قضايا

نحو تجريم الاغتصاب عن بعد!

فؤاد بنصغير

مقدمة:

انتشرت في السنوات الأخيرة على شبكة الإنترنت، وخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، العديد من الجرائم الجنسية التي تستهدف القاصرين على وجه الخصوص، لعل أغربها جريمة الاغتصاب عن بعد.

ماهي جريمة الاغتصاب عن بعد؟ وهل يمكن تصور ارتكاب جريمة الاغتصاب عن بعد عبر الإنترنت؟ وهل يمكن قضائيا تطبيق النص الذي يجرم الاغتصاب التقليدي على هذا النوع من الاغتصاب؟

من أجل الإجابة على هذه الأسئلة، لا بد من الوقوف على الشروط التشريعية التي يتعين توافرها في جريمة الاغتصاب التقليدية من جهة، والنظر في محاولة تطبيقها قضائيا على جريمة الاغتصاب التي تتم عن بعد من جهة أخرى.

أولا: ماهية جريمة الاغتصاب عن بعد؟

سنتحدث عن جريمة الاغتصاب التقليدية وأركانها، تم عن جريمة الاغتصاب عن بعد بصفتها جريمة إلكترونية لها خصوصياتها.

أ- جريمة الاغتصاب التقليدية

تنص الفقرة الأولى من الفصل 486 من مجموعة القانون الجنائي المغربي على أن: “الاغتصاب هو مواقعة رجل لامرأة بدون رضاها (… )”.

ويعني ذلك أن الاغتصاب هو اتصال رجل بامرأة اتصالا جنسيا عن طريق إيلاج عضوه الذكري في محل الوطأ الشرعي.

يشترط القانون المغربي إذن لقيام جريمة الاغتصاب: أولا الاتصال الجسدي، ثانيا المغتصب هو من يقوم بالإيلاج، وثالثا تتم العملية دون رضا الضحية.

غير أن الجريمة التي نتحدث عنها تتم عن بعد دون اتصال جسدي بين الجاني والضحية وهذه الأخيرة هي التي تقوم بفعل الإيلاج.

ومن ثم، لا يمكن من الناحية المبدئية توصيف جريمة الاعتداء الجنسي التي تتم عن بعد على أنها جريمة اغتصاب.

ب- تعريف جريمة الاغتصاب عن بعد

في هذه الجريمة، يطلب الجاني من قاصر أن تتعرى أمام كاميرا الويب وأن تقوم بممارسات ذات طبيعة جنسية وتمكينه من الصور أو التسجيلات التي توثق ذلك.

بعد ذلك، يجبر الجاني الضحية على القيام بإيلاج جنسي ذاتي (auto-pénétration sexuelle) أمام الكاميرا تحت التهديد بنشر الصور أو الفيديوهات الإباحية التي في حوزته.

نفهم من تعريف جريمة الاغتصاب عن بعد أن لها خاصيتين: أولا ليس هناك اتصال جسدي مباشر بين الجاني والضحية، وثانيا الضحية هي من تقوم بالإيلاج وليس الجاني.

السؤال الذي يطرح هو التالي: هل يمكن تطبيق النص الذي يجرم الاغتصاب التقليدي على الاغتصاب الذي يتم عن بعد دون الاتصال الجسدي بين الجاني والضحية ودون أن يكون الجاني هو من قام بالإيلاج؟

من البديهي أن الجواب سيكون بالنفي على اعتبار أن شروط تطبيق النص الذي يجرم الاغتصاب التقليدي غير متوافرة في هذه الجريمة.

غير أن القضاء البلجيكي وبعده الفرنسي كان لهما رأي آخر في توصيف هذه الجريمة على أنها جريمة اغتصاب.

ثانيا: نحو تجريم الاغتصاب عن بعد؟

لأسباب موضوعية سنتحدث عنها، استطاع القضاء البلجيكي تطبيق النص المجرم للاغتصاب التقليدي على جريمة الاغتصاب عن بعد (إكراه الضحية على الإيلاج الذاتي من خلال كاميرا الويب على مواقع التواصل الاجتماعي).

