رأي

يونس مليح: الشباب في الدستور..

مكانة مهمة وتفعيل منتظر

أكد الملك محمد السادس في خطاب له بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب أن:" كسب رهان اللحاق بركب الدول الصاعدة ليس مستحيلا، وإن كان ينطوي على صعوبات وتحديات كثيرة. والمغرب، ولله الحمد، يتوفر على جميع المؤهلات، لرفع هذه التحديات، وفي مقدمتها شبابه، الواعي والمسؤول. ولنا اليقين، بأن شبابنا وشاباتنا قادرون، بما يتحلون به من روح الوطنية، ومن قيم المواطنة الإيجابية، ولما يتوفرون عليه، من عبقرية خلاقة، على النهوض بتنمية بلادهم، ورفع تحديات دخولها نادي الدول الصاعدة." وهو تأكيد من طرفه على الدور المهم الذي يلعبه الشباب في مجتمعنا المغربي حيث يحتل مكانة الطليعة ووجه المملكة المشرق المعبر وطاقتها المتفجرة، وهو ما تم التعبير عنه صراحة من خلال التنصيص على يوم وطني للشباب للاحتفال بهذه الفئة وإعطائها مكانتها التي تستحق، فالاحتفال بهذا اليوم له عدة دلالات من بينها أن الشباب يعتبر ثروة حقيقية وقيمة كبيرة للمغرب وبالأساس في بناء الدولة الديمقراطية التي يسودها الحق والقانون وفي إرساء دعائم مجتمع متضامن.

فالشباب يعد أحد أهم الركائز الأساسية والرئيسية في أي مجتمع، فإذا كانوا اليوم يمثلون نصف الحاضر فإنهم في الغد سيكونون كل المستقبل، ومن هذه القاعدة جاء القول بأن الشباب عماد المستقبل وبأنهم وسيلة التنمية وغايتها، فالشباب يسهمون بدور فاعل في تشكيل ملامح الحاضر واستشراف آفاق المستقبل، والمجتمع لا يكون قويا إلا بشبابه والأوطان لا تبنى إلا بسواعد شبابها، وعندما يكون الشباب معدا بشكل سليم وواعياً ومسلحاً بالعلم والمعرفة فإنه سوف يصبح أكثر قدرة على مواجهة تحديات الحاضر وأكثر استعدادا لخوض غمار المستقبل فكيف كرس الدستور للمكانة المهمة للشباب؟ وما هي الإكراهات التي تعتري الانخراط الفعال لهاته الفئة في الحياة العامة؟

أولا: مكانة الشباب في دستور المملكة

إن جميع الأمم والشعوب تراهن دوماً على الشباب في كسب رهانات المستقبل، لإدراكها العميق بأن الشباب هم العنصر الأساسي في أي تحول تنموي ديمقراطي سواء أكان سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا، فهم الشريحة الأكثر حيوية وتأثيرا في أي مجتمع، والحديث عن الشباب في مجتمعنا العربي هو حديث عن الحاضر والمستقبل الذي يزخر بتحولات سياسية مهمة تنتقل بشعوبنا إلى آفاق واسعة لارتياد المستقبل وتحدياته ومتطلباته التنموية والديمقراطية .

فالمغرب وكباقي دول العالم يهتم أشد اهتمام بدور الشباب المحوري في بناء مغرب المستقبل، لذلك فقد عمل على توسيع مشاركتهم في التنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية، وكذا فتح الأبواب أمامهم وتيسير أمور ولوجهم لشتى أشكال العلوم والثقافة، ومساعدتهم على الاندماج في الحياة الجمعوية وفي خلق وتكوين جمعيات، كل هذا في سبيل النهوض بأوضاع الشباب وتنمية قدراتهم وصقل مواهبهم وطاقاتهم الإبداعية وبت روح المواطنة لديهم. وذلك من خلال التنصيص على فصلين مهمين في الدستور الجديد للمملكة المغربية يرتق من خلالهما بمكانة الشباب في ظل ما كانت تعاني منه هذه الشريحة من إقصاء وتهميش. فقد نص الفصل 33 على أنه:" على السلطات العمومية اتخاذ التدابير الملائمة لتحقيق ما يلي: توسيع وتعميم مشاركة الشباب في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والسياسية للبلاد؛ ومساعدة الشباب على الاندماج في الحياة النشيطة والجمعوية، وتقديم المساعدة لأولئك الذين تعترضهم صعوبة في التكيف المدرسي أو الاجتماعي أو المهني؛ وتيسير ولوج الشباب للثقافة والعلم والتكنولوجيا، والفن والرياضة والأنشطة الترفيهية، مع توفير الظروف المواتية لتفتق طاقاتهم الخلاقة والإبداعية في كل هذه المجالات. ويُحدث مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي، من أجل تحقيق هذه الأهداف".

