فن وإعلام

مونية علالي تكتب قصصها القصيرة جدا...

إجهاض... و"بسلام"

هذا "الدوار" نحس محظ، لم يعطها شيئا جميلا منذ ولدت. فقدت أمها في السنين الأولى من شبابها ووجدت نفسها اما لثلاثة اخوة، لا رحيم لهم ولا أحد يحن له القلب...
الآن وقد انتهى الأكبر في السجن بعد أن ألقي عليه القبض وهو يتاجر في المخدرات والثاني رحل يوما ما ولم يعد ولم يعرف له اثر حتى سمع من الجيران انه ركب البحر مع مجموعة من الشباب في مقتبل العمر، التهمتها امواج الأبيض المتوسط ولم يعرف لها نقطة وصول غير عمق قعره. أما الثالث فتزوج من امرأة تكبره سنا وأصبح كمن لا يعرفها أوبينهما قرابة.
تحررت هكذا ودون ان تختار من كل القرابات العائلية، حملت حقيبتها المثقلة بكل ما يمكن ان تحتاجه وهي بعيدة عن "البراكة" وتوجهت تلبي نداء صديقة سبقتها منذ مدة الى "المدينة". التقت بها آخر مرة في عرس اخيها الذي تزوج من "وحدة فالخارج". عادت لتجهز أخاها وترسله مع زوجته الى ايطاليا.
لم تكن مدعوة الى العرس كباقي المدعوين بل كانت ترافق "الطيابة" لتقرب لها ما يلزمها وتغسل الأواني المتراكمة وباستمرار.
نظرت اليها صديقتها وسألتها: "هل عندك واتساب؟"
ردت وهي ترفع رأسها ايجابا -فلم يعد الواتساب منعدما عند أحد اليوم- أعطتها ورقة مكتوب عليها رقمها وطلبت منها ان تتصل بها الأسبوع القادم.
ها هي الآن تركب سيارة من نوع كبير الحجم لا تعرفه. فكما وعدتها صديقتها، وجدت ذاك اليوم "لالة ربيعة" تنتظرها في محطة الطاكسيات فأخذتها الى بيتها حيث ستعمل كخادم. كل شئ كان مغر بالنسبة لها: الخروج من "الدوار"، التوجه لمدينة كبيرة، ورؤية البحر أخيرا بعد ان كانت تنظر له كالمعجزة من خلال أفلامها المترجمة، شئ من المال تحتمي به من "دواير الزمان". لم تترك وراءها احد لتظل معلقة به. أولاد الحاجة كبار غادروا البيت الكبير  وهذا يضمن لها قلة الشغل، تقوم بأشيائها العادية من تنظيف وطبخ وكي الملابس وأحيانا تذهب الى "السوبرمارشي" لقضاء بعض الأشياء وتلك كانت متعتها. طبعا هي اصلا"حادكة" و"لالة ربيعة" تقول عنها دائما انها "راسها صغير "وتتعلم بسرعة...
....
....
فتحت عينيها وغشاوة ضباب تعلوهما، لا تستطيع رؤية ما حولها ولا إدراك أين هي بالضبط. مصباح كبير يتلاوح أمام عينيها وكأنه جزء من حلم. استوعبت بعد مضي بضعة دقائق أن هناك شابة تقف جنبها بزي ابيض، سمعتها تقول لها: "على السلامة، شفتي داز كلشي على خير، غير كنت خايفة بلا قياس...". كان رأسها يؤملها، وأعضاؤها متراخية وثقيلة. استوعبت بعد لحظات انها بدأت تستيقض من المخدر في المكان الذي صاحبها اليه زوج "لالة ربيعة"، قبل ايام، اي عيادة الدكتور الذي اجرى لها عملية الإجهاض... و"بسلام"...
رجعت بها الذاكرة الى ذلك اليوم الذي مرضت فيه "لالة ربيعة" واضطرت الى البقاء في المستشفى مدة شهر، وجدت نفسها أوقات كثيرة وحدها بالبيت، حيث بدأ الشيطان يزاور عقلها وشيطان آخر اخذ يتقرب منها. ارادت ان تأخذ حضها من الدنيا ومتعة الجسد هكذا عشوائيا ودون
اعتبار لمن مد لها يد الخير يوما. سلمت نفسها لشهوة رجل البيت وخطط المتعة حين تسمح الفرص لذلك. كانت تسمع عن هذه المغامرات من بنات "الدوار" ولم تكن تعي انها ستجد نفسها يوما تمارس الجنس مع صاحب البيت الذي تشتغل فيه. المغامرة كانت مثيرة خصوصا وأنها اكتشفت من خلالها جزء اخر من الأنثى والذي ظنت نفسها مع مرور السنين انها لن تعيشه ابدا. كان سنها قد تجاوز الأربعين لكن أنوثتها كانت ناضجة تثير وقد لبت رغبة داخلية وراء الحاح وغزل ومتابعة. إلا انهااصطدمت بعد شهور من علاقة خفية في ظروف مرض صاحبة البيت وغيابها المتكرر بين مستشفى وآخر وقد غابت عنها العادة الشهرية اكثر من الشهر. لم تع ماذا وقع وكيف وهي التي استعملت حبوب منع الحمل في كل لقاء جنسي وخلوة، لم تكن تعرف انها يجب ان تأخذ الحبوب كل يوم لتمنع وقوع الحمل. كان شهما زوج السيدة فقد نسق كل شي حتى موعد الإجهاض لكي لا يفضح الأمر...
حملت حقيبتها وهي خارجة من العيادة تنظر يمينا وشمالا في انتظار تاكسي يحملها الى المحطة. تأكدت ان مفتاح "البراكة" التي في "الدوار" ما زال في حوزتها. قررت ان تعود هناك حاملة كيسا من الأدوية حتى تسترجع صحتها. نصحتها الممرضة ان ترتاح شيئا ما قبل ان تعود الى العمل...