تحليل

جرائم مغربية على مواقع التواصل الاجتماعي

عادل الزبيري

كيف يمكن تقبل جريمة عنصرية ضد رضيع أسمر البشرة في عيادة طبية خاصة، في مدينة الدار البيضاء، كبرى مدن المغرب، تقوم بها سيدة تنتمي إلى نادي نجمات مواقع التواصل الاجتماعي؟
كيف يمكن أن نصدق كل الوصفات والنصائح والإرشادات في كل مجالات الحياة، تقدمها نساء أو يقترحها رجال، ليسوا في مجال اختصاصهم فيما يقدمونه، ولكنهم أناس يمارسون تجارة الكذب، ويثرثون بدون توقف، لتجميع الإعجابات والمشاهدات.
وثالثا، كيف يمكن تتبع ساعات مباشر لأناس يثرثرون في كل المواضيع بأي شيء، ولا يتعبون لأنهم بدون أي شغل آخر فيه جلب للمنفعة لهم والبشرية.
أعترف أنني كافر بمواقع التواصل الاجتماعي، وبما تقدمه من محتوى سطحي وتافه جدا، عبر ما تسمى بالأكثر انتشارا وتداولا؛ وتقنيا يجري الحديث عن التراند والطوندونس.
ضربت مواقع التواصل الاجتماعي بقوة في شمال إفريقيا والشرق الأوسط، وطارد الإعلام في المنطقة مواقع التواصل الاجتماعي باعتبارها عاكسا مثل المرآة لقضايا الشارع في المنطقة.
هذا وساهم الصحافيون بشكل كبير، في الترويج لمواقع التواصل الاجتماعي، باعتبارها دينا تواصليا جديدا، فتحولت إلى آفة حقيقية، في العشرية الثانية من القرن العشرين، وفي تقديري يبقى القادم أسوأ بكثير.
فيما خسر الصحافيون التقليديون المهنيون، أكثر من ثلثي جمهورهم، باعتبارهم يشتغلون في وسائل إعلام تقليدية، أما معامل مواقع التواصل الاجتماعي، في وادي السيليكون في الولايات المتحدة الأمريكية، فاخترعت مصطلحات جديدة؛ أولها الإعلام الجديد، وصناع المحتوى، فضاع المحتوى نهائيا، وارتفعت أسهم الأخبار غير الصحيحة، وغير الدقيقة.
وفي محاولة لاسترجاع زمام الأمور من جديد، تشتغل غرف أخبار على مختبرات لمحاربة الأخبار الزائفة، والتي تنبت مثل الأعشاب الضارة في مواقع التواصل الاجتماعي.
فأمسى الصحافيون المهنيون يعيشون تحت رحمة رهط جديد من الدخلاء، يقدمون بكل وقاحة أنفسهم على أنهم مؤثرون اجتماعيا، وصانعوا محتوى، أو صحافيون عاملون في مواقع التواصل الاجتماعي، فيما يتناول بعضهم وليمة دجاج بالبطاطس والزيتون، برفقة رئيس الحكومة، في مقر حزبه، في حي الليمون في الرباط.
وما بين 2007 و2019، وقعت أكبر هجرة جماعية للبشرية من وسائل الإعلام الجماهيرية، بكل القوانين المهنية، صوب الموقع الأزرق فيسبوك، والعصفور المغرد تويتر، وأكبر موقع لتقاسم الفيديوهات يوتيوب، واللائحة طويلة.
ففي المغرب، سطع نجم التفاهة فهيمنت على كل شيء، يوميات فلاحة قروية ترطن بعامية من البادية، ونساء صالونات التجميل يصورن كل شيء، وشباب يحاولون تقديم أعمال شبه درامية تلفزيونية، وبدأ الجميع يبحث عن أي طريقة ليخلق أي شيء.
فتغيرت الثقافة الاجتماعية، وأصبح الهاتف المحمول يصور أي شيء، قبل التحميل السريع على مواقع التواصل الاجتماعي.
تنازل جزء من الصحافة في المغرب، وفي تجارب مهنية في جوارات المغرب، عن المهنية وقواعدها، وبدأت مطاردة جديدة مع الجمهور، بالنزول المهني إلى غاية الحضيض، بشعار مصري قديم: "الجمهور عاوز كده" أي أن المبرر هو الجمهور يريد هذه الاختيارات.
فعندما تنهزم الصحافة المغربية، أمام وافد جديد اسمه مواقع التواصل الاجتماعي، وعوض استخدام هذه المواقع لتكون حاملا لانتشار المواد الصحافية المهنية، تستسلم العائلة الصحافية المغربية، بشكل شبه كامل، لتركب الموجة الجديدة، وتضع القواعد المهنية في الثلاجة، وتشرع في الهرج والمرج.  
فكيف يعقل أن تستثمر قناة تلفزيونية مغربية، تمولها أموال دافعي الضرائب، في برامج سطحية تروج لكل العاهات الإجتماعية!
ففي التجارب الصحافية المهنية عبر العالم، لا تزال الصحافة تشتغل وفق قواعد كلاسيكية، تعود لزمن الكازيطات، يمكن للصحافي المهني أن يستخدم مواقع التواصل الاجتماعي أو الهاتف للمحمول الذكي أو اللوح الرقمي لضخ محتوى مهني، أما المادة الصحافية فهي نفسها منذ قرون.
فأمام تراجع مشاهدة قنوات التلفزيون المغربي، وانفجار المضمون السطحي والأجوف والفارغ، عبر مواقع التواصل الاجتماعي، يبدو المشاهد المغربي بدون بوصلة تائها.
قبل أن تغادر، اضغط على زر الإعجاب ليصلك كل جديد، وفعل الجرس، هذه جملة يسمعها اليوم الجميع على يوتيوب، هذا جرس إنذار ينبهنا إلى ضرورة محاصرة مواقع التواصل الاجتماعي لمحاربة المضامين غير الموثقة، والحاجة العاجلة إلى بناء سد عالي الارتفاع لإيقاف هذا الفيضان المدمر، لكل ما راكمته البشرية.