تحليل

الدخول المدرسي وشعار المدرسة المواطنة الدامجة: أية مقاربات ؟

عبد اللطيف امحمد خطابي

عادت وزارة التربية الوطنية من خلال مقرر تنظيم السنة الدراسية الجديدة 2020/2019 لإعادة رفع شعار المدرسة المواطنة، وهو شعار إن كان يبدو خفيفا على اللسان ، فهو يحمل حمولة تربوية ثقيلة في الميزان التربوي ، فهل أعدت الوزارة العدة التربوية والتدبيرية الكافية لإنجاح هذا الشعار أم اكتفت بتزيين لافتة الدخول المدرسي بشعار براق يجلب قلوب الناس لكنه يحتاج الى أدوات كثيرة  واستراتيجية مدروسة  لتفعيله .
إن تنزيل مشروع مدرسة مواطنة  ليس بالأمر الهين ، فنجاح ترجمة هذا الشعار إلى إجراءات عملية  يحتاج إلى فاعلين تربويين  قادرين على أجرأته ويحتاج إلى مرتكزات قانونية  وبيداغوجية  تهدف إلى  إعادة  بناء مدرسة متجددة تحقق العدالة المدرسية والانصاف وتكافؤ الفرص بين التلاميذ والتلميذات الذين عبروا عن اندماج ناجح  وسلوك مدني إيجابي من خلال مشاركات ناجحة تساهم  بأشكال مختلفة في إنجاح مشاريع المؤسسة الثقافية والاعلامية والاجتماعية والعلمية .
وسأقتصر في هذا المقال على التذكير بأربعة مداخل أوردها الباحث السوسيولوجي  الأستاذ  Bruno Derbaix    في كتابه المدرسة المواطنة ، كأسس ومبادئ لابد  من الوعي  بها واحترامها إذا كنا فعلا نريد التأسيس لمدرسة مواطنة  على الأرض  وليس على الأوراق فحسب ،كما ذكر أيضا أن المدرسة  كانت خلال فترة طويلة تعتمد مقاربة  تفرض قواعدها التنظيمية  من منطق فوقي دون إيلاء أدنى اهتمام للتلاميذ  لاستشارتهم والأخذ برأيهم  ، علما أن هذه المقاربة أصبحت متجاوزة، إذا ما كنا نرغب في تعليم أطفالنا روح المسؤولية واحترام القانون ، وهذا ما يستلزم إعادة النظر في النموذج التربوي السائد بصفة شاملة ، والبحث عن مبادئ المدرسة المواطنة والدامجة التي لا تقصي أحدا  بهدف تحقيق العدالة التربوية والإنصاف ونبذ العنف المدرسي والتمييز وتثمين التعدد والإنصات إلى معاناة التلاميذ ومساعدتهم على تخطي مشاكلهم النفسية و التعليمية والاجتماعية  للشعور بالانتماء الجماعي إلى المدرسة  والقبول  بقوانينها وجعلها  فضاء لتعلم العيش المشترك  وتطوير الذكاء المتعدد والابداع .
ويمكن تلخيص المبادئ الأربعة في المحاور الآتية:
القواعد les règles )) : إن من أهم عناصر الاستراتيجية المواطنة هو صياغة قواعد العمل بإشراك التلاميذ ، لطرح الأسئلة وصياغة إطار ديناميكي للعمل .
العدالة (la justice): تعتبر المؤسسة المدرسية أول وسيط بين الدولة  والشباب، وعليه يتعين توفير أجواء العدالة والإنصاف وتمكين الأفراد الذين تعرضوا للحيف والظلم  والإقصاء من  تعويض ضررهم وتصحيح أخطاء مرتكبيها  بمختلف الأشكال الممكنة وتفعيل خلية الاستماع بالمؤسسة  بشكل قوي يلبي الحاجيات الحقيقية لفئة عريضة من التلاميذ، وقد أكد مقرر السنة الدراسية الجديد في مادته الثالثة على ضرورة إحداث وتجديد خلايا اليقظة و خلايا الإنصات والوساطة وهو أمر في غاية الأهمية لإنجاح عوامل التربية على المواطنة في المدرسة .
التثمين (la valorisation): إن الفعل التربوي لا يقتصر على تنظيم التعلمات فحسب، بل يتجاوزها إلى تكوين سلوكات ايجابية تساهم في إنجاح العيش المشترك من خلال المشاركة في أوراش المدرسة بمختلف أشكالها (كحملات النظافة ، المسرح، الأنشطة الثقافية ، الدعم التربوي، احترام الوقت الخ …)إن تثمين السلوك المدني مغيب في مدارسنا، ويتعين على ادارة المؤسسة أن تبرز للجميع كل أشكال المبادرات الإيجابية التي شارك فيها التلاميذ والتلميذات ومنحهم تشجيعات رمزية قدوة للآخرين.
