رأي

ادريس الروخ: العبث في مسرحنا.. العبث في مسرحهم

العبث في تعريفه اللغوي حسب قاموس العربي او القاموس  المحيط او لسان العرب (...)يشمل عامة مرادفًا  للعب او الخلط وإضاعة الوقت ..وقد يشمل أيضا معاني الاستخفاف و التصرف بالطيش... و التشويش
وهنا نعي جيدًا ان هذا المصطلح يحيلنا الى مأساة حقيقية عندما نعيش مع أشخاص عبثيين لا يحملون في قلوبهم وعقولهم مفهوما واضحا عن الحياة الجادة والآمنة  والعفيفة .. الحياة الرصينة التي تجعلك شامخًا .. مؤمنًا بقوة الجاذبية .. تركب العلا وتصنع المجد ..
العبث في مفاهيمه اليومية يفترش الأرض العاقر .. ينتمي الى اللاشيء ..مجرد مصطلح فوضوي قائم على خلط الواقع بالحلم بالخيية بالجهل بالضعف بالتصنع ..يربك سيرورة الأحداث ..يفسد محتواها العميق ..يسخرها لمجون فكاهة وهزل بائس ..يبطل مفعول الرقي في المجتمع ..
عامة العبث يقلق ويقضي على البعد المنطقي للحياة ..ويسخر منها وربما هذا هو الأهم في ما سنتحدث عنه ..خلافًا لما سبق ..وخلافا للمصطلح ولما هو معترف به ..فالبعد الفلسفي للعبث يحيلنا على اهم مدارس المسرح
منذ ان تبناها ( ألبير كامو )  الذي انسلخ عن الوجودية وكتب ( أسطورة سيزيف) هنا ظهر بعد اخر للمصطلح وأصبح مفهومه مفارقة فلسفية ..أعطى شحنة من الصراع بين أضداد الحياة في تقابلات اجتماعية وفكرية واقتصادية ..وخلقت حركة احتجاجية خصوصا في فرنسا وبعدها انتشرت في بقاع العالم بشكل ابعدها عما هو سلبي في تعريفات مصطلح العبث بحسب قواميس اللغة ..
ولعل رواد التيار العبثي خصوصا بعد الحرب العالمية الثانية وفقدان الأمل في الانسان وفي الخروج من أزمات الوضع الراهن آنذاك ..جعلهم يدركون جيدًا ان العبث هو طريق اخر لطرح السؤال بشكل مختلف ..وان الحياة قد تكون بلا معنى او لا معنى في حياة بهذه الشاكلة ..ولكن في كل الأحوال هناك هدف ما ..يجب الوصول اليه عبر البحث وطرح المزيد من الاسئلة ..والإصرار على الفعل والتحدي والتمرد ..لكون الحياة هي رغبة ملحة في فهمك لذاتك اولا والتصدي لغرائبية مايحدث حولك ..وعدم قبول الظلم من جهتين ..الظلم الذي يلحقك ..والظلم الذي يلحق غيرك ..فالإنسان حتى لو ارتقى فهو ضعيف جدا ويجب ان يحمي نفسه من قوته وان يغديها بالمعرفة ..وان يحول قوته الى رغبة في البحث عن حريته من عبثية الحياة ..وعوض ان يبحث عن اجوبة لأسئلة بليدة تصدر من رؤوس بلا عقل يجب البحث عن أسئلة دالة ..نافعة..قادرة على تركيب الحياة بشكل مختلف ..وتغيير الأوضاع ..وتطويرها .
ألبير كامو يقول انه :
 بالعبث، توصَّلتُ لنتائجَ ثلاث ؛ تمرُّدي و حريتي و رغبتي ــ وعن طريق لعبة المعرفة استطعتُ أن أُغيِّرَ كل ما يدعو للموت في قواعدِ الحياة.. التي أرفضها على أنها الانتحار ذاته)..
هكذا العبث يكون مفيدًا ..مستقبليًا ..وثائرًا ..هكذا كتب بيكيت رائعته في انتظار كودو ..واستهلها بجملة أزلية دات بعد فلسفي وجودي يخترق كل الازمنة ( لا شيء يمكن فعله ) جملة بقوة درامية تعيدك الى معادلة الحياة في ذاتك اولا وفي الذات الاخرى المقابلة لك ثانيا ..لاشئ ..معناه الا فعل ..الضجر الملل ..الفراغ ..يتوقف كل شيء في لاشيء ..كأنها النهاية ..
ولعل هذه المسرحية كتب عنها اكثر مما كتب عن مسرحيات شكسبير ..وطرحت العديد من الاسئلة واشتغل عليها الطلاب والنقاد وكل العاملين بالمسرح لما لها من قوة في جعل العبث مفهوما قويا مزعجا مضجرًا ..لكنه موصلا لإدراك ما في لحظة ما ..وعي بحقيقة غير معلن عنها ..