رأي

عزيز لعويسي: "شيوخ التعليم" بين "التأييد" و "التنديد"

"شيوخ التعليم" بين "التأييد" و "التنديد"

 

- بقلم : عزيز لعويسي

أجريت "مباراة الأساتذة أطر الأكاديميات" يوم السبت 16 نونبر الجاري في شقها الكتابي ، في انتظار باقي المحطات (الشفوي، التكوين التأهيلي)، وهي مباراة لاشك أنها ستحمل إلى قطاع التعليم، وافدين جدد حاملين لآمال وطموحات مختلفة، توحدها رغبة الارتماء في حضن وظيفة تعليمية، قد تقي البعض من حر بطالة طال أمدها بعد سنوات من اليأس والإحباط وفقدان الثقة، وقد تتيح الفرصة أمام البعض الآخر، لإدراك وظيفة - رغم جدلها -  تضمن مستوى معين من الاستقرار الوظيفي والمهني، مقارنة مع وضعيات مهنية أخرى تغيب عنها شروط التحفيز والاستقرار بدرجات ومستويات مختلفة، ولن نخوض في تفاصيل هذا النمط من التوظيف الجهوي وما أثاره منذ تبنيه سنة 2016 من جدل واحتقان، ولن ننبش في حفريات طبيعة الاختبارات الكتابية التي يخضع لها المترشحون الجدد،  ولا في مدى نجاعة التكوين التأهيلي ومدى قدرته على إعداد "المدرس المأمول"، في منظومة تعليمية تعيش على وقع الإصلاح، سنوجه البوصلة نحو "سن الترشيح"، بعد أن أصدرت رئاسة الحكومة في الأنفاس الأخيرة لفترة إيداع طلبات الترشيحات (مباراة دورة نونبر 2019) "ترخيصا استثنائيا" بتاريخ 12 من الشهر الجاري، يقضي برفع السن إلى "50" سنة (عوض 45 سنة كما ضمن بالشروط العامة للمباراة).

"ترخيص استثنائي" حرك آليات الجدل وأسال لعاب نقاشات متعددة المستويات، حول مدى نجاعة استقبال التعليم لشيوخ  أشرفوا على عتبة الخمسينات من العمر أو تجاوزوها بسنوات، كما حدث في مباراة السنة المنصرمة (55 سنة)، ومدى قدرة هؤلاء على الانسجام وخصوصيات مهنة، تقتضي شروط الحيوية والنشاط والدافعية والجاهزية و روح المبادرة والتجديد والابتكار، وحتى يتسنى الإحاطة بالموضوع، أمكن رصد رؤى ومواقف مختلفة صادرة عنباحثين وفاعلين تربويين وطلبة جامعيين، حاملة لمرجعيات فكرية مختلفة (قانونية، تربوية، بيداغوجية، نفسية ..)،كرست جميعها وجهتي نظر متباينتين، الأولى تؤيد فكرة رفع سن الولوج إلى مهنة التدريس بمبرر إتاحة الفرصة للجميع في إطار تكافؤ الفرص، وتمكين القطاع من مدرسين راكموا تجارب وخبرات مهنية وحياتية في مجالات أخرى، والثانية، تتبنى موقفا معارضا لفكرة رفع السن في قطاع حيوي كالتعليم، وتعتبره شكلا من أشكال العبث ومسا بجودة التعلمات، بمبرر أن القطاع يحتاج إلى طاقات شابة وحيوية قادرة على العطاء والخلق والتجديد، وليس إلى أساتذة "شيوخ" تفصلهم مسافة زمنية قصيرة عن التقاعد الكامل.

