رأي

ادريس الروخ: الممثل الثائر

يبقى الممثل المحور الأساس الذي يدور حوله اخراج او انتاج او صناعة عمل مسرحي ..تليفزيوني او سينمائي ..من اَي طبيعة كان .. فهو جسر التواصل بين فكرة ونص المؤلف ورؤية مخرج وبين الجمهور المتعطش لإحساس صادق وفعل حقيقي ..وذات بكاريزما تشد الأنفاس ..
يعتقد البعض ان الممثل هو فقط منفذ لافكار الآخرين ..وواجهة جسدية بصوت يتحرك باشارة من المخرج وبما كتب مؤلف ..وأنه بذلك يعتبر احد عناصر صناعة الفرجة ..
غير ان هذا وان كان جزء منه صحيحا ..فان الحقيقة تقول بان الممثل يعتبر عقل وفكر وقلب صاحب العمل ..بل هو ابلغ من ذلك في تعامله مع احداث النص وفهمها وبلورتها والاشتغال عليها وقد يصل الامر باتفاق مع المخرج والمؤلف في ان يحل محلهم في التعبير ركحيا ومشهديا
عن حالة او عن وضعية ما ..يقترح أسلوبه في كتابتها عن طريق جسده وصوته وإحساسه ويقدمها كاملة ، وقد تغير أشياء كثيرة في بنية النص .. وبهذا يعتبر الممثل ( أيضًا ) مؤلفًا .
ان طرق اشتغال الممثل على بناء الشخصية بمفهومها الكلاسيكي لم تعد مواكبة لمستجدات العصر والتطور الذي وصل اليه العالم تكنولوجيا ..والتباين في المستوى المعيشي والذي خلق فوارق اجتماعية غيرت مفاهيم كثيرة في بناء الشخصية على المستوى اللفظي والجسدي والمتخيل ..وأصبح الممثل ملزوما بفهمه ومسايرة مايحدث والانخراط في المنظومة العالمية بكل تحولاتها والعيش وسط بيئة مختلفة عن التي عاشها الذين سبقوه ..وبالتالي المزج بين أصول ومناهج التكوين في فنون الاذاء الكبرى مع ماوصل اليه الانسان المعاصر من ثورة رقمية وبصرية وتكنولوجية ساعدته وبشكل كبير في وضع فلسفة جديدة تعنى بالوسائط وبالأخص الفنية منها او ما يطلق عليه ( الميديولوجيا )
ان الاتجاه الحالي حول فتح باب التعبيرات المختلفة لايصال مغزى النص ويتفاعل مع جسد وروح الممثل وإبداعه وعدم سكونه او خضوعه للتشييء وثورة رسالته المتمثلة أساسًا في اعادة المكتوب والمفكر فيه الى فعل واع وصادق وقادر على التأثير ..
ثورة تجعل الممثل في عصرنا الحالي يتحدى حدود الزمان والمكان بل يتحدى جسده وينتفض ليحقق التكامل مع الروح ويحلق في الفضاء ليصبح الصورة والصوت والإلهام ويتسرب الى الابدان الاخرى يسيطر عليها ..يسكنها ..يفعل فيها فعل التصوف ويحدث التوحد .
الممثل يعيش اكثر من حياة وأكثر من شخصية ويعيش ازمنة كثيرة ويتجول في فضاءات شاسعة ..يعيش بلذة وألم ..يعيش لنفسه وللآخرين ..يعيش لانه يحتاج الى الحب ..وكلما امتلأ حبا كلما بالغ في إيصاله للآخرين ..ينطفئ كل لحظة ليشعل شموع من حوله ..يغرق في يم الشخصيات لينقد ارواح اخرى ..هو الذي يعيش في عزلة ووحدة ...هو الذي يصرخ ..يبكي ..يضحك ..يرقص ..يغني ..يسعد ..يقرح..يجوع ..يعطش ..يتالم ..يقدم قلبه في طبق للذين يكرهونه ..ويهدي روحه في كوب للذين يحبونه
يسافر بخياله مع كل قصة يقرؤها الى عوالمها يفحصها بعين الطبيب ويتعمق في جوارحها بخبرة عالم نفس ..ويحللها بتحليل الدراماتورج ..ينتقل من سؤال لآخر ..فيحل محل البروفايلر ..فيشكل الشخصية ويرسم ملامحها وينحثها بعد ذلك لتخضع له ويخضع لها في انسجام تام ..وهو لا يكتفي بموهبته وحقيبته الافتراضية وكل مكتسباته في عالم الفن ..بل يلزمه ان يكون عاشقا معجبًا ومتفرغا لما يفعله ..يعيد ترديد الحروف والكلمات مرات متعددة مرة جهرًا وأخرى إحساسًا ..يعيد ويعيد دون ملل ..يكثر من التداريب ليلًا ونهارًا في أماكن مغلقة وأخرى مفتوحة ..بتلقائيته يسعى لتلقائية الشخصية التي يغازلها..
هكذا اصبح جيمس دين شاعر الشخصيات ومارلون بروندو عراب السينما ودانييل داي لويس صاحب ثلات اوسكارات ..وميريل ستريب حرباء الشاشة وأيقونة الممثلات في العالم ...الخ
هكذا يمكن للمثل ان يتحول الى نجمة في فضاء الابداع ويخلد اسمه كرمز للتعبير والتحفيز والتأثير على جيل باكمله .