رأي

ادريس الروخ: المسرح الاحتفالي ..برشيد المؤسس

الطقس المسرحي هو احتفال فرجوي ... يرسخ لعادات وتقاليد الفرحة والاجتماع والالتقاء لدى الشعوب من اجل احياء مناسبة ما ... قد ترتبط بما هو ديني ( وهذا ما عبر عنه القدماء في اليونان القديمة بالاحتفال بالطقوس الدينية وخصوصا "ديونيزوس" او ما يصطلح عليه أيضا باخوس : الذي يعتبر في الميتولوجيا الإغريقية ،( اله الخمر ) ..حيث كان اليونانيون يخصصون له أعياداً للاحتفال به من اجل التبرك به طلبا للبهجة الفرحة والسعادة .
او يرتبط بما هو اجتماعي فرجوي مناسباتي ( الأعياد والأعراس الغ )
ولعل ما يجعلنا نفهم ولو قليلا مبدأ الاحتفالية هو ابتعادها عن الفردية وتأسيس فلسفتها على الجماعة في تناسق تام بين النظرية والتطبيق العملي والنقد المسرحي ..
بطبيعة الحال لم تأت نظرية المسرح الاحتفالي فقط لتاثيت الفراغ المسرحي التجريبي العربي او لخلق اجواء مسرحية تنشيطية وترفيهية ، بل قامت الاحتفالية انطلاقا من قناعة ومن بحث ومن فهم ووعي تام لمجتمعاتنا العربية التي كانت تعيش في فترة السبعينات والتمانينات والتي لم تخلق لنا منهجا متماسكا يعبر عن هموم ومشاكل وقضايا المغاربة وأيضا قضايانا العربية في جو درامي احتفالي شعبي ..بالرغم من عدة محاولات كانت جد مهمة ( خصوصا مسرح الهواة ، والمسرح الجامعي وتجارب فردية حاول أصحابها إعطاء المسرح صفة البحث والتجريب ..لكنها لم تدم طويلا ،) غير ان برشيد وجماعته في المسرح الاحتفالي وبالأخص الطيب الصديقي المفعل لحركية المسرح الاحتفالي عبر تقديمه وإخراجه لعروض مسرحية أصبحت مرجعاً في العالم العربي ومصدرا لإلهام العديد من المبدعين ..
لقد حاول الدكتور عبد الكريم برشيد ان يعطي نفسا مغايرا للفرجة المسرحية باعتماد أساليب جديدة تمزج بين ماهو كائن وما سيكون بين الأصالة كتراث معرفي وثقافي وفرجوي وبين المعاصرة كتحديد وتحديث لدم المسرح باعتماده أساليب جديدة في تقديم العرض المسرحي من سينوغرافيا وديكورات ورقص وغناء ...ثم الاشتغال على الزمن كضرورة سردية ومحاولة تفكيكه وتركيبه بصيغ مختلفة ،: كان يصبح الزمن الماضي حاضرا في الان . وان يصبح الاسم في الماضي موجودا في المكان الحاضر .
هذه التنائية بين الزمان والمكان والاعتماد على الذاكرة الشعبية العربية لاستحضار التاريخ واستحضار الموروث الثقافي وجعل الحكاية ترتبط بوجدان المتلقي .. هو سر نجاح برشيد في ترسيخ نظريته حول الاحتفالية .
ولعل مسرحيات برشيد منذ الوهلة الاولى ومن عناوينها نكتشف هذه المفارقة (ابن الرومي في مدن الصفيح . عطيل والخيل والبارود ، عنتر في المرايا المكسرة ، امرؤ القيس في باريس ، فاوست والأميرة الصلعاء ...)
من خلال ماقامت به النظرية الاحتفالية فلسفيا في طرح سؤال النحن في وسط كل التراكمات المعرفية وكل الإشكالات المتعلقة بالإنسان وما ترتب عن ذلك من تبعية في طرق رؤية المسرح ( فقط ) باتجاه واحد ( النظرية الغربية ) دون فهم خاصية الانسان العربي الذي لديه مشاكله وهمومه الاجتماعية والاقتصادية والسياسية التي تطفو به بعيدا عما يحدث في العالم الاخر وبالأخص التطور الحاصل في الهوية والاندماج والحرية واتباث الذات ...
وتنمية القدرات بالانفتاح اكثر على مايحدث خارج نطاقنا ..وتسليط الضوء على العقل العربي لايقاضه من سباته العميق.