- وجهات نظر ومواقف مؤيـدة:

الأستاذة "رقية" (أستاذة إطار أكاديمية بالسلك الابتدائي ) أكدت أن "النجاج تتمكن منه الفئــة التي راكمت مجموعة من التجارب في المجال التعليمي، سواء بالقطاع الخاص أو ببرامج محو الأمية والتربية غير النظامية" موضحة أن رفع السن، من شأنه إتاحة الفرصة أمام هذه الفئة للحصول على وظيفة طالما حلمت بها، مسترسلة في القول أن هذه الفئة حصلت على شواهد عن جدارة واستحقاق، وهي فئة ناضجة وعندها "وليدات" و "حاسة" بالحرقة على حد قولها، وانسجاما مع نفس الرؤية، فقد أوضح الأستاذ "سعيد غازي" (أستاذ السلك التأهيلي وباحث في التدبير الإداري) أن "رفع السن إلى 50 سنة، يعد أمرا مفيدا لعينة وصلت سن اليأس،  وعانت كثيرا من ويلات البطالة ومنحهم هذا المتنفس، من شأنه أن يفتح لهم طريقا ولو قصيرا لإعادة الأمل والثقة في المستقبل ونسيان شبح البطالة".

أما الباحث "عبدالعزيز معناني" (باحث في قانون الأعمال والمقاولة)، أبدى من جهته، تأييده لفكرة رفع سن الترشيح في مباريات التعليم، وقد دعم موقفه برصد اعتبارين اثنين، أولهما : أن العبرة بالعقول ودرجة الوعي والنضج، وليس بالسن، ثانيهما: أن قرار رفع السن يتماشى مع نفس النهج الذي سلكته عدة قطاعات، من قبيل جهاز القضاء، الذي يعتمد على الحياد والموضوعية والأخلاق، باعتبارها أساس العدالة، مضيفا في ذات السياق، أن جهاز التعليم، هو الذي يساهم في بنــاء وبلورة شخصية رجل القضاء مستقبلا، مفيدا أنه من الضروري أن يتميز الأستاذ(ة) بالأخلاق والوعي والنضج، الذي يتأتى بالتربية والتجربة، لا بصغر السن، خاتما وجهة نظره، بالتأكيد أن سلطة المعلومة والخبرة  والتواصل هي الفيصل وليس "معيار السن".

الأستاذ "أحمد بلمعروف" (أستاذ السلك التأهيلي بالتعليم الخصوصي) أفاد أن رفع السن سيتيح للقطاع العام، الاستفادة ممن سيلتحق به من التعليم الخصوصي، الذين راكموا على حد قوله، تجارب سنوات، وهم أكثر جاهزية للعمل، مضيفا، أن التحاق الجدد بقطاع التعليم، وفي سن متأخرة، فلن يضيفوا حسب تصوره، شيئا جديدا، بل وسيضيع جيلا، موضحا في هذا الصدد، أن الأستاذ(ة) لا يصبح مؤهلا للقيام بعمله على أتم وجه، حسب اعتقاده، إلا بعد موسمه الرابع من الاشتغال، وبدوره فقد أيد الأستاذ "محمد عمرور" (أستاذ السلك التأهيلي بالتعليم الخصوصي)، أيد فكرة رفع سن المترشحين،  وربط ذلك بإنقاذ الكثير من المعطلين من كبار السن، مضيفا أن التعليم سيستفيد من خبرتهم، موضحا في ذات السياق، أن قضية جودة التعليم، حسب تصوره، لابد لها من عدة شروط، ولا يمكن أن تتحقق فقط بشرط تحديد سن المباريات.

من جهته، فقد وافق الأستاذ "عبدالعزيز محمدي" (أستاذ السلك التأهيلي) على قرار "رفع السن" إلى الخمسين، وذلك ضمانا حسب تصوره، لمبدأ تكافؤ الفرص بالنسبة لجميع الحاصلين على نفس المؤهلات العلمية والكفاءات الضرورية، التي يحتاجها ورش إصلاح التعليم، موضحا في هذا الصدد، أن  الكثير من الأطر التي اشتغلت في قطاعات بعيدة عن التعليم، لديها من الطاقات والخبرات التي راكمتها عن طريق التكوين الذاتي والمهني، ما يسمح لها بولوج مهن التربية والتكوين، وإعطاء قيمة مضافة لأطر التدريس، أكثر من الخريجين الجدد، المفتقرين إلى الخبرات النظرية والمهنية التي تحتاجها المدرسة المغربية.

