله عندما خلق النهار، وهو شيء مفيد وجميل، أراد الشيطان أن يقلده، ولكنه لم يستطع إلا صنع الليل، وهو شيء لا يضاهيه كما أنه ضار٠٠)

     ويمكن الإشارة إلى زمنين آخرين لكل منهما خصائصه في هذه الحكاية : الزمن الخيالي والزمن المرن، ويتعلق الأول بتقليص المسافة، ويتعلق الثاني بمرونة الأبطال في هذه الحكاية٠ فالفكر الشعبي يقلص المسافة بين المرحلتين:

-مرحلة الانفصال وبلوغ الهدف، ومرحلة العودة والدفء العائلي الذي سيتم بالزواج وإعلان استمرارية الحياة، ويتجلى الزمن الخيالي الذي يقلص المسافة بين العالم المحسوس والعالم المجهول، في كون البطل، بمجرد علمه بخبر خطف محبوبته خرج طالبا المغامرة على صهوة حصانه: فمر بواد جاف، وشعب عميق، وواد خرج ماؤه عن سريره، كل هذا تم بسرعة خيالية، وكأن قصرالغول كان بجانب منزله، وهذا التقليص الزمني يعزى إلى إخباره بمكان قصر الغول من طرف الوادي والشعب، واللذين كان يسألهما عن أشياء لا علاقة لها بالبطلة، فيوحيان له بقرب المسافة بينه وبين قصر الغول٠ ويرجع كذلك تقليص المسافة إلى كون العالم الذي كان يتحرك فيه البطل كأنه مألوف عنده، ويتحرك فيه بدون قيود، إذ  يصل  إلى قصر الغول بسرعة خيالية، وهذا الزمن من خصائص هذه الحكاية٠

   أما الزمن الثاني: فهو الزمن المرن، ويتجلى في عبارات يوظفها الراوي (دازت أيام ٠٠٠ وجات أيام) أو قوله (سير يا أيام ٠٠٠ وجي يا أيام )، فرغم أن البطلة قضت زمنا طويلا في قصر الغول، وقضى البطل زمنا في بكائها، كما قطعا أزمانا أخرى في المغامرة، فإنهما لم يتغيرا إذ ظلا شابين كما كانا في العالم الواقعي، ولهذا السبب نقول: إنهما كانا خارجين عن حدود الزمان، لا تصيبهما الشيخوخة والهرم٠

      وليست دلالة الزواج الرمزية في الحكاية إلا تحقيقا لسعادة يحلم بها الإنسان الشعبي، ولتحقيق ذلك لابد من خوض المغامرة،  وتخليص البطلة من شر الغول٠ فكان من الضروري أن يضع الإنسان الشعبي كل هذه العقبات أمام البطلين، والتي يجب عليهما تحديها، وتجاوزها بنجاح تام، وإن كان هذا النجاح يعزى بشكل أو بآخرإلى قوى مساعدة، مكنتهما منه، وبما أن الزواج يرمز إلى الاستقلال الكامل والحقيقي، فإنه يرمز كذلك إلى تكامل الشخصية، أي تحقيق الذات أو( الأنا ) أوالتصالح بين الشعور واللاشعور، بين الوعي واللاوعي، وتجاوز هذه العقبات والعراقيل هو في حد ذاته تجاوز لذلك الصراع الداخلي، الذي يعاني منه الإنسان الشعبي قبل تحقيقه هذا التكامل٠ فالصراع الذي خاضه البطل والبطلة مع شخصيات شريرة، ليس في حقيقة الأمر إلا صراعا داخليا يعاني منه الفكر الجمعي، مبدع هذه الحكاية٠

    غير أن الحكاية زودتنا بحل مناسب لفك لغز هذا الصراع، الذي خاضه البطلان على  شكل رموز وصور، تبعث في النفس أملا يتم تحققه بخلاص البطلين معا من الأسرونهاية المغامرة بالزواج٠ ورغم أن الأحداث والصراعات التي يخوضها أبطال الحكاية تبدو بعيدة عن المنطق، فإننا نريدها كذلك، لأنها تجري في عالم خيالي بعيد كل البعد عن الواقع، الذي يقيدنا بقيود المنطق والعقل التي  تتكسر في عالم الخيال والحلم، وبالتالي يتحقق ما يطمح له هذا الإنسان من أحلام وتطلعات يترجمها في بناء الحكاية٠ فالحكاية تمارس نشاطها في اتجاهين متباينين:

     -فهي من جهة تفهم الكون، وتتعامل معه على أنها ترفضه، لأنه لا يتفق مع نظرتها الأخلاقية والاجتماعية، ومع تصورها للكيفية التي يجب أن يكون عليها هذا الكون٠ ومن جهة أخرى تقترح عالما يرضي تطلعات هذا التفكير الساذج٠

      تصور الحكاية رؤية الإنسان الشعبي لفكرة الصراع  بين الخير والشر، بين الفضيلة والرذيلة، بين الأخلاق واللاأخلاق، ، فترمز إلى الرذيلة مثلا بتلك الشخصيات الشريرة التي تقف حاجزا أمام الأبطال، وتحاول منعهم من تحقيق قيم الفضيلة والخير في المجتمع، باعتبارهما من القيم العليا، هذه الشخصيات الشريرة التي تسبب الأذى لفرد من أفراد الأسرة، والذي لن يكون إلا البطل٠ إن انتصار الشرغالبا ما يكون مؤقتا، لأنه سرعان ما ينهزم أمام شجاعة  البطل الساعي إلى نصرة الخير والأخيار، فينال الأشرارعقابهم على أيدي هؤلاء الأبطال الذين يثق فيهم الإنسان الشعبي، ويحملهم مسؤولية تحقيق أحلامه وتطلعاته التي يعجزعن الظفر بها في عالمه الواقعي٠

     الحكاية تدين الظلم، وتنفيه عن هذه الطبقات الضعيفة والمحكومة، والتي لا ترقى إلى المراتب العليا، إلا في حلم  يحققه الأبطال، وهذا يتضح جليا سواء في هذه الحكاية، أو في غيرها٠ فالبطل يولد مستضعفا مهمشا ومن طبقة لا حول لها ولا قوة، ولكن، ترعاه قوة غيبية، وتقوده إلى تحقيق المآرب، التي لن تكون إلا مآرب الجماعة، تحققها في شخص هذا البطل، فيصل إلى مراتب الملوك، ويتزوج الملكات، ويعتلي عروشا ضائعة في تفكير أدمغة شعبية حالمة٠