هذه الأسباب الموضوعية هي التي خانت النص المغربي في صياغته الحالية وحالت دون إمكانية تطبيقه على هذا النوع المستحدث من الاغتصاب.

أ- القضاء البلجيكي

أدانت الغرفة الرابعة والخمسون لمحكمة الجنح ببروكسيل في حكم لها صادر بتاريخ 25 سبتمبر 2018 بجريمة الاغتصاب شخصا أجبر تحت التهديد قاصرا على مواقع التواصل الاجتماعي بالإيلاج الذاتي أمام كاميرا الويب.

وتتلخص هذه القضية في أن الجاني الذي يبلغ من العمر 25 سنة أجبر فتاة قاصرا على القيام بإيلاج جنسي ذاتي (auto-pénétration sexuelle) أمام الكاميرا تحت التهديد بنشر صور وفيديوهات فاضحة لها في حوزته.

ما يمكن ملاحظته في هذه النازلة هو إدانة الجاني بجريمة الاغتصاب على الرغم من عدم الاتصال الجسدي بينه وبين الضحية، وعلى الرغم من أنه ليس هو من قام بالإيلاج الجنسي.

ما يمكن ملاحظته كذلك في هذا الحكم هو أن المحكمة استنتجت غياب موافقة الضحية من الإكراه الذي مارسه الجاني عليها تحت طائلة نشر الصور الإباحية التي تظهر فيها.

حيث اعتبرت المحكمة أن: “المتهم أجبر الضحية عن طريق الإكراه المعنوي… بحيث لم يكن أمامها بد من الاستجابة إلى رغبته في قيامها بالإيلاج الذاتي، وذلك من أجل تفادي نشر الصور ذات الطبيعة الجنسية الخاصة بها”.

وأضافت المحكمة أنه: “يتعين بالتالي ملاحظة أن الضحية لم توافق على الإيلاج الجنسي الذاتي الذي فرضه عليها الجاني بحيث اجتمعت كل العناصر المكونة لجريمة الاغتصاب”.

نلاحظ أن المحكمة البلجيكية اعتبرت أن الأمر يتعلق بجريمة اغتصاب على الرغم من غياب أي اتصال جسدي بين الجاني والضحية، وعلى الرغم من أن الجاني ليس هو من قام بفعل الإيلاج.

السؤال الذي يطرح هو التالي: لماذا استطاع القضاء البلجيكي دون إشكال تطبيق النص التقليدي للاغتصاب على الاغتصاب عن بعد؟

الجواب يكمن في الصياغة الذكية للمادة 375 من القانون الجنائي البلجيكي المجرم للاغتصاب التقليدي الذي ينص على أن: “كل إيلاج جنسي، كيفما كانت طبيعته وكيفما كانت الوسيلة، يمارس على شخص لم يبد موافقته على ذلك، يعتبر جريمة اغتصاب”.

«Tout acte de pénétration sexuelle, de quelque nature qu’il soit et par quelque moyen que ce soit, commis sur une personne qui n’y consent pas, constitue le crime de viol».

نفهم من هذه المادة أن جريمة الاغتصاب التقليدية ترتكز على عنصرين: فعل الإيلاج الجنسي على إطلاقه (أي ليس بالضرورة عن طريق إيلاج عضو الجاني الذكري في محل الوطأ الشرعي للضحية كما نفهم ذلك من النص المغربي)، وغياب رضا الضحية.

في ما يتعلق بفعل الإيلاج، فيمكن تفسيره حسب منطوق النص المذكور بشكل واسع على أنه أي فعل إيلاج كيفما كانت طبيعته وكيفما كانت الوسيلة (العضو الذكري للجاني أو أية وسيلة أخرى) المهم هو أن يكون الإيلاج ذا طبيعة جنسية.

