سياسة واقتصاد

المغرب وأنفاس الـ56 من عيد الشباب

مصطفى قطبي

إن احتفال المغرب بعيد الشباب الذي يصادف هذه السنة الذكرى الـ56 لميلاد الملك محمد السادس، ما هو إلا تقدير وتكريم للشباب المغربي واعتراف بدورهم ودليل على الاهتمام بهم ورعايتهم، وعيد الشباب هو الموعد المضروب بين شباب المغرب وإرادته وطموحه، شباب دائم يتجدد ويتدفق فالشباب هو الإنتاج، هو العطاء، فما دام الإنسان يكد ويجتهد، ويعطي بحزم وعزم فهو شاب، فلا يقاس الشباب هنا بالأمر، بل يقاس بالطموح وتجديد الحياة. ومن المؤكد أن هذه المباركة لهذه المناسبة لها وقعها الخاص في نفس الشباب المغربي وقلبه وعقله، ليقف أمام لحظة تاريخية تدلل على أنه كان وسيظل حاضراً في وجدان الملك قائد مسيرة المغرب الحداثي.
فعيد الشباب ليس احتفالا من أجل الاحتفال بل تعبئة وتفجيراً لطاقات الإبداع ومخزون الإنتاج والعطاء نحو عصب الرقي والتطور والتقدم ألا وهو الشباب القادر على تحريك عجلات الإنتاج وقيادة قاطرة التقدم والتطور، والقادر على إعطاء الفارق الصحيح بين تقدم حقيقي ومسيرة رسمت معالمها على الورق، من خلال التجاوب المنضبط والإيمان العميق بقيمة الوطن وبحكمة قيادته وثباتها على المبدأ، والصدق في كل شيء والوفاء بما قطعته من وعد، وكذلك الثقة الكبيرة التي حظي بها الشباب من لدن قيادته، حيث ظلت التنمية البشرية والاهتمام بكل ما هو إنساني أو متعلق بالإنسان في المجتمع هو توجها مغربياً أصيلاً.
فقد كان الاهتمام بالإنسان المغربي توجهاً مبدئياً لدى الملك محمد السادس، قائد مسيرة المغرب الحديث، الذي كان يدرك إدراكاً يقينياً أن الإنسان هو منطلق أي عمل تنموي وهو حافزه الأول وأيضاً هو هدف أي برنامج تنمية أو تحديث، ومن ثم كانت دعوته دائماً إلى استنهاض إمكانات المواطن وتأهيله وتثقيفه والاهتمام بأحواله المعيشية والصحية حتى يكون مؤهلا للقيام بالدور المناط به. وفي سبيل هذه النظرة للمغرب الحداثي التي جعلت من الإنسان الشاب والشابة والرجل والمرأة والمسن والمسنة هدفاً وغاية للتنمية، لم تدخر القيادة الحكيمة جهداً من أجل الاهتمام بالإنسان المغربي بوجه عام وبقطاع الشباب بوجه خاص وإعلاء شأنه ورفع همته، بل إن جلالته الراعي الأول لمسيرة الشباب لم يغفل في كل محفل ومناسبة عن الإتيان على ذكر الشباب والتشديد على دورهم والتوصية بكل أمانة لحكومته بالاهتمام بالموارد البشرية تعليماً وتأهيلاً وتدريباً وتثقيفاً.
وحينما يوجه جلالة الملك محمد السادس إلى إنجاز ما، أو يعتمد مشاريع تنموية فإن الأمر لا يكون متوقفاً عند حد التوجيه أو الاعتماد من قائد أو إلى فريق عمل، وإنما يكون مبنياً على معطيات وحقائق واقعية تتطلب ذلك التوجيه أو الاعتماد.
وقد تبدى حرص جلالته بأبنائه الشباب في صور ومجالات عديدة هدفها واحد وهو الارتقاء بالوطن والمواطن، حيث أبرز مجالات هذا الاهتمام والحرص يتمثل في قطاعات التعليم والصحة والرياضة من خلال إقامة المؤسسات التعليمية والتقنية والمعاهد التدريبية بمختلف تخصصاتها ومستوياتها بهدف احتضان هذه الثروة العظيمة التي لا تقدر بثمن، ومن خلال المستشفيات والمراكز الصحية بمختلف تخصصاتها وإيلاء صحة الفرد اهتماماً كبيراً، ليتنوع هذا الاهتمام بين اهتمام بالفكر والعقل والمعرفة والثقافة وبين اهتمام بالجسم بإكسابه أسباب الوقاية والصحة والقوة والدربة والمران، حيث لا يخفى الدعم الكبير الذي يوليه جلالته لقطاع الرياضة.
وما أحرانا ونحن نحيي ذكرى عيد الشباب، أن نتفحص منجزاتنا ونستعيد ماضينا ونقارنه بحاضرنا حتى نتأكد من أن رؤيتنا المستقبلية ليست جملا إنشائية نتناقلها، وإنما خطط مفعمة بالموثوقية المستمدة من هذا الرصيد الذي تجمع لدينا ليعطينا الأمل في المستقبل القريب والبعيد، ويعطينا الشعور بالطمأنينة تجاه مستقبل أبنائنا وأحفادنا في ظل هذا المنجز الحضاري المشهود.
