قضايا

الشطط في استعمال سلطة الحق في التعبير للإساءة للآخرين

عبد الله عارف

ما يقع اليوم هو أننا نعاني من شطط في استعمال سلطة الحق في التعبير، وهناك من لا يحسن قراءة الحقوق، وأصبحنا نعيش تعطشا لنشر الفضائح أمام الملء.
إن الحق في التعبير ليس حقا مطلقا، بل هو نسبي وكل القوانين والمواثيق الوطنية والدولية تعتبره حقا مقيدا، والحال أن البعض يعتبر أن الحقوق بما فيها الحق في التعبير هي مطلقة، وإلا كيف نتصور أن الشرع الإسلامي أمر بقطع يد السارق ولو كان المبلغ أو الشيء المسروق زهيدا، حتى أصبح الدرهم أشرف من يد إنسان، وذلك في سبيل الحفاظ على النظام المجتمعي.
إن الفوضى هي التي لا حدود لها وهي مطلقة، أما الحقوق فهي مقيدة بنصوص وتشريعات لا ينبغي التعدي عليها، وللأسف نحن أمام أشخاص وجهات تتناول الحقوق بشكل خاطئ وتفسرها بشكل خاطئ، وهي بذلك تنشر الجهل الحقوقي عوض التوعية الحقوقية مما يجعلنا أمام أمية حقوقية وهذا خطير جدا على المجتمع. فمن يدعو اليوم للحرية في التعبير ينبغي أن يتمتع بثقافة حقوقية وهذه الثقافة لن تتأتى إلا بحسن قراءة الحقوق من خلال الاطلاع على كل النصوص والمواثيق المنظمة لها، ثم نحسن فهمها بعد ذلك نأتي لحسن تطبيقها. فالمادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية واضحة في الإقرار بالحق في التعبير واقترانها بالواجبات والمسؤوليات وخضوعها لبعض القيود من خلال احترام حقوق الآخرين أو سمعتهم وحماية الأمن القومي والنظام العام والصحة والآداب العامة، بعد هذا هل نحن بالنظر لهذه المادة أمام حق مطلق أم مقيد؟ الأمر واضح لا التباس فيه، ومن يحاول تلبيسه فهو متعدي على حقوق الآخرين، فالحقوق مطلقة في تمتع جميع الناس بها، ولكنها مقيدة في ممارستها، أي أننا أمام ضرورة التمييز بين شكلية الحقوق وبين مضمونها.
القصد من التمييز بين شكلية الحقوق وبين مضمونها هو أننا اليوم أمام استغلال مقيت ومتعسف لبعض الحقوق ومنها الحق في التعبير للإساءة للآخرين والمس بسمعتهم بل ومحاولة لتمرير بعض الأفعال المجرمة بغطاء الحق في التعبير، ألا يدرك هؤلاء أن حريتهم تنتهي عند المساس بحرية الآخرين؟ هذا ما ينبغي اليوم أن يؤطر ممارسة الحقوق بغض النظر عن القوانين، وبالتالي هذا ما نجده في دستور المملكة في المادة 28، عندما تقول بأن حرية الصحافة مضمونة ولا يمكن تقييدها بأي شكل من أشكال الرقابة القبلية، وهنا نحن أمام فئة معينة بحرية الصحافة وهم الصحافيون، ثم أتت نفس المادة لتتحدث في درجة ثانية عن الحق في التعبير وهو مكفول للجميع، ووضعت المادة استثناء بقولها "ما عدا ماينص عليه القانون صراحة"، وهذا ما يفسر المتابعات الزجرية لبعض المتعسفين على الحقوق في مساسهم بسمعة الناس والإضرار بحقوق الأفراد والجماعات والمؤسسات، اليوم نعيش تجاوزا لممارسة الحق في التعبير. وبالتالي نعيش شططا في استعمال هذا الحق، واصبح البعض حاملا للواء الحق في السب والحق في القذف والحق في التشهير..
السؤال الذي يطرح هو هل مجتمعنا بأفراده له من المناعة للتعامل الإيجابي مع هذه الحقوق، هل المتلقي له مناعة فكرية قادرة على إيقاف هذا الاجتياح من الممارسات غير الصحية؟ أم أنه متعطش ويساهم بشكل أو بآخر في انتشارها سواء عن وعي أو بدون وعي؟ للأسف أصبحنا أمام تعطش لنشر الفضائح المجتمعية والمساس بسمعة الآخرين.
ما ينبغي أن يعرفه الناس هو أن أفعالهم بهذا الشكل هي أفعال إجرامية متى مست بحرية وحقوق الآخرين بدون تمييز من الوزير إلى الغفير، إذ لا يمكن تصور الحق دون الواجب، ولهما ولادة واحدة، أي ضمان الحق في التعبير شرط عدم المساس بحرية الآخرين. وهنا أستحضر ما جاء في الأثر النبوي عندما جاء بعض الصحابة إلى رسول لله صلى لله عليه وسلم، وقالوا له إن فلانا قد كتب فيك كتابا، سبك وسب أهلك وطعن فيك وفي رسالتك.. فما كان من رسول لله صلى لله عليه وسلم إلا أن قال لهم: “لا تحدثوني عنه ولا تتحدثوا عنه ولا تتحدثوا به ». للأسف اليوم نحن نتحدث عن التفاهات ونتقاسمها ونتحدث بها مع الناس، تفاهات تمس أعراض الناس وسمعتهم، وهذا نوع من الارتداد الحقوقي الذي لايؤدي لممارسة الحقوق في اتجاهها الصحيح.
لكن الخطير والجرأة أنه عندما يتم التصدي لسلوكات التعسف في ممارسة الحقوق، وعندما تأخذ بعض التعبيرات أشكالا إجرامية واضحة، ينتفض البعض ويعتبرها مساسا بالحقوق، وهذه جرأة زائدة. وهنا أحمل المسؤولية للقيمين على تدبير مجال الصحافة في تطهير مهنتهم من كل الشوائب، إذ أصبحنا أمام ظواهر تتمسح بحرية الصحافة وهي منها براء.