قضايا

ابتسامة عريضة .. لبريد الغد

أمين حلي (الكاتب الوطني للنقابة الوطنية المستقلة للبريد)

بداية لابد أن نتقدم بخالص التعازي و عبارات المواساة للأسرة الصغيرة و الكبيرة في فقدان زميلنا مستخدم خلية التوزيع بواد زم ، راجين من الله أن يتجاوز عنه و أن يشمله بمغفرته و رحمته و إنا لله و إنا إليه راجعون .

إن ما نعيشه اليوم من وضعية احتقان و سخط عارم كشغيلة بريدية ، ثارة معبر عليه و ثارة مهموس به و غالبا متستر عليه في النفس و الخاطر وذلك هو الأمر الخطير - إلا من نُعِم عليهم طبعا- ما هو إلا نتيجة حتمية لسياسات و استراتيجيات فاشلة ، فاشلة لأنها لم تأخذ بعين الإعتبار العامل رقم واحد في معادلة أي تطوير أو تنمية أو تصور مستقبلي ، ألا و هو العنصر البشري .

تفسيرا لذلك ، فلا حرج  أن نأتي على بعض المعطيات التي تبين بالواضح الفاضح أن آخر شيء يتم التفكير في الإستثمار فيه من طرف إدارتنا الموقرة هو العنصر/الرأسمال البشري ، بحيث نجد أن في ظرف سنتين فقط أي السنة الماضية و هاته السنة كلفت أو ستكلف خزينة المؤسسة ثلاث صفقات فقط (السيارات الكهربائية + صفقة المعقمات + الدراجات ااكهربائية )ما يناهز 47 مليون درهم (الثالثة في الطريق) ، هذا الرقم باحتساب سنة واحدة فقط من تكلفة صفقة الكراء الطويل الأمد للسيارات الكهربائية -تكلفة سنوية تقدر ب 5,3 مليون درهم و هي جاثمة بمكانها- ، الصفقة التي كانت تحت اشراف الوزارة الوصية و التي إلى حدود كتابة هاته الأسطر لازال اسم الشركة التي رست عليها مجهولا ، أما فيما يخص الصفقة الحدث ، أي تلك الخاصة بالمعقمات الكوفيدية و التي ناهزت 24 مليون درهم فقد علمنا أن الشركة المحظوظة ليست سوى شركة م.م يوجد مقرها الاجتماعي بإحدى الفيلات بحي الرياض و لا يتعدى رأسمالها 100000 درهم !!! هذا في انتظار يوم غد موعد فتح أظرفة صفقة الدراجات الكهربائية لنعرف الكلفة الإجمالية و الشركة الفائزة بها .

في خضم هذا كله ، وفي تراقص متناغم و فظيع للأصفار التي تزين يمين أعداد هاته المبالغ الإجمالية للصفقات -مع استحضار مسألة أن ذلك يندرج في إطار المخطط الوطني للتنمية المستدامة و " الدولة النموذج " و.و.و...، صار لزاما علينا أن نطرح السؤال ؛ إذا كانت إدارة بريد المغرب صرفت كل هاته المبالغ على وسائل العمل فقط ، ماذا وضعت كتصور/استراتيجية أو ما هي المبالغ إن صح القول التي رصدت قصد تأهيل العنصر البشري ؟؟ ما هي الإجراءات/البرامج التي قامت بها إدارة بريد المغرب الكل أو مديرية الموارد البشرية الجزئ أو مصلحة bien être المتجزئ من أجل النهوض و تحسين أوضاع البريديات و البريديين؟؟ طبعا ستبقى هاته الأسئلة معلقة إلى حين أن يسمح أحد القابعين بالبرج العاجي لنفسه بالنزول لمستوانا -حسب تصورهم طبعا- و مدنا بإجابات شافية و كافية بهذا الخصوص هذا إن وجدت ، أو كاحتمال ثاني أن ينبعث أحد الخيوط الثلاثة ( انظر الصورة ) من رماده كطائر فنيق ليتحفنا بتراتيل خطابه المبعثر و المؤدى عنه طبعا بسلاليم جزافية تدخل في باب الريع .

إن الوضع اليوم يحثم على الجميع ، و الجميع هنا تعود على مسؤولي القطاع ، بإيلاء الأهمية القصوى للعنصر البشري ، فجميل ما نراه اليوم من دورات تكوينية و فيديوهات ترويجية لها قادمة لنا من مدينة إفران بجوها الهادئ و بأسدها الذي لم و لن يزأر أبدا ، لكن الأجمل هو إن وجهنا البوصلة نحو العامل الأساس و المعامل رقم واحد في معادلة بريد الغد، ألا وهو صلة وصل المؤسسة و زبنائها و الحديث هنا عن فئة الموزعين و أعوان الشباك و من هم في واجهة الحدث . كيف ذلك ؟

إن فئة الموزعين و أعوان الشباك يجب أن لا تستثنى من أي خارطة طريق أو خطة عمل ، لا و بل يجب أن تكون هي النواة الصلبة و الأساسية لذلك ، من أجل هذا صار لزاما على إدارة بريد المغرب متمