تحليل

العدالة والتنمية ضغط بكل قواه لشرعنة المادة التاسعة

عزيز خمريش*

انصبت تعاليق الصحافة ووسائط التواصل الاجتماعي على تركيبة لجنة إعداد مشروع النموذج التنموي، ولعل السياقات العامة التي تتار بخصوص هذا التشكيل تماسس على كون بعض أعضائه لهم موقف ملتبس من الدين، بالإضافة إلى أنه مفرغ من الكفاءات السياسية المتمرسة في تدبير الشأن العام، هذا طبعا ما يستشف من خطاب بنكيران رئيس الحكومة السابق. لكن في هذا الصدد لابد من طرح العديد من الأسئلة المركزية: ما علاقة الدين بالتنمية؟ ألا يمكن لعاقل أن يدرك بأن توظيف الدين لخدمة السياسة هو العامل الذي أفسد العمل السياسي النبيل برمته؟ لماذا إحداث لجنة في هذه الظرفية بالذات يعهد إليها بالتخطيط التنموي للمغاربة؟
إن التحليل الرصين للوقائع يحيل بشكل ملموس إلى أن الحزب الحاكم يملك مشروعا روحيا دينيا لا علاقة له بالتنمية، وهذا ما تجسد عمليا خلال الولايتين السابقة والحالية، كما أن حزب العدالة والتنمية هو الذي ضغط بكل قواه لشرعنة المادة التاسعة من قانون المالية لسنة 2020 لخدمة أجندته الانتخابية، خاصة وأن معظم الجماعات الترابية التي يدبرها هذا الحزب صدرت ضدها أحكام قضائية نهائية واجبة النفاذ، فأضحت مهددة بالحجز على أموالها كنتيجة حتمية للتجاوز والشطط في استعمال السلطة. ومن شأن هذا العوار القانوني المرتكب أن يفرغ الأحكام القضائية الصادرة ضد الإدارة من محتواها، كما أنه مساس خطير بحجية الأمر المقضي مادام أن الحكم القضائي هو عنوان الحقيقة،  يقاس به مدى تحضر الأمم ورقييها، وبمفهوم القانون الجنائي يعتبر تحقيرا للمقررات القضائية. وهذا سيؤدي بالمواطن إلى التفكير في شيء آخر؛ ألا وهو انحلال الدولة، كما أكد على ذلك الراحل الحسن الثاني في إحدى خطبه..
ترتيبا على ذلك أصبح الأمن القانوني والقضائي في خطر. إذ لا يعقل في دولة المؤسسات أن نأمر باعتقال المواطنين ومصادرة ممتلكاتهم في حالة صدور أحكام ضدهم. وإذا كانت هذه الأحكام صادرة ضد الإدارة نمكنها من الآليات القانونية للإفلات من التنفيذ، ومن جهة أخرى إذا كانت الأحكام تصدر وتنفذ باسم الملك والقانون، ألا يعتبر إذن عدم التنفيذ واستحالة الحجز على أموال الإدارة عصيان لأمر ملكي؟ تعددت الأسباب والموت واحد.
وعودة الى السياق، فتعيين لجنة إعداد مشروع النموذج التنموي يعتبر إعلانا صريحا لفشل الحكومة الحالية في الاستجابة لانتظارات المواطنين، ليبقى السؤال مطروحا بقوة: هل اللجنة المنصبة بإمكانها إعداد وصفة علاجية متكاملة لكل الملفات الحارقة التي تعاطت معها الحكومة بنوع من الجهل والغباء؟ نسوق على سبيل المتال لا الحصر: ملف التقاعد الذي يعتبر سرقة موصوفة لجيوب موظفي القطاع العام: فرض الضريبة على البحت العلمي التي تتير السخرية، إصلاح التعليم، رد الاعتبار للمدرسة والجامعة العمومية، العدالة المجالية، العدالة الضريبية، توزيع الثروة الوطنية بشكل عادل، إصلاح منظومة الأجور، الولوج العادل والمنصف للخدمة العمومية.
هي قضايا وملفات ثقيلة إذا لم يتم التعامل معها بالجدية والحزم المطلوب في إطار حوار وطني جاد ومسؤول.. وفي غياب ذلك سيبقى الأمر مجرد إجراء واهم موهوم يؤجل ولا يحسم...
* أستاذ جامعي، رئيس  فرع القانون العام بكلية الحقوق سطات