وما من شك أن أي مغربي منا يمشي على أرض المغرب الطيبة يجتاحه شعور بالارتياح العميق وهو يتابع الحرص المتواصل من لدن الملك محمد السادس، على دوران عجلة التنمية دون توقف رغم الظروف التي قد تطرأ بين حين وآخر، لتخلد كل بقعة من بقاع هذا الوطن المعطاء منجزات عديدة، ولتظل شاهدة على حجم هذه المنجزات والعزيمة والإصرار التي تتحطم على صخرتها معوقات الطبيعة التضاريسية والجغرافية التي تتميز بها بلادنا.
ومع تزايد الاهتمام الدولي والإقليمي بتنمية الموارد البشرية كانت بلادنا قد حازت خبرة في ذلك يشار إليها بالبنان، حيث سارع المغرب إلى احتضان الشباب إيماناً منه بأن ما يتمتع به الشباب من صفات وخصائص عقلية وبدنية ونفسية فائقة يجعلهم قادرين على حمل أمانة البناء والتنمية الشاملة على أعناقهم، وعلى حماية مكتسبات الوطن ومقدراته وعلى الذود عن حياضه. فكما هو معروف أن عقلية الشباب تتصف بالمرونة والانفتاح والقدرة الباهرة على التكيف مع أي طارئ جديد تخبئه مستجدات الحياة المتصفة بالتغير والتسارع المستمرين في مختلف المناحي العلمية والسياسية والاجتماعية، ومتى ما حصل الشباب على الاهتمام الكامل والرعاية التامة بتوفير التعليم والعلاج ومظاهر الراحة النفسية والاستقرار الاجتماعي والاستفادة من تجارب الآخرين، انعكس كل ذلك إيجابًا على مستوى وعيهم وثقافتهم وأسلوب تفكيرهم، وانعكس كذلك على طرائق عيشهم وتعاملهم وتعاطيهم مع الواقع وقضاياه، وأماكن عملهم.
لقد استطاع جلالته بفضل حنكته السياسية بناء جسور من الثقة والمحبة بين أبناء شعبه، وبذلك أوجدت روحاً من التكاتف بين أبناء الشعب، كما أوجدت ثقافة الحوار بين كل فئات المجتمع، وانعكست تلك الثقافة على كل مغربي يعيش على تراب هذا الوطن، وحتى وهو خارج وطنه كان مثالا يحتذى، وصورة معبرة عن روح المواطنة المغربية، وخصوصيتها المتمثلة في فضيلة الحوار والإنصات إلى الآخرين لتلمس المعرفة. فقد أتاح جلالته بفضل هذه الطريقة الفرصة للتعبير عن الرأي بكل أريحية، بالمقابل نجد أنظمة حكم لا تسمح بأن يتنفس أحد هواء وطنها، وبهذا الفعل غرست قيم المواطنة في تعزيز الثقة في إبداء الرأي وحرية الطرح.
وعندما لا يفسح المجال للمواطن في إبداء رأيه، يتولد لديه شعور بالإحباط وعدم الاستعداد للحديث أو الإنصات مع غيره، فبذلك يكبر التباعد والفجوة التى قد تجر إلى سلبيات عديدة معروفة، فالنهج الذي يمثله جلالته يجسد روح الحوار الحقيقي، يمثل لقاء غير تقليدي بين قيادة حكيمة وشعب مخلص يقف وراء قائده.
ونحن ننعم بدفء حضن هذا الوطن الطيب بقيادة الملك محمد السادس، يلوح أمام ناظرينا وفي عقولنا وقلوبنا الفرق الكبير بين مسيرة تقدم تتبدى معالمها عبر سطور منمقة على الورق أو لقطات معدة سلفاً في وسيلة إعلام مرئية يجري (تركيبها) عند الضرورة ووقت زيارة الضيوف، وبين مسيرة تقدم تبني وطناً يستطيع الصمود أمام نوازل الطبيعة الاستثنائية أو تقلبات الظروف السياسية والاقتصادية المحيطة.
الصمود في وجه الظروف هو مقياس شديد الأهمية ومعيار لا يخطئ مؤشره، ومسيرة المغرب الحداثي قدم شهادة استحقاقه للبقاء، ذلك لأن وراء هذه المسيرة المعطاءة عقلية مدبرة ورؤية تكاملية تجمع مفردات الماضي والحاضر وتنسج منه قلعة صمود تحتضن المتحصنين فيها وتوفر لهم حاجاتهم الأساسية وتؤويهم في ساعات الشدة. إنها رؤية راعي المغرب الحداثي وغارس شجرته ومتعهده بالري من عصارة جهده وحبات عرقه، ولا يألو جهداً يمكن إضافته إلى صرح المسيرة المعطاءة ليعزز أركانها، إنه جلالة الملك محمد السادس، الذي سجل في صفحات التاريخ تجربته مع بناء وطن والارتقاء بمعيشة شعب وفي زمن قياسي عبر به إلى بر الرفاهية والأمان.
إنها تجربة حضارية فريدة في نوعها، بالنظر إلى عوامل الزمان والمكان والظروف والتحديات غير المتوقعة. تجربة وجدت لتبقى كالكتاب المفتوح ممثلة في معالم حضارية وتنمية عمرانية وعلاقات دولية تؤمن علاقات حميمية مع كل البلدان والشعوب ومشاركات مع كل المحافل والمنتديات العالمية على مستوى من الرقي ينهض على مناكب رصيد حضاري مستمد من تاريخ المغرب الحافل وتراثه المترع وسمات شخصيته التي لا تخطئها العين.