تحليل

ملتمس غير مناسب

كفى بريس

لا زال الملتمس  الذي دعا اليه القيادي الاستقلالي، عبد الحق التازي، و تفاعل معه الرئيس السابق لإتحاد كتاب المغرب، حسن نجمي. يثير الكثير من ردود فعل  الضحايا ودفاعهم، والرأي العام الذي عبر عن استغرابه لالتماس العفو عن توفيق بوعشرين.
مرد الاستغراب إلى كون الجرائم التي ادين بها بوعشرين، مست حرمة وكرامة أشخاص آخرين، والحكم جاء من أجل إنصاف ضحاياه من النساء اللواتي تعرضن لأبشع أنواع الاستغلال والاستعباد الجنسي.
الملتمس الخريفي الذي نطق به كاتب دولة  سابق، لم يراع حقوق النساء، فالعفو على من نكل بهن هو تنكيل جديد يطالهن. وإخراج المعتدي هو استفزاز للمعتدى عليهن.
هكذا يمكن فهم المسألة.
بالنسبة للتازي ونجمي، هي مجرد كلمات قيلت في لحظات ما، تحمل ما تحمله ولا نخوض في التأويل، لكننا نقول لهم ما قاله المحامي الحبيب حاجي في رده عليهما، "كيف تتدخلون في أمور تجهلونها تماما"، ونضيف ما أضافه  عضو هيئة دفاع الضحايا، "ألم تسمعوا بأن هناك ضحايا في هذا الملف؟ . بل وضحايا نسااااااااء ؟  لسن ضحايا النصب و الاحتيال او الحرمان من الإرث بل ضحايا جميع انواع العنف الجنسي المرضي والخبيث الممزوج بأفكار ومواقف العهود الفيودالية وأساليب المافيا و القطاطعية ."
وحدها مثل هذه الردود تسد بابا من المزايدة السياسوية المتأخرة، يريد البعض فتحه على مصراعيه، دون إذن القوانين والأخلاق الإنسانية التي يجب أن تراعي الضحية لا أن تراعي المعتدي.
إنه سوء تصريف للسلوك الذي قال عنه حاجي بإختصار "لا أفهم كيف مارستم حياتكم السياسية و الاجتماعية والثقافية وحتى الشخصية. لا أفهم كيف تصنعون مواقفكم. لا أفهم كيف تفكرون. لا أفهم كيف تتعاطفون. بل لا أفهم كيف كبرتم وترعرعتم بالمنطق الذي استعملتموه مع ضحايا بوعشرين."
وختم حاجي تدوينته النارية بالقول، إن "ما قرأته ينم عن جهل بموضوع القضية، فلا أنتم قرأتم المحاضر ولا حضرتم الجلسات رغم نداءاتنا المتكررة  ولا شاهدتم مشاهد التسجيلات السمعية البصرية الإجرامية ولا استمعتم للطرف الأخر.
إنكم تضطهدون تلك النسوة وتقهروهن وتعذبونهن وتدفعونهن للانتحار. إنكم تستغلون نفوذكَم المعنوي في قضية غير ملمين بها.
لا علاقة لموضوع الملف بمهنة المتهم ولا بكتاباته سوى انه كان يمارس جرائمه الجنسية المرضية الشاذة داخل مكتب عمله".
يبقى ملتمس كل من التازي ونجمي، معلق على حائط الإهانة الموجهة للضحايا، نساء كن لسنوات تحت رحمة الاستعباد والقهر والتعنيف النفسي والاستغلال الجنسي، وتفريغ مكبوتات المريض النفسي عليهن.
إحساس المرأة التي تعرضت لمثل هذه التجربة المريرة لا يمكن للتازي أو نجمي أو أي رجل أخر أن يشعر بفداحته، فقط النساء وحدهن من يشعرن ببعضهن، ولم يكن رد المحامية مريم جمال الإدريسي، إلا تعبيرا عن هذا الإحساس الفضيع بالقهر والمهانة، حين قالت في ردها، "أين كان قلب الاستقلالي عبد الحق التازي عندما كان فؤاد ضحايا توفيق بوعشرين ينفطر دما وحسرة وأسى؛ وأين كان ضميره عندما كانت النساء الثكلى تئن فوق أريكة العار، وترزح تحت أنين سياط التشهير من طرف المتهم توفيق بوعشرين وعائلته وهيئة دفاعه. ُ ولماذا اختار الوزير السابق الخروج اليوم من خلوته طويلة الأمد، ومبارحة محراب تقاعده المؤدى عنه، ليدافع عن متهم بالاغتصاب الممنهج، وتبييض صحيفة مدان من أجل الاتجار بالبشر، غير عابئ بضحاياه من النساء، ولا بأنين أبنائهن الرضع، ولا بأصولهن وفروعهن.."
تلك الجراح التي تركت ندوبا ستدوم ما تبقى من حياة الضحايا، ستخلد اللحظة وستترك بصمتها، مثلما فعل التازي ونجمي، حينما بصما على لحظة مخالفة لكل ما هو ضمير أخلاقي وإنساني، ويكفيهما ما قالته المحامية الإدريسي " ولعمري، إنه خروج غير بريء في أهدافه وخلفياته، إذ لا يمكن تبرئة متهم مدان بعدة أحكام قضائية بدعوى أنه  "ملتزم" ومنشوره الورقي "ملتزم"، كما لا يمكن إطلاقا تجاهل وإنكار حقوق النساء الضحايا، اللهم إلا إذا كان الوزير السابق يجهل وجود ضحايا كثر في هذا الملف، بحكم شروده الطويل عن الساحة الوطنية، أو ربما تكون شيخوخة العمر وأعراضها الجانبية والملازمة قد أنسياه أن ملف توفيق بوعشرين "الملتزم" حافل بالنساء الضحايا والمطالبات بالحق المدني."
وزادت المحامية مخاطبة الوزير السابق التازي، "إنها مناورة غير مقبولة من شخص في مثل سنك ورمزيتك، عندما ترفع سبابتك طالبا سؤالا في سياق عام مخصص للحديث عن واقع الصحافة والصحافيين، وأنت في قرارات نفسك لا ترغب مطلقا في السؤال والاستفسار، وإنما تضمر رغبة أخرى وهي أن تلوك بفمك الثوم نيابة عن الآخرين، وتصدح عاليا بما أوعزوا به إليك في السر والنجوى."