رأي

عادل الزبيري: في نوفمبر المغربي

في نوفمبر من العام 1975، قدم المغرب صورة جماعية، تعيد إنتاج صورة مقربة، عن الإمبراطورية المغربية، في القرون الماضية، ونفذها شعب يريد أن يستكمل وحدته الترابية، في سياق الانعتاق من مرحلة الاستعمار الأوروبي، الذي لا يريد الخروج دون ترك ندوب، لا تزال تداعياتها متواصلة، إلى اليوم، على جسد المملكة المغربية.
فالجنرال الإسباني الراحل فرانكوا، كان رافضا لفكرة الانسحاب النهائي، من الصحراء الغربية المغربية، لأنها مجال حيوي لمدريد، وظلال التاريخ ووصايا الملكة الإسبانية الراحلة إيزابيلا لاكاتوليكا، تجثم على أنفاس أكبر ديكتاتور في تاريخ إسبانيا الحديث، فمن هذه الصحاري المغربية، قدم رجال شديدي البأس، ركبوا الجمال في زمن المرابطين، ليدخلوا الأندلس، مدافعين عن الإسلام، في زمن الحروب الدينية الكبرى.
فقبل دخول الاستعمار الإسباني والفرنسي، إلى المغرب، من بوابة اتفاقية الحماية، في الجزيرة الخضراء الإسبانية، في النصف الأول من القرن الماضي، كان المغرب يودع قرونا من الأمجاد، للسقوط بين يدي المستعمر الأجنبي، في سياق التمدد الأوروبي في جنوب العالم، بعثا عن المجال الحيوي.
وغادر الإسبان الجزء الغربي من الصحراء المغربية، في سنة المسيرة الخضراء المغربية، التي مشى خلالها الآلاف من المغاربة، على الأقدام، بين الرمال، وكان سلاحهم كتاب الله ورايات الوطن، بإدارة من العاهل المغربي الراحل الحسن الثاني، في زمن الانقلابات العسكرية، وإسقاط الملكيات، وصعود الديكتاتوريات، والأنظمة المغلقة، والحرب الباردة الكونية.
ومن الذين شاركوا في "المسيرة الخضراء" المغربية، جدي من أمي، الراحل محمد بن شريف، ففي حياته، كان "يركب الفخر منتشيا"، عندما يروي لنا، في مجالس العائلة، تفاصيل رحلته مع جيله، لصلة الرحم الجامعي، بإخوانهم في الصحراء، وكان لا يسمح لمن يقاطعه، في استرساله في الحكي، لأن الحدث وفق تعبيره "كان عظيما وجللا".
أعتقد أن "المسيرة الخضراء"، وأنا أنتمي لجيل، ولد بعد هذا الحدث، بأقل من 10 سنوات، "علامة فارقة جدا" في تاريخ المغرب الحديث، لأنه يجسد تكاملا في الإرادة، في اتجاه هدف واحد بين الملكية وبين الشعب، وتجاوبا واسعا ما بين المغاربة وما بين الملك الراحل الحسن الثاني، في زمن بصمته محاولتان اثنتان للانقلاب على الملك الراحل، وفي زمن كانت الملكيات غير مرغوب فيها عربيا، إلا أن الحدث كان لحاما جيدا، أعاد من جديد تقوية الارتباط الشعبي مع الملكية المغربية.
وبعيدا عن منطق "الاحتفالية الفارغة"، يعيش المغرب اليوم فصولا أخرى من "المسيرة الخضراء"، من خلال خطوات جريئة، وضد التيار العام في إفريقيا، يوقعها العاهل المغربي محمد السادس، باقتراح غير مسبوق، بمنطق رابح – رابح، لمشروع الحكم الذاتي الموسع لسكان الصحراء، كمخرج نهائي لأقدم نزاع في إفريقيا، فإقليم الصحراء الغربية المغربي تاريخيا، وبحكم من محكمة العدل الدولية في لاهاي، لا يزال في مفاوضات ماراطونية، بإشراف من الأمم المتحدة.
ففي تقديري، فإن الصحراء الغربية المغربية، كما الصحراء الشرقية المغربية، تحتاجان إلى جرعات زائدة، من التنمية البشرية، ومن البنيات التحتية، ومن المشاريع الكبرى، القادرة على جعل المواطن المغربي يشعر بحضور وازن للرباط، في مدينته الصغيرة أو في قريته المتوارية، ما سيجعل الوطن ممارسة يومية، وليست ذكرى تعود مرة في العام.
كما أن تطبيقا متقدما، عبر ديمقراطية تشاركية، للجهوية الموسعة، في كل جهات/ أقاليم المغرب، تحت مظلة أكثر دستور متقدم في تاريخ المغرب، ولد من رحم حراك سلمي مغربي، ستمثل قطيعة تطبيقية، مع الإدارة المركزية، وصفحة جديدة في الديمقراطية، التي تقترب أكثر كتمرين يومي، من المواطنين، وتلبي حاجياتهم في كل المستويات، لأن المواطن من الوطن، والديمقراطية خيار استراتيجي مغربي، يدافع عنه اليوم، بكل شجاعة، العاهل المغربي محمد السادس.
ويبقى لشهر نوفمبر المغربي، مذاق خاص، لأنه يتضمن في أسبوعه الأول، ذكرى "ملحمة مغربية" فريدة من نوعها، في تاريخ إفريقيا والعالم العربي ودول الجنوب، فللأسف لا يعلم العالم العربي عنها اليوم إلا القليل، في ظل غياب رؤية استراتيجية للترويج وللتسويق مصدرها المغرب، إلا أن المسيرة الخضراء، حدث استثنائي من المغاربة، قدموا خلاله "مشهدا جماعيا" في التضحية الجماعية من أجل رمال الوطن، مشهد لا يمكن تخيله، إلا بلغة هوليود السينمائية.