قضايا

سلوك المواطنة و"شرع اليد"

سعيد بنيس

هناك نزوع مجتمعي لدى المواطنين إلى تعويض سلطة الدولة وأنهم كأفراد أو مجموعات يمكنهم أن "يأخذوا حقهم بأيديهم". وهذه النزعة فيها إيحاء بالعنف لأن اليد ترمز إلى أداة لتعنيف الآخر الذي سقط في الخطأ. كما أن "شرع اليد" ليس شرعا مكتوبا عند موثق أو قاضي، وإنما هو من وحي وشرع الفضاء الذي تجري فيه الأحداث، ويتميز هذا الفضاء بأنه فضاء مفتوح وله تداعيات غير محمودة يمكن أن تؤدي في بعض الحالات إلى جريمة القتل. وهذا ما توحي به بعض الحالات لا سيما في المجال القروي التي أثبت قيام الجماعة بمعاقبة الجاني أو اللص عند ضبطه وتعريضه ل "شرع اليد" حيت العقاب والعقوبة تكون جماعية وتبعاتها وخيمة. 

 فسلوك "أخذ الحق باليد" كان عرفا يمارسه الكثير من أفراد المجتمع دون اللجوء إلى مؤسسات القضاء، التي يعتقد أن دورها الأساسي يتجلى في ضبط التماسك الاجتماعي والحفاظ على التعايش بين الأفراد لا سيما أن ممارسة شرع اليد تبنى على مفهوم تراثي لمقولة "الحق" وترتكز على أسس العصبية والانتماء. وهذا التمثل يؤدي إلى دفع الأفراد والجماعة إلى ممارسة الانتقام والتقتيل والتنكيل والرجم كتعبير عن صلابة رابط الانتماء ومتانة الهوية. 

 فإذا كان شرع اليد في المجال القروي في غالبية الوقائع يطبق ويوجه ضد الآخر الذي ارتكب ظلما أو تعديا على شخص ما فإنه في المجال الحضري يصبح موجها كذلك نحو الذات والانتقام منها بدل الآخر المعتدي حيث هناك من يقيم "شرع اليد" على نفسه فيقوم مثلا بحرق جسده أو إيذاء جسمه بمواد سامة أو أدوات حادة كالشفرات أو السكاكين ... وكلا الصنفين من شرع اليد (تجاه الآخر أو تجاه  الذات )  ينتجان عن عدم استيعاب الفرد والجماعة لمواطنتهم التي من أدوارها ضمان الحفاظ على أساسيات العيش المشترك والحق في الحياة. لهذا أصبح من الضروري إشاعة ونشر ثقافة وسلوك المواطنة التي ترتكز على دور المؤسسات في تثبيت وترسيخ ثنائية الواجبات والحقوق بمنطق متساوي.