رأي

ادريس الروخ: المسرح اليتيم

كون المسرح ابو الفنون الشامل الجامع لإبداعات الذات الإنسانية، والقادر على لفت الانتباه وتحريك احاسيس الجماهير والتأثير فيها ... وتطهيرها سواء عن طريق الألم والمعاناة او الضحك والترفيه... وخلق جسر تواصل مباشر بلغات متعددة جسديًا ... لغويًا وتقنيًا... وتقليص الفوارق اجتماعيًا ..الغ وتقريب المفاهيم والدلالات... وتجسيدها مسرحيًا تبعًا لشكل ما او مدرسة ما او منهجًا ما .. وتفعيل ذلك عن طريق خبراء ومحترفين ومبدعين قادرين على تلوين حياة الناس باحاسيس مختلفة تخلق السعادة واللذة من جهة وتفتح أفق التغيير في الزمان والمكان من جهة اخرى ..كون المسرح بهذا التميز عن باقي الفنون كما ذكرنا سالفا لم تعطه القيمة والمكانة والإشعاع والاهتمام الذي يستحقه ..ان المسرح منذ الأزل كان يعاني الكثير من الصعاب لإثبات تواجده وابراز قوته في فك العزلة عن محيط الفرد اجتماعيًا ونفسيًا وثقافيًا ..
لم يعرف المسرح في اَي مرحلة من مراحله التي أعطتنا اسماء قوية في عالم الابداع ..إخراجًا وتشخيصًا وسينوغرافيا... ومدارس كبيرة جماليًا وتقنيًا .. ومناهج متعددة في التكوين والتعبير..
قلت لم يعرف المسرح ان وجد نفسه ينشر احاسيس الجمال ويساهم في بعث رسائل الحب والاحاسيس الدافئة او طرح أسئلة فلسفية عميقة ..او الثورة على ايديولوجية معينة ... دون ان يشگك في قيمته المعرفية والتواصلية والإبداعية ..والضغط عليه بشتى الوسائل ( ماديا وإداريا ..نفسيا.. وتعبيريا ...)
لعل المسرح كافح ورجاله على مر العصور من اجل التغيير والتعبير بحرية وجعل العالم اكثر تفاؤلا وأكثر انسجاما مع محيطه ..والتاريخ المسرحي مليء بنماذج وأمثلة كثيرة كافحت من اجل زرع بذور الأمل مرة اخرى في حياة الانسان والعمل على تعبيد الطريق الى المستقبل ..
في المغرب ومنذ بداية المسرح المغربي كل رجالات المسرح ونساءه ساهموا وبشكل كبير في تأسيس ثقافة فرجوية أعطتنا أشكالًا مختلفة ومهمة مسرحيًا وأرست بوادر التغيير في قلب مجتمعنا ..من منا لا يذكر عبد الصمد الكنفاوي والطيب العلج والصديقي وعبد الرزاق حكم والعربي الدغمي وحسن الجندي ومحمد حسن البصري وأمينة رشيد وحبيبة المذكوري والحوري حسين وثريا جبران ومحمد مفتاح وعبابو وتيمود وعبد الصمد دينيًا وعبد الكريم برشيد وحسن المنيعي وعبد الرحمان بن زيدان وحسن الصقلي ومحمد سعيد عفيفي وعبد الله العمراني وخديجة جمال... من منا لا يعرف عبد الحق الزروالي وعباس إبراهيم ومحمد البصطاوي ومحمد خيي ومحمد الشوبي ورشيد الوالي والبدوي وعبد الرؤوف ومليكة العمري ونزهة الركراكي والشعبية العدراوي... وجمال الدين الدخيسي .. من منا لم يستمتع مع خديجة اسد وعزيز سعد الله ..وعاجل وفولان ونورالدين بكر وفهيد والخياري ونجوم الزوهرة..ويوسرحان الزيتوني وعبد المجيد شكير وعبد المجيد سعد الله من منا لا يعرفه جيل الشباب المبدع الحامل لمشعل المسرح من أمثال اسماء الهوري وأمين ناسور ومحمد الحر وياسين احجام ولطيفة احرار وبوسلهام الضعيف و حسن هموش وعبد الله ديدان وعبد الجبار خمران وسامية اقريو ونعيمة زيطان ويوسف العرقوبي وعبد الحق بلمجاهد واللائحة طويلة جدا ( اعتذر عن عدم ادراج كل الاسماء )
ان المسرح في حياتنا يعتبر الأساس في رحلة بناء الفرد والمجتمع... به تتأسس مفاهيم جديدة فلسفيًا وجماليًا به نعيش أحلامنا كاملة .. نستمتع بها لفترات محددة .. نسافر بعيدا مع جمهور المتفرجين .. نفرح ، نمرح ، ننتشي، نتطهر، نتذكر.. وننطلق في الأفق لننشر رسائل الحب والسلام ..
المسرح هو قلب العالم وهو محرك الحياة .. بدونه نعيش زمنا بائسًا .. زمنا يتيما .. يقودنا لفقر الاحاسيس وهبوط في الذوق وجلطة في الفهم .. وسرطان في التعبير .. بدونه نصاب بشلل التفكير .. وداء التخلف الخبيث .. وعوض ان يعم نور على عقولنا وقلوبنا ومستقبل أطفالنا .. يسيطر الظلام على عصرنا ونغرق في وجع الاستمرار .. نتوقف وتنحبس انفاسنا ونقضي.
ان المسرح يا سادة لا يستطيع الاستمرار إلا بجسر العقول القادرة على الخلق والابتكار والتغيير..
انه يناشدنا على ركوب صهوة الشجاعة في التحدي والاستمرار.. هكذا كان وهكذا لا يزال وهكذا يجب ان يستمر..