على باب الله

عصافير إلياس وأقفاص بنشماس

المصطفى كنيت

لم يعد بوسع  حكيم بنشماس إلا التنديد والاستنكار والبكاء على حزب طار من بين يديه، وحط على غضن شجرة، ليس في غفلة منه، كما كان يحدث لنا ونحن أطفال صغار، بل لأنه اعتقد أن العصفور في قفص محكوم الإغلاق، و لم ينتبه إلى أن الهزال أصابه، فانسل من بين الأسلاك.

لا أحد بمقدوره أن يعيد العصفور إلى القفص، بعد أن استعاد حريته.

ولا شك أن كل العصافير التي أدخلها إلياس إلى القفص ستطير، و تحلق عاليا في الفضاء، و لن يتبق لبنشماس إلا الأقفاص وحرّاسها، الذين كانوا ينصبون المصائد للإيقاع بالعصافير.

كم كانت تلك العصافير غبية، قبل أن تتذوق لذة أن تُفرد أجنحتها في السماء، و تسمع صوت خفقانها وهي تطير من غصن إلى غضن.

لكن بنشماس يريد أن يعيد العصافير، التي طردها أو فرت منه إلى الوكر، و الا لا يمتلك "سحر" الشرقاوي مول الحلقة، الذي كان يُطلق الحمام فيعود، مطمئنا هانئ البال، إلى الأقفاص بعد جولة في سماء جامع الفنا، لذلك فهو يُهاجم وزارة الداخلية لأنها لم تتدخل لمنعها من التحليق.

بكل هذا الحمق، يكتب بنشماس بلاغاته، و يتلو رسائله التي لم تعد ترفرف حولها روح سيمون بوليفار، فتستعصي عليه أشعار بابلو نيرودا، وتفر منه الأخلاق السياسية النظيفة، و يتخلى عنه آداب الحوار الراقي.

فلا أحد يريد الرجوع إلى بنشماس... إلى حضنه عفوا إلى الهيكل العظمي الذي تبقى بين يديه، بل يريدون تخليصه من قبضته، التي لم تعد تقوى على الضرب فوق الطاولة، وينفخوا فيه روحا جديدة ( وشوف تشوف)، خاصة أن من بين هؤلاء أيضا من لا تثق  فيه لا الملائكة و لا الشياطين ولا العصافير ، وكل همّه أن يندس بين الصفوف، ويلبس كسوة المناضل، كولي صالح، يتبرك به الحمقى والمعتوهون.