 

- وجهات نظر ومواقف معارضة:

الأستاذ "عبدالله المجيد" (أستاذ السلك الإعدادي)  أكد أن رفع سن مباراة التعليم، وإن كان فيه إيجابيات بالنسبة للمتباري وللحكومة، من خلال خفض نسبة البطالة، فهو يؤثر على "جودة التعلمات" بسبب غياب الحيوية والنشاط والتكوين المتين، موضحا في هذا الصدد، أن صغير السن، يكتسب الخبرة مع الممارسة والاحتكاك، فيما أكدتالأستاذة "جميلة" (أستاذة السلك التأهيلي) أن مسألة رفع السن إلى 50 سنة، هو ضرب من الجنون وقمة في العبثية والعشوائية في تدبير قطاع التربية والتعليم بالمغرب، موضحة في هذا الصدد، أن مبرر إنقاذ حاملي الشهادات من البطالة، ليس بالمبرر المنطقي، من منطلق أن هناك سبلا أخرى لتوظيف حاملي الشهادات، وليس بإدراجهم في قطاع التدريس، الذي يحتاج لطاقات شابة مفعمة بالحركية والخبرة، ومسلحة برصيد معرفي ديدكتيكي وبيداغوجي، والقدرة على مجابهة صعوبات وإكراهات التعليم.

وبنفس الرؤية المعارضة، أفاد الأستاذ "سعيد الشفاج " (كاتب، مدير تربوي بالتعليم الخصوصي وفاعل جمعوي)، أن  رفع السن إلى الخمسين يعتبر خطأ، لأن التدريس حسب قوله، يحتـــاج لطاقات تتوفر مع الشباب، أكثر من عامل التجربة والخبرة، مؤكدا أن الخمسيني، ينضب جهده وتقل حماسته، ويمكن تكليفه بمهام أخرى أنسب كالإدارة والتفتيش والمراقبة والتكوين، وهو نفس التصور الذي تبنته "مؤطرة" ببرنامج محو الأمية، أفادت أن "50 سنة عاد غادي يبدا، وقتاش التقاعد .. ف 100 سنة"، مضيفة " تايضحكو على الشعب تايلعبو بنا وخلاص"، فيما لخصت الأستاذة "نادية"(أستاذة السلك الثانوي الإعدادي بالتعليم الخصوصي) أن رفع سن المترشحين هو ضرب لجودة التعليم، أما الطالبة الجامعية "سعيدة محبوبي" (طالبة بسلك الإجازة، تخصص علم النفس)، فقد أفادت أن الشخص في سن "50" سنة، لم تعد له حسب تصورها، القدرة على مواكبة مسيرته التعليمية بنفس النشاط الذي كان عليه من قبل، مؤكدة أن الإنسان في هذا السن، سيعاني ضغوطا تؤثر سلبا على حالته السيكولوجية وطريقة مواجهته لبعض التصرفات الصادرة عن التلاميذ، من قبيل مواجهة الشغب في القسم في ظل الانحلال الأخلاقي والقيمي الذي يميز سلوكات المراهقين.

- قراءة تحليلية للمواقف :