وفي نفس السياق تم التنصيص على إنشاء مجلس استشاري للشباب والعمل الجمعوي كمؤسسة دستورية، وذلك من خلال نص الفصل 170 من دستور 2011 والذي جاء فيه بأنه:" يعتبر المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، المحدث بموجب الفصل 33 من هذا الدستور، هيئة استشارية في ميادين حماية الشباب والنهوض بتطوير الحياة الجمعوية. وهو مكلف بدراسة وتتبع المسائل التي تهم هذه الميادين، وتقديم اقتراحات حول كل موضوع اقتصادي واجتماعي وثقافي، يهم مباشرة النهوض بأوضاع الشباب والعمل الجمعوي، وتنمية طاقاتهم الإبداعية، وتحفيزهم على الانخراط في الحياة الوطنية، بروح المواطنة المسؤولة".

فالتنصيص على دستورية هذا المجلس تعد نقلة نوعية في مجال ترسيخ الدور المهم والإيجابي للشباب داخل النسق المجتمعي المغربي، وتأكيد على دورهم المهم في تحقيق مفهوم المواطنة الإيجابية التي ذكرها الخطاب الملكي، وتوسيع مساهمتهم في تدبير الشأن العام، وهو مجهود يأتي في سياق العمل على الرفع من مستوى هذا الدور المحوري للشباب، وأيضا دورهم المهم في إبداء آرائهم في المواضيع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية التي تهم حاضرهم وترهن مستقبلهم.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا المجلس ليس محصورا في الشباب فقط، فالمجلس الاستشاري هو مشترك ما بين كل من الشباب والفاعل الجمعوي، أي أن هذا المجلس لابد أن يضم ممثلين عن جمعيات المجتمع المدني، وهو عكس ما اتجهت إليه بعض الكتابات حيث اعتبرت أن المجلس للشباب فقط، وإذا كان هدف المشرع الدستوري من إدراج "العمل الجمعوي" إلى هذا المجلس هو الدور المهم الذي يلعبه هذا الأخير في تنفيذ القرارات والسياسات العمومية، وذلك تماشيا مع مبادئ الديمقراطية التشاركية وفق ما أكدته الفصول 12 و13 و139 من الدستور، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل وبشكل واضح على انفتاح الدولة على محيطها الداخلي، وجعل الشباب المغربي ومنظمات المجتمع المدني المغربية شريكا في العملية التنموية، وشريكا في اتخاذ القرارات وصناعة السياسات العمومية التي تساهم في الرقي وفي تطوير البلاد سواء محليا أو وطنيا أو حتى دوليا، فهذا المنحى الذي سلكه دستور المملكة الجديد يجعل الشباب والمجتمع المدني المتخصص في المجال التنموي والثقافي والاجتماعي، يتوفر على فرص مهمة لتقوية مركزه في السهر على تنفيذ القرارات العمومية وأيضا جعل الشباب ينخرطون بكل مسؤولية وبروح المواطنة في العمل الجمعوي والحياة الوطنية.

