قضايا

"ضرب الطر" الرقمي

عبد العزيز المنيعي

اذكر مشهدا من إحدى مسرحيات الراحل الكبير الطيب الصديقي، وهو يسال الممثل عن إسمه، أجابه عبد الله، فعلق الطيب رحمه الله كلنا عبيد الله. والتفت إلى أخر وسأله عن إسمه أيضا، فأجابه حمزة، فقال الطيب كلنا "حماميز" الله. أظن المسرحية المعنية هي "الحراز". لكن الإسقاط جاء مع وجود الفارق طبعا، إسم حمزة وجمع الحماميز، وهو ما يحيلنا مباشرة على الحسابات الكارثية التي يتابع فيها عدد لا بأس به من "المغتنين" على ظهر "الشوهة" الفضيحة.
سلطة الرقمي في يومياتنا، ازاحت بكل التأكيد الواقع، فالكل يعيش الافتراض بما اوتي من قدرات خاصة وعامة في الكذب و"الفشر" والبهتان والإشاعة والقيل والقال، التي هي سبق مغربي حيث تم اكتشاف النميمة الرقمية.
جلنا إن لم نقل كلنا، عوضنا الواقع بالإفتراض. وهو الأمر الذي نلمسه جليا في المقاهي و المطاعم و المنازل و المكاتب. كما أن البعض وجد ضالته في أن يكون افتراضيا وأن يحقق ما لا يمكن تحقيقه في الواقع. ونخص بالذكر بعض "الفنانين" الذين صنعوا مجدهم و شهرتهم في الافتراض ونسوا أن الواقع له صدماته و كدماته التي تصعق بكهرباء الحقيقة.
 فنجد النجم الفنان الكبير الحبيب على قلوب كل الفيسبوكيين، كتب على حائط النجمة الفنانة الكبيرة المحبوبة من طرف كل التويتريين.
والنجم المطرب الكبير جدا راسل النجمة المطربة العظيمة جدا و أخبرها بشوقه و هيامه و محبته.
تلك هلوسات يومية تجدها في بعض مواقع التواصل الإجتماعي التي تترصد حركات و سكنات الفنانين من مرتادي مواقع التواصل الاجتماعية كالفيسبوك و تويتر و غيرهما من تواصل و انصهار.
هذا ما أرغمتنا عليه التكنولوجيا الحديثة، أن نعيش واقعنا في الغياب، و أن نبحث في تفاهات النجوم بذل البحث عن جديدهم و إبداعهم و لماذا هذا المقام دون ذلك و لماذا هذا المشهد دون الاخر.
 التكنولوجيا التي تؤدي وظيفتها هناك في موطنها الأصلي، أصبحت وسيلة للتواصل الحقيقي والتعبير عن الأفكار و العواطف... لكن بالنسبة إلينا فالحديث عن فضيحة نجم ، إما أن تكون مفبركة و مزيفة من أجل حفنة من التعليقات و قليل من بريق الشهرة الإضافية. أو للانتقام منه خاصة إذا كانت الرسالة قد وصلت رأسا إلى أهله و معارفه.
السؤال الحقيقي هو هل تحول البراح الرقمي إلى "طر" حقيقي يضرب لكل من هب و دب؟
لأن اهتمامات الناس تحولت من الرأس إلى الأرجل، و النظر إلى القفة أفضل و أجمل بكثير من النظر إلى حاملها، بل حتى إلى ما بداخلها.
طبعا الحديث هنا عن الذين اكتووا بنار التواصل الإجتماعي و لدغهم بليته في مقتل فما عادوا قادرين على فراقه حتى ولو لبضع ساعات. اما الفئة الناجية من الرقمي و الغارقة في وحل اليومي، فلها تواصلها الخاص بها و هو عبارة عن لغو الصباح و نقاش الظهر و هلوسات الليل. وبينهما يقف "النجم" فخورا بنجوميته لكنه يصطدم بأول شخص يمارس اليومي بحرفية و مهنية فيقول له "شكون نتا". و في بعض الحالات يتعرف عليه شخص ما فيطلب منه أن يغير الصورة لأنها أجمل من الحقيقة بكثير..