- من أيد فكرة رفع السن بدافع إتاحة الفرصة للجميع، خاصة أمام حاملي الشهادات الذين تقدم بهم السن، وفقدوا الأمل في إدراك الوظيفة، قد نشاطره جانبا من الرؤيـة، مادام الأمر يتعلق بفرص شغل، من شأنها التخفيف من حدة البطالة خاصة في صفوف من تجاوز عتبة "45" سنة، لكن في نفـــس الآن، نؤكد، إذا كان الأمر يتعلق بتكافؤ الفرص وفتح بوابة الأمل، أمام المتقدمين في السن، فيمكن التساؤل في هذا الصدد، لماذا ظلت لحدود الساعة عملية "رفع سن الترشيح" متاحة في قطاع حيوي كالتعليم، بينما كل الوظائف تتشدد في "شرط السن" (في حدود 45 سنة) وبعضها ينزل إلى ما دون 45 سنة في قطاعات كالمهن العسكرية وشبه العسكرية، بما فيها القضاء، في الوقت الذي تقتضي فيه "حساسية" المهن التعليمية و"جسامتها (بناء العقول ..)، أن يتم التشديد في شروط الولوج  بما فيها "شرط السن"، من أجل اختيار "الأجود" و"الأفضل" و"الأنضج" ...

-الاتجاه الذي ساند فكرة رفع السن، بمبرر فتح المجال أمام التجارب والخبرات لإغناء الفعل التعليمي التعلمي، نقول أن مباريات التوظيف بسلك التعليم، تستقطب في شموليتها ثلاث فئات : فئة أولى كانت تمارس في مهن التربية والتكوين واكتسبت خبرات في المجال (التعليم الخصوصي، برنامج محو الأمية، التعليم الأولي ...) وفئة قدمت من مجالات ومهن مختلفة تتقاطع فيها الهشاشة والإقصاء (شركات، حرف يدوية، بناء، سياقة، أمن خاص، بستنة ..) وفئة ثالثة تعيش على وقع البطالة واليأس وانسداد الأفــق، وباستثناء الفئة الأولى التي راكمت تجارب مختلفة في مهن التدريس، بشكل يجعلها قابلة للاستئناس والاندماج بعد التكوين التأهيلي، فكل من قدم للتعليم من مهن وحرف خارج نسق التربية والتكوين، أو قصد التعليم "فارا" من لهب البطالة "المقنعة"، فيمكن التساؤل في هذا الصدد، عن أية خبرة أو تجربة يمكن أن يضيفها إلى التعليم.

-إذا كان القصد من رفع السن بموجب ترخيص استثنائي، هو امتصاص البطالة واستقطاب الخبرات والتجارب التي من شأنها الارتقاء بجودة التعلمات، فقد كان من الأجدر الانفتاح على كفاءات وخبرات حقيقية، قادرة على تقديم الإضافة المأمولة والإسهام في دينامية الإصلاح بشكل فعال، باعتماد ما تتيحه القوانين ذات الصلة من فرص وإمكانيات، إما عبر استقطاب موظفين من قطاعات أخرى في إطار عملية "الإلحاق" أو "التوظيف المباشر" للكفاءات أو عبر الاستعانة بخدمات أطر من خارج سلك التعليم ( vacataire ) كما هو معمول به بقطاع التكوين المهني، وتوضيحا للرؤية، فيما يتعلق بشعبة الاقتصاد والتسيير مثلا، أو الباكالوريا المهنية، يمكن استقطاب موظفين  من قطاعات أخرى متخصصين في الاقتصاد وقانون الأعمال والمقاولة والمالية أو مهندسين متخصصين في الكهرباء والميكانيك والمعلوميات ...إلخ، وبهذا النهج يمكن الارتقاء الحقيقي بالتعليم، لكن واقع حال مهنة التدريس يبقى مثيرا للرحمة والشفقة إن لم نقل للبؤس، بشكل يجعلها مهنة غير جذابة وغير مغرية لا من حيث ظروف ووسائل العمل ولا من حيث شروط التحفيز والأجور، فعلى سبيل المثال لا الحصر، إطار في المالية أو الضرائب مرتب في السلم 11 أو خارج السلم، له أجر مغري وتعويضات دورية محفزة، ويشتغل في أجواء مهنية مريحة وجذابة، أو مهندس كهرباء أو معلوميات أو خبير في المحاسبة أو إطار متخصص في علم النفس والتنمية الذاتية، لا يمكن لعاقل منهم، أن يترك وظيفته ويلتحق بمهنة تعليمية، تفصلها مسافات زمنية عن "الجاذبية" (بنيات استقبال لائقة، مضامين عصرية، وسائل عصرية، أجور مغرية، تعويضات محفزة ..)، وبمثل هؤلاء الأطر والكفاءات، يمكن الارتقاء بجودة التعلمات، أما فتح الأبواب لكل من هب ودب، بمبرر إغناء التعليم بخبرات وتجارب جديدة، فنراه نهجا، يقتضي التصويب وتصحيح المسار.