ثانيا: عوائق انخراط الشباب في الحياة العامة

لقد أكد الملك في خطاب الذكرى 19 لتربعه على العرش على أن:" الواقع أن الأحزاب تقوم بمجهودات من أجل النهوض بدورها. إلا أنه يتعين عليها استقطاب نخب جديدة، وتعبئة الشباب للانخراط في العمل السياسي، لأن أبناء اليوم، هم الذين يعرفون مشاكل ومتطلبات اليوم. كما يجب عليها العمل على تجديد أساليب وآليات اشتغالها. فالمنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية، التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات، التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث". فهي إشارة على أن الأحزاب المغربية اليوم مطالبة بتشبيب خلاياها وأطرها، والعمل على استقطاب الشباب من أجل المساهمة في بلورة النموذج التنموي الجديد الذي تحتاجه البلاد، نموذج تنموي يجيب على الأسئلة والإشكالات الراهنة التي تعاني منها البلاد، هذه الإكراهات لا يمكن تجاوزها إلا بوجود شباب مؤطر، واعي، وبوجود أحزاب متشبعة بروح المسؤولية. إلا أن الواقع يؤكد على أن أحزابنا اليوم تحتاج إلى ثورة حقيقية داخل بنيانها، تقطع مع كل الأساليب السابقة التي رافقتها من زبونية وخدمة المصالح الحزبية الضيقة، بالإضافة إلى التكريس لطابع المسؤولية تقتضي المحاسبة، وكل من تبت في حقه اختلاس أو سرقة أو رشوة ينبغي محاسبته باتباع المسطرة القانونية في حقه وتقديمه أمام أنظار العدالة.

إن الدستور الجديد للملكة المغربية وضع المادة الخام لكيفية عمل وإدماج الشباب داخل المجتمع، وذلك من خلال التنصيص على عدد من الركائز والأساسيات التي بمقتضاها يمكن للشباب أن يندمج وبشكل سلس في مسلسل التنمية والتطور المنشود، وذلك لن يتأتى إلا عن طريق وضع هذه الأساسيات التي نص عليها دستور 2011 على أرض الواقع، وذلك بالتفعيل الحقيقي لكل من نص الفصل 33 من الدستور عن طريق التعجيل بإحداث المجلس الاستشاري للشباب والعمل الجمعوي، كما نص عليه الدستور على أن يتكون من جميع الفعاليات الشبابية والمنظمات المجتمعية، والذي طال انتظار تفعليه بعد مرور ما يقارب من الثماني سنوات على صدور الدستور وهو أمر غير مفهوم إطلاقا، خصوصا وأن معضلتنا اليوم هي معضلة شبابية بامتياز، وأن خروج هذا المجلس حيز الوجود سيساعد قدر الامكان في إيجاد حلول كفيلة بالتقليل من مشاكل كثيرة تمس شبابنا أهمها معضلة البطالة والفقر.

كما يجب أيضا إشراك الشباب في إعداد وتنفيذ البرامج والاستراتيجيات الحكومية عن طريق تقديم مقترحات فيما يخص التشغيل والسياسات التي تهم هذه الفئة، ودعم البحث العلمي عن طريق تقديم منح مالية للباحثين الشباب ذوي تكوين جامعي ومساعدتهم فيما يخص نشر بحوثهم، فكيف يمكن لنا الحديث عن بحث علمي في ظل هذه ميزانية هزيلة مخصصة للبحث العلمي، والتفكير مستقبلا في حلول واقعية للمشاكل التي تعتري الجامعات خصوصا في علاقة الإدارة بالطالب، والتفكير في خلق برامج وتطبيقات إلكترونية تغني الطالب عن الاحتكاك المباشر بالإدارة خصوصا فيما يتعلق بالتوصل بالوثائق الجامعية، وأيضا تحسين خدمات المكتبات الجامعية، وضرورة التنسيق بين مختلف الجامعات المغربية وربطها من خلال موقع موحد يمكن الطالب من تصفح البحوث الجامعية بسهولة وسلاسة ستمكن الطلبة من ربح الوقت والجهد والمال. فالأهم من هذا كله اليوم هو العمل على إقامة حوار وطني حول الشباب وأدوارهم الطلائعية، ووضع مخرجات وتوصيات هذا الحوار التي تعتبر خارطة الطريق للخطوات المقبلة التي يجب على الحكومة وضعها على أرض الواقع، حتى يضطلع الشباب بدورهم ومسؤولياتهم اتجاه وطنهم بكل عزم ووعي ونضال وجدية للانخراط الواسع والفعال في الحياة العامة بشكل مسؤول وبمواطنة إيجابية، فالشباب هم مستقبل هذا الوطن وثروته الحقيقية.

*باحث في العلوم السياسية