أما في ما يتعلق بغياب رضا الضحية، فهناك فرضيات يفترض فيها القانون غياب هكذا رضا مثل استخدام الجاني للعنف أو الإكراه (كما في نازلتنا)، أو الحيلة أو بسبب الحالة التي تكون عليها الضحية عند ارتكاب الجريمة.

نخلص إلى أن الصياغة الذكية والواسعة للنص البلجيكي المجرم للاغتصاب التقليدي، هي التي تفسر إمكانية تطبيقه على الاغتصاب الذي يتم عن بعد.

ويعود ذلك إلى أن المشرع البلجيكي، عكس المغربي وحتى الفرنسي، لم يشترط صراحة من جهة أن تكون وسيلة الاغتصاب هي العضو الذكري للجاني، ولم يشترط من جهة أخرى أن يكون فعل الإيلاج من فعل الجاني.

هذا يعني أن الإيلاج كعنصر مادي لجريمة الاغتصاب يمكن أن يتم بأي وسيلة كانت، كما يمكن أن تقوم به الضحية نفسها وليس بالضرورة الجاني.

صياغة المادة المذكورة أتاحت للقضاة في هذه النازلة إمكانية اعتبار أن العناصر المكونة لجريمة الاغتصاب متوافرة في جريمة الاغتصاب التي تمت عن بعد.

هذا الأمر يدفع بنا إلى التساؤل عن قدرة النص المغربي المجرم للاغتصاب التقليدي على التطبيق على جريمة الاغتصاب عن بعد أو الاغتصاب السيبراني.

ب- صعوبة الأمر في القضاء المغربي

يشترط الفصل 486 من مجموعة القانون الجنائي المغربي الذي عرضناه سابقا، بشكل واضح، من جهة اتصالا جسديا بين الجاني والضحية، ومن جهة ثانية إيلاج عضوه الذكري في محل الوطأ الشرعي.

هذا يعني أن الجاني هو الذي يقوم بفعل الإيلاج وليس الضحية كما في جريمة الاغتصاب عن بعد.

إذن، حسب نص القانون الجنائي المغربي الحالي، فإن فعل إجبار الضحية عن بعد على الإيلاج الذاتي أمام كاميرا الويب لا يمكن توصيفه على أنه جريمة اغتصاب.

في حين أن صياغة النص البلجيكي هي التي سمحت لمحكمة بروكسيل أن تعتبر أن من أعطى الأمر بالإيلاج (le commanditaire) كمن قام به بالفعل، وبالتالي يعتبر مرتكبا لجريمة الاغتصاب.

خاتمة:

يعتبر هذا الحكم غير المسبوق نقلة نوعية في تعامل القضاء المقارن مع جريمة الاغتصاب عن بعد المستحدثة.

ويعتبر موقف القضاء البلجيكي هذا محاولة منه لأخذ بعين الاعتبار تطور جريمة الاغتصاب التي بدأ جزء مهم منها يتم عن بعد على مواقع التواصل الاجتماعي، وليس عن طريق الاتصال المباشر بين الجاني والضحية.

لذلك، ندعو إلى إعادة صياغة النص المغربي المجرم للاغتصاب (الاغتصاب التقليدي) بشكل يسمح للقضاء بإمكانية تطبيقه على هذا النوع المستحدث من الاغتصاب (الاغتصاب عن بعد).

ويعود ذلك إلى أنه على الرغم من أن جريمة الاغتصاب عن بعد يمكن وصفها بأنها جريمة افتراضية (Virtuelle) إلا أن أثارها النفسية على الضحية تبقى آثارا حقيقية (Réelle) على الرغم من غياب الاتصال الجسدي بين الجاني والضحية.

في الأخير، ندعو إلى إعادة النظر في العديد من المفاهيم الجنائية التقليدية التي لم تعد متناسبة مع التطور الكبير الذي عرفته الجريمة الإلكترونية التي بدأت تنتقل تدريجيا من الفضاء المادي إلى الفضاء السيبراني الذي أصبح واقعا لا يمكن لأي أحد تجاهله.