-أما الاتجاه الثاني الرافض لمسألة "رفع سن الترشيح"، بمبرر أنه يشكل ضربة موجعة للجودة، وشكلا من أشكال العبث والاستخفاف بالمنظومة التعليمية، ففي هذا الصدد،نؤكد- بمفهوم المخالفة -أن "صغار السن" أو من انتسب للتعليم في سن مبكرة، يبقى قادرا على تحقيق "الجودة المأمولة" مقارنة مع "كبار السن" (شيوخ التعليم)، وهذا الطرح غير صائب في الجوهر، من منطلق أن "الجودة" لا يمكن أن تربط أو تقاس بمستوى "السن"، فقد تحضر "الجودة" مع "كبير السن" الذي راكم تجارب حياتية، وقد تغيب لدى "صغير السن" الذي يحتاج إلى المزيد من النضج والانضباط ، لكن وفي غياب أرقام أو معطيات رسمية حول "مردود" الشيوخ الذين انخرطوا في مهنة التدريس منذ سنة 2016، يصعب الميل إلى هذا الطرح أو ذاك، وأي رأي في الموضوع، لن يخرج عن نطـــاق التكهن والافتراض والاحتمال، بشكل تضيع معه الحقيقة المأمولة.

-بلغة الأرقام ، فمن انخرط في سلك التعليم عن عمر 50 سنة، ففي أقصى الحالات، سيحال على التقاعد الكامل بعد 13 سنة (عن سن 63 سنة) منها سنة للتكوين التأهيلي، وحوالي 5 سنوات على الأقل للتكوين والاستئناس بأجواء العمل وضبط أليات ووسائل الاشتغال، أي ببلوغ على الأقل سن 56 سنة، وهو سن نراه سنا للإحالة على التقاعد أو الاستعداد له، وليـــس بداية مشوار مهني جديد، في مهنة حبلى بالإكراهات والضغوطات والاستفزازات، التي قد لا يتقبلها "شيخ" في عقده السادس، يحتاج إلى الراحة والطمأنينة والابتعاد عن كل أشكال الضغط، في ظل تنامي مشاهد التهور والعبث والعنف والغش وانحطاط القيـــم، قد يقول قائل، أن الخبرة والتجربة تتحقق كلما، تقدم الإنســـان في السن، وبالتالي لا حرج في رفع سن الترشيح إلى ما فوق 45 سنة،  وهذا رأي سديد، إذا تعلق الأمر بمدرس امتهن التعليم في سن مبكرة، و نضج في سن الأربعين سنة، أو بإطار تم استقطابه من وظيفة أخرى مثقلا بالتجارب والخبرات، أما أن يكون سن 50 سنة أو 55 سنة كما حصل في السنة الماضية، "بداية مسار مهني جديد"، فهذا يكرس فكرة من يقول أن التعليم سار مهنة من لامهنة له، وحضنا آمنا ودافئا، لكل "فار" (هارب) من الهشاشة والبؤس والإقصــاء ..