الصالح العام ( le bien commun): ان تنمية الصالح العام  هو الهدف  الأساسي لكل مقاربة مواطنة  وهذا الأمر يستدعي  الاهتمام بالأنشطة الثقافية و الإعلام المدرسي والتواصل داخل المؤسسة ومع محيطها الاجتماعي والاقتصادي والاهتمام  بموضوع التمثيلية  كما جاء في مقرر السنة الدراسية  في المادة 3 التي تؤكد على  ضرورة “تجديد المجلس التلاميذي  وتفعيل أدواره” الذي يعتبر  مدخلا  للتربية على الديمقراطية  باعتباره برلمانا للطفل يساهم في النقاش المدرسي ويبدي رأيه في المشاريع التربوية التي تهم التلاميذ وكذلك يقترح افكار تدعم الانضباط  واحترام قواعد التعامل داخل المؤسسة كما يمكن ان يكون منبرا لإيصال بعض القضايا التي تهم هموم وانشغالات التلاميذ . وقد أكدت المادة 10 من المقرر على أهمية انخراط التلاميذ في الأندية التربوية التي تعتبر الخلايا الحقيقية لتعلم العمل الجماعي وروح التعاون.
إن التربية على المواطنة مشروع ضخم يتطلب رؤية شمولية لمبادئ التربية الحقوقية  عكس النموذج التقليدي الذي أبان عن محدوديته والذي اشتغلت عليه  المدرسة العمومية لما يزيد عن نصف قرن والذي برهن عن فشل فضيع نظرا لحجم الهدر المدرسي وضعف التكوين  وقلة الجودة  وذلك ما أكدته جميع التقارير الدولية والوطنية .
إن  الوصول الى بناء المدرسة المواطنة والدامجة مشروع أساسي وضروري وشرط لا غنى عنه لتساهم المدرسة العمومية  في تأهيل الأجيال الصاعدة لمختلف التحديات التي فرضتها العولمة الاقتصادية بشكل خاص، ونظرا للطفرة الحضارية التي دشنتها الثورة التكنولوجية التي فرضت السرعة القصوى في التطور المجتمعي وجعلت المدرسة أمام تحديات غير مسبوقة في التاريخ ، لذلك فإن إعادة بناء المدرسة المغربية الجديدة يجب أن يقوم على أسس العدالة المدرسية  والمواطنة الفاعلة  التي تراعي هموم وانشغالات المتعلمين  الذين ظلوا على الهامش لعقود لتجعل منهم المدرسة جيشا من المعطلين فاقدين للمبادرة  وعاجزين عن الاندماج  في واقع يحتاج أكثر من أي وقت مضى إلى كفاءات متعددة و بناء شخصية مؤهلة للتكيف ورفع التحديات .
لذلك فإن بناء مشروع المدرسة المواطنة يتطلب رؤية متجددة تدمج التلاميذ في قرارات المؤسسة بشكل أكبر حيث يمكن دعم الاجتماعات التي تنص عليه المادة 12 المتعلقة بتنظيم الاجتماعات ، باجتماعات موازية يشارك فيها مجلس المواطنة المتكون من ممثلي التلاميذ و ممثلي المؤسسة والاباء والأمهات  لإعطاء نفس جديد لتربية متجددة  تقترب أكثر من حاجات المتعلمين وتعمل على تنمية تربية جديدة متجددة  قادرة على تنشئة التلاميذ تنشئة سليمة وشاملة في إطار مشروع المؤسسة يستجيب للحاجات  الفعلية للمتعلمين   .
إن  نجاح تنزيل مشروع المدرسة المواطنة  لا يمكن أن ينجح بالاعتماد على مقاربة تقنية محضة يتسم بها مقرر تنظيم السنة الدراسية، بل يجب على هيئة الادارة التربوية  إضفاء روح جديدة لتوجيهات المقرر، وذلك بتبني  مبادرات محلية ،تقوم على أساس خلق مجلس المواطنة (المجلس التلاميذي) الذي يتكون من ممثلي  التلاميذ واقحامهم  في التخطيط والتنفيذ لمشاريع المؤسسة في أبعادها المختلفة   بهدف تغيير ثقافة الفاعلين التربويين ومواقف التلاميذ كذلك.