رأي

نوفل البعمري: تقرير غوتيريس حول الصحراء.. بعض المحاذير

تقرير الأمين العام للأمم المتحدة حول الحالة في الصحراء الغربية المغربية، الذي قدمه رسميا لمجلس الأمن المنتظر عرضه للمناقشة يوم 7 أكتوبر 2019، على أساس أن تستمر إلى حين إعداد مسودة القرار من طرف الإدارة الأمريكية وعرضها على المجلس قصد المناقشة النهائية لها والتصويت عليها؛ إذا كنا قد سجلنا بعض عناصر القوة فيه التي تصب لصالح دعم الرؤية الواقعية لحل النزاع المفتعل حول الصحراء خاصة منها المعايير الجديدة التي وضعها مجلس الأمن في قراريه السابقين، فإنه رغم ذلك سجل التقرير المقدم بعض المنزلقات التي تسللت للتقرير ليس بغرض إحداث التوازن السياسي بين أطراف النزاع. لكن للأسف بهدف تضليل الرأي العام الدولي، خاصة منه الدول التي ستناقش التقرير ثم القرار. وهو التسلل الذي لطالما نبه إليه المغرب لأنه يؤدي إلى نقل وقائع غير حقيقية بهدف خدمة أجندة طرف على حساب آخر في استنساخ غير حقيقي لواقع النزاع ولواقع الأقاليم الصحراوية مقارنة بالمخيمات، خاصة منها في الجانب الحقوقي، رغم أن مجلس الأمن كان واضحا في مختلف قرارته حيث زكي عمل المؤسسات الوطنية المستقلة، خاصة منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان الذي عليه مسؤولية كبيرة في الحفاظ على مختلف المكتسبات الوطنية-الحقوقية في هذا الجانب. بالمقابل هناك غياب كلي لأية آلية حمائية لحقوق الإنسان بالمخيمات في ظل تزايد حجم الانتهاكات الكبيرة بالمخيمات وتنوع ضحاياها ليشمل مختلف الأجيال، بتصنيفاتهم المدنية والسياسية المتنوعة، إذ تم تعميم القمع والتضييق على مختلف الأصوات المعارضة للبوليساريو في إطار محاولة قبر أي حركة احتجاجية، ثورية قد تبرز داخل المخيمات يكون الشباب وقودها و قائدا لها.

التقرير وإن كان إيجابيا من حيث بحثه وتشجيعه على حل سياسي عادل، بالمعايير الجديدة التي وضعها مجلس الأمن في قراريه السابقين، خاصة منهما ما يتعلق بالحل الواقعي، والروح الجديدة التي يجسدها الحكم الذاتي؛ فإنه رغم ذلك كما تمت الإشارة أعلاه هناك فقرة تسللت إلى التقرير تحاول العودة بنا وبالملف في مسألة حقوق الإنسان إلى نقطة الصفر رغم أن مجلس الأمن ظل يدعم في قراراته عمل المجلس الوطني لحقوق الإنسان ولجانه الجهوية بالصحراء، فإنه في هذا التقرير بالضبط في فقرته 25 التي تحدثت عن تلقي  المفوضية لادعاءات تتعلق بانتهاكات حقوقية في الأقاليم الصحراوية يتعرض لها المدافعين عن حقوق الإنسان والصحفيين….، دون أن يعرض التقرير وجهة نظر المغرب أو موقفه من هذه الادعاءات، ودون استعراض ما يتحدث من انتهاكات جسيمة  بالمخيمات وحالات الاختطاف التي تعرض لها ثلاث نشطاء، وهي حالات لا تتعلق بادعاءات كما هو الحال بالنسبة للمغرب، بل لاختطاف ثابت خارج القانون الدولي لنشطاء رفعوا صوتهم ضد قيادة الجبهة وفضحوا فسادها أمام الرأي العام بالمخيمات والدولي وساهموا في تحرير جزء كبير من ساكنتها التي خرجت للاحتجاج أمام مقر المفوضية نفسها.

هذه الأخيرة يبدو أنها لم تقلق من الوضعية الخطيرة بالمخيمات ولم يثرها الاعتصام المفتوح الذي نظمته عائلة الخليل أحمد وعائلة الفاضل ابريك أمام مكتبها.

كما أنها لم يثر انزعاجها القمع الكبير الذي تعرضت له مسيرات أهالي المختطفين أمام مقر الأمانة العامة للبوليساريو بالرابوني، ولم تكلف نفسها عناء الاستماع لأهالي المختطفين الذين راسلوها قصد إسماع صوتهم. ولم يقلق ضميرها رفض البوليساريو والجزائر إحصاء اللاجئين وتمكينهم من بطاقة لاجئ للتمتع بحقوقهم المكفولة في اتفاقيات جنيف الأربع ليتمتع ساكنة المخيمات بحقهم في التنقل، التنظيم، العمل، الصحة...

كما أنها لم يرمش لها جفن عن حالات الاغتصاب التي تعرض لها نساء بالمخيمات من طرف قيادة الجبهة، حيث يعد قائدها إبراهيم غالي مطلوبا للعدالة الإسبانية بتهمة الاغتصاب. لكنها بالمقابل "أزعجها" الوضع الحقوقي بالأقاليم الصحراوية، حيث توجد آليات وطنية وجهوية أقر مجلس الأمن بقيامها جميعا بمهمة حماية حقوق الإنسان والنهوض بها في المنطقة، وبانفتاحها على الآليات واللجان الأممية المختلفة المعنية بحقوق الإنسان، وبالهامش الكبير من الحرية الذي يتمتع به نشطاء البوليساريو على الأقاليم الصحراوية الذين يتحركون بحرية من وإلى جنيف، ثم المخيمات دون أية محاكمة أو تضييق على حقهم في التنقل!!!!

بالعودة لنفس الفقرة فقد سجلت أشبه بحكم قطعي على التضييق الذي ادعت أنه يمارس على الجمعيات بالأقاليم الصحراوية، رغم أن المخيمات تعج بجمعيات مناوئة للمغرب وتتحرك بحرية منها من له وصل إيداع قانوني مسلم من طرف السلطات المغربية، ومنها من لجأ للقضاء المغربي ومكنه من حقه في وصل الإيداع وحصل عليه تنفيذا لأحكام القضاء… بالمقابل فالمفوضية لم يقلقها ما يسمى بدستور البوليساريو الذي يمنع بشكل كلي أي تنظيم مدني مستقل عن الجبهة، في انتهاك كبير للحق في التنظيم، كما لم يقلقها وجود معارضين وتنظيم كخط الشهيد بإسبانيا ممنوع عليه التحرك بالمخيمات، وأن المبادرة الصحراوية للتغيير تم تخوينها واتهامها بالعمالة وأحد قياداتها اليوم مختطف، وأن مدونين منهم من اختطف كحالة محمود زيدان، ومنهم من أعلن عن اعتزاله التدوين في وسائل التواصل الاجتماعي بسبب الخوف، وأن مؤتمر الجبهة الذي أجل لمرتين تم تشكيل لجنته التحضيرية ثلثيها من "العسكريين" والباقي من الأغلبية القبلية… وغيرها من المظاهر المنتهكة لحقوق الإنسان، الحاطة من الكرامة الإنسانية التي أخذت بها علما المفوضية في مراسلات عديدة توصلت بها رسميا من خلال مكتبها بالرابوني لكنها فضلت الصمت المريب الذي يجعل مكتبها والعاملين به في المخيمات متواطئين، بل شركاء في الانتهاكات الحقوقية التي تحدث.

التقرير يؤكد أن الدبلوماسية المغربية عليها أن تستمر في يقظتها وفي تحصين المكتسبات التي راكمتها منذ إقرار الحكم الذاتي كحل واقعي، وذي مصداقية وصولا إلى اقتناع المنتظم الدولي بالبحث عن حل واقعي، وإلى أن تضاعف المؤسسات الوطنية خاصة منها المجلس الوطني لحقوق الإنسان عملها في الأقاليم الصحراوية والترافع الأممي المنتج والفاضح للوضع الحقوقي بالمخيمات وللمتسترين عليه، هي معركة حقوقية طويلة يجب أن تقاد بذكاء وبروح وطنية، وباستراتيجية واضحة.