بين "التأييد" و"التنديد"، هناك أمر واقع، تختزل تفاصيله في "الترخيص الاستثنائي" الذي أصدرته "رئاسة الحكومة" في آخر لحظة، ومكن استثناء، من رفع سن الترشيح إلى 50 سنة (عوض 45 سنة)بناء على العدد الكبير من طلبات الترخيص التي تم التوصل بها، كما ورد في المراسلة الموجهة من رئاسة الحكومة إلى الوزارة الوصية على القطاع، ومهما كانت حدة الجدل الذي حام حول هذا الترخيص الاستثنائي الذي نزل في آخر لحظة (أقل من يومين من نهاية الفترة المحددة لإيداع طلبات الترشيح)، ومهما اشتدت حرارة النقاش بين المؤيدين لمسألة رفع السن والرافضين لها بحج ومبررات مختلفة، يمكن التأكيد أن "مهنة التدريس"، هي مهنة ليست كمثيلاتها، لأنها ترتبط بصناعة العقول، وهي صناعة على قدر كبير من الحساسية والجسامة والخطورة، لايمكن إخضاعها للتجارب أو الارتجال أو الارتباك، أو إسنادها لكل من هب ودب، فكما أن الجراحة الطبية، تقتضي أطباء متخصصين ولا تقبل بالخطأ أو التجريب، فالتعليم بدوره، يجب أن يكون محصنا من كل ممارسات الارتباك، وأن يسند لمن تتوفر فيه شروط الكفاءة والخبرة والمسؤولية والانضباط والضمير المهني والقدرة على المبادرة والخلق والابتكار والتجديد، فلا يعقل أن يتم التشديد في صناعة القضاة والأطباء والمهندسين على سبيل المثال لا الحصر، بينما صناعة المدرس، أصبحت شوارع متاحة للجميع شبابا وشيوخا، علما أن "المدرس" هو من يشكل ويصنع قضاة وأطباء ومهندسي المستقبل.

ونختم بالقول، أن من تجاوز "عتبة 45 سنة"، هو ضحية واقع اقتصادي واجتماعي، ولايمكن في جميع الحالات إهماله أو التخلص منه، بمبرر تقدمه في السن، وبالقدر ما نثمن احتضان التعليم لهؤلاء وتمكينهم من فرص للاستقرار الوظيفي والمهني، بالقدر ما ندين عدم انخراط الإدارات الأخرى في فتح المجال لهؤلاء، والتي لازالت وفية لشرط "45" سنة أو أقل، وفي هذا المستوى نعيد بسط السؤال: لماذا قطاع التعليم –دون غيره- من يفتح الأحضان لمن تجاوز 45 سنة؟؟ وإلى أي مدى يمكن الرهان على كبار السن من أجل انخراط أمثل في "دينامية" الإصلاح؟؟

وفي جميع الحالات، فالتعليم، لايمكن أن يستوعب الجميع، مما يضع الدولة أمام مسؤولية إيجاد مخرج لشريحة واسعة من حاملي الشهادات الذين تجاوزهم قطار الوظيفة العمومية، ويعيشون حالات من البؤس والإقصاء، بتمكينهم من تكوينات تأهيلية، وتيسير عمليات إدماجهم في محيطهم الاقتصادي والاجتماعي، وإذا وجهنا البوصلة نحو "سن الترشيح" الذي اختلفت بشأنه الآراء ووجهات النظر، فنحن نؤكد في ذات الآن، أن التعليم ليس "مختبر تجارب"، ولايمكنه أن يكون "مهنة من لا مهنة له"، ولا مناص اليوم، من تحصين المهنة والارتقاء بها على مستوى طرائق التدريس وبنيات الاستقبال والمضامين والتأهيل والتكوين، مع الإشارة إلى أن رهانات الإصلاحات التي بشرت بها "الرؤية الاستراتيجية" و"قانونها الإطار"، لا يمكن كسبها، إلا بإعادة الاعتبار للمدرس، بأجور لائقة وتعويضات محفزة، لأنه يصنع ما لا يصنعه طبيب أو قاض أو مهندس .. صناعة العقول وبناء صرح المواطنة والقيم والأخلاق... وقبل الختم، لايسعنا إلا أن نتمنى حظا سعيدا لكل من اجتاز المباراة في شقها الكتابي ..

Laaouissiaziz1@gmail.com