تحليل

العلم الوطني خط أحمر

عبد الصمد بنشريف

عندما يتعلق الأمر بضرب أحد مبادئ العقد الذي يربط بين المواطن والوطن، فإن المسألة لا تصمد أمام المنطق أو التعليل الحقوقي ، كما لا مجال للمزايدة والبولميك، عندما يتعلق الأمر  بسلوك متطرف وشوفيني مدان متمثل في إحراق العلم الوطني.
أمام  هذا السلوك  الذي حدث في أعقاب إحدى  المظاهرات في باريس تضامنا مع معتقلي "حراك الريف". لا يصمد أي تبرير، ولن تقبل أية تفسيرات. لأن العلم الوطني خط أحمر. ومهما كانت المواقف والقناعات وحتى الاستيهامات السياسية لدى بعض الأشخاص راديكالية ، ومعارضتهم للدولة ولمجمل اختياراتها فيها الكثير من الغلو والتطرف، فإن ذلك لا يمكن أن يشكل دافعا  للإقدام على فعل طائش متهور،  ينم عن رغبة الواقفين وراءه في الزج بمنطقة بكاملها في أتون جريمة، لم يرتكبها سوى الذين يسعون إلى تصعيد مجاني لا طائل من ورائه، وتأزيم الأوضاع وإجهاض أي إرادة صادقة لحل ملف المعتقلين،  وإثارة النعرات العرقية وإشاعة ثقافة شوفينة متعصبة مسكونة بوهم  الطهرانية النضالية، والحق في  امتلاك وتحفيظ تاريخ منطقة باسمه، علما أن هذا التاريخ  هو ملك لجميع المغاربة.  
إن كل المغاربة لايمكن أن يقبلوا بالطعن والجحود، وإلا سيكون الإجماع الوطني وتضحيات كل أفراد الشعب من أجل الوحدة والتماسك  مجرد صيحة في واد ، وستصبح آنذاك قضية الوحدة الوطنية مجرد فذلكة سياسية ، وليست قضية أمة وشعب . ويصبح في هذه الحالة  التصدي لجريمة إحراق العلم الوطني والوقوف  في وجه محاولات  تفتيت الإجماع الوطني والمساس بمشاعر شعب برمته ، واجبا وطنيا مقدسا.
إن العلاقة الانتهازية مع الوطن ، مسألة غير أخلاقية ومردودة وغير مقبولة، ومن يعتبر طعن المغرب من الداخل أو الخارج  ، بأنه ضربة ذكية قد تحدث صدمة إيجابية لصالحة  ، فإنه يلعب بالنار ، ومن لا يتقن قواعد اللعب ، فإن هذه النار لابد أن تلتهم موقدها ، والمواطنون  في الريف  كما في  كل أجزاء التراب  الوطني مقتنعون بانتمائهم للمغرب، فلا يمكن أن يكون الباطن انفصاليا والظاهر وحدويا .
من المؤكد أن الديمقراطية إذا ترجمت على أرض الواقع في شكل برامج ومشاريع لتلبي حاجيات وانتظارات المواطنين، فإنها لا يمكن ، سوى أن تساهم في تقوية التماسك الداخلي وتعزيز الاستقرار بمختلف أشكاله.
والأكيد أيضا أن المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، لا يمكن أن توظف كمبرر لمطالبة بعض المتطرفين  بالانفصال ، والتجرؤ على طعن الوحدة الترابية و إحراق العلم الوطني، ولا يمكن أن تستغل كيافطة لتمرير مواقف مغالية غير مقبولة ، وخلق حالة من التعاطف والتضامن حتى ولو كان ذلك في سياق خاطئ وتضليلي، كما أن التعامل الانتهازي مع حقوق الإنسان هو الذي يؤدي إلى نوع من المساومة والتسويف، فيفتح وقتئذ باب الخلط بين الحرية والتسيب على مصراعيه، ولا يعود من الممكن التمييز بين الممارسة المسؤولة، وتلك التي تنجرف بسرعة إلى خندق المزايدات وافتعال الأعذار قصد شرعنة مطلب استفزازي أو تسويغ  مواقف وممارسات مرفوضة ومدانة  بكل المقاييس .
أما الآن وقد قرر المغرب الانخراط في عدد من الأوراش لترميم تاريخه وتنقيته من الطفيليات الضارة وعناصر التشويش، وتخليص ذاكرته من المناطق الرمادية وآثار الأحداث المؤلمة، فإنه ليس من حقنا  أن نعود إلى الوراء، أو نظل سجناء  الصور النمطية التي تنطوي على جرعة عالية من الشك والاحتراز، وعدم الثقة في كل شيء . إن الريف هو جزء لا يتجزأ من المغرب، وهو مصدر إثراء تاريخي وجغرافي وثقافي واجتماعي واقتصادي لبلدنا. وذاكرة الريف لا ينبغي أن تبقى رهينة  صور قاتمة ومرعبة نتيجة عوامل تاريخية وثقافية ومجالية ونفسية ، فإن المنطقة  قادرة على طي صفحات عدم الثقة تجاه عدد من المؤسسات ، وعدم الثقة هو جزء من  مجموعة أوهام تسكن عقول أفراد لم يقرؤوا سيوسيولوجيا وتاريخ اقليم الحسيمة- تحديدا - وجغرافيته البشرية و الطبيعة الثقافية  لجماعاته ومكوناته الترابية  قراءة عميقة وجيدة. الثابت هو أن الريف  منصهر في للمجموعة الوطنية ،انصهارا كاملا  و قد  انخرط منذ سنوات  في مصالحة شاملة ومفصلية .ومن تجرأ على إحراق العلم المغربي  فإنه بفعله هذا،  يريد  عمدا  وقصدا إحراق آمال وتطلعات منطقة بكاملها.