تحليل

الهاتف المحمول.. مصدر التوتر وعدم الاحترام

جواد مبروكي*

نهارًا وليلًا نسمع رنين الهواتف المحمولة وإجابات غير ضرورية وملائمة، في أي مكان ومع أي شخص وفي أي موقف (اجتماعات، مساجد، إدارة، جنازة، زيارة الطبية.....). ومن الواضح أن هذا النوع من السلوك يزعج ويقلق صاحب الهاتف وكذلك الأشخاص من حوله.
كيف يمكننا إذن تحليل هذه الظاهرة؟
1 - بالنسبة للمغاربة، الرد على الهاتف واجب وإلزامي
في أغلب الأحيان في اجتماع عمل أو في الإدارات أثناء معالجة عملية إدارية، يجيب المواطن على هاتفه أثناء قيام الموظف بمعالجة طلبه. ويحدث الشيء نفسه في مكتب المحامي أو الطبيب أو حتى في السينما أو المسرح. وجميع الإجابات متشابهة وبهمس "أنا عْنْدْ الفْرْماسْيانْ أو أنا في البلدية، هِي قْطْعْ دَبا نْعْيّْطْ عْليكْ مْلّي نْخْرْجْ ". وللعلم، يُعد الإجبار على الإجابة مصدرًا للتوتر والقلق، كما يشدد أيضًا على من يجبرون على الانتظار والاستماع حتى ينهي الشخص المكالمة!
يستجيب المغربي للمكالمة بالإلزام ليس احتراماً للمتصل ولكن خوفًا من الحكم عليه أنه لا يحترمه. ولكن هل الإجابة أمام مواطن أو موظف أو في اجتماع لا يعبر أيضاً عن عدم احترام الحاضرين؟
2 - "اتصلت بك وْ مَجَوْبْتِنيشْ"
عندما يتصل المغربي شخصًا عبر الهاتف مع غياب الرد في الحين، لا يفترض أنه ربما لم يرد هذا الشخص لأنه لم يكن من الممكن بالنسبة له لعدة أسباب. على العكس من ذلك سوف يخبره لاحقا وبغضب "اتصلت بك وْ مَجَوْبْتِنيشْ" رغم أن هناك مثلا مغربيا يقول "الغايب حْجّْتو مْعاهْ".
يعد عدم الاستجابة مصدرًا للتوتر والقلق لأن المتصل يتخيل سيناريوهات كارثية ويشعر بالاضطهاد.
3 - المغربي يتجاهل مفهوم الاحترام
يعد إيقاف تشغيل الهاتف أو وضعه صامتًا عندما نكون مع أشخاص آخرين أو أثناء تناول وجبة أو في إدارة أو أثناء القيادة أو في اجتماع، علامة على احترام الآخرين. إن ترك نغمة الرنين نشطة والرد على كل مكالمة يمثل إهانة حقيقية للآخرين. ومن الواضح أن الإجابة أمام الآخرين أو حتى بالابتعاد عنهم هي مصدر توتر للآخرين لأنهم قلقين في انتظار عودة الشخص لكي يخبرهم عن مضمون المكالمة وفي غالب الأحيان يخبرهم بِ "لاباسْ هِي واحْدْ الصديق". فلماذا نجبر إذن على الآخرين رنين الهاتف والاستماع أو الانتظار أثناء الإجابة؟ هل هذا دليل على احترام الآخرين؟
4 - حالة طارئة!
يعتبر المغربي أي مكالمة واردة عاجلة إلى حد ما. ولكن ما هي هذه الحالات العاجلة خارج بعض المهن مثل الشرطة أو الطب أو موظف في المناصب الإدارية العليا؟ هل المكالمة سوف تعلن عن وفاة أحد الأقرباء، أو تعرضه لحادث، أو في غيبوبة، أو في المستشفى بقسم المستعجلات، أو هناك حريق في المنزل؟ سواء اكتشفنا هذا فورًا أو بعد ساعة، فما الذي يمكننا فعله حيال هذه الأخبار السيئة؟ إعادة الحياة إلى الموتى، أو إخماد الحريق؟ لا شيء، لن نكون قادرين على فعل أي شيء باستثناء الجري للوصول إلى عين المكان والجلوس والانتظار!
لنفكر إذن في الأمر، كم من مرة نتلقى مكالمات عاجلة في السنة أو في عشر سنوات؟ ربما مرة أو مرتين أو ثلاث مرات؟ 90% من المكالمات تبقى بدون أهمية. فلماذا إذن نعتبر كل مكالمة ملحة ونزيد في قلقنا اليومي؟
5 - الهاتف المحمول مصدر خطير للقلق المزمن
القلق المزمن هو ظاهرة خطيرة تؤثر على صحتنا الجسدية والنفسية لأنه يعرقل نظام أجهزة كل الغدد والجنس والنوم والمزاج (الغضب والاكتئاب وما إلى ذلك). وأعتبر الهاتف المحمول أحد العوامل الرئيسية للقلق المزمن. وفي علاج بعض المرضى يُعد إيقاف تشغيل الهاتف المحمول لمدة أسبوعين جزءًا من الوصفة الطبية.
والحفاظ على نشاط الهاتف نهارًا وليلًا يخلق ضغوطًا وقلقاً مزمنة، لأننا على أهبة الاستعداد لتلقي الأخبار السيئة في أي وقت. وتشكل كل رنة هاتف في حد ذاتها منبعا للقلق بعنف ولكن أيضا دافعا للتحريض على الإجابة في أقرب وقت ممكن.
يجب أن نتعلم أن نضع هواتفنا في صمت طوال الوقت وبدون "فيبْرورْ" حتى لا نُقلق ونضغط على الآخرين حولنا ولا على أنفسنا. لا يوجد شيء عاجل وحتى لو كان الأمر كذلك فلا يوجد شيء يمكننا فعله إلا الإجهاد والقلق. وبإمكاننا أن نؤجل الرد على المكالمات الفائتة إلى وقت آخر عندما نكون متاحين. بل أفضل من هذا واحترامًا لمن نود الاتصال به، نرسل له مسبقا رسالة هاتفية "هل أنت متاح للاتصال بك أم تفضل وقتاً آخر؟". إنه احترام حياة الآخر!
أدعوكم بالقيام بهذه التجربة لمدة شهر فقط وأضمن أنكم سوف تشعرون بالراحة والهدوء.
دعونا نتحرر من عبادة الهواتف!
*طبيب نفساني وخبير في التحليل النفسي للمجتمع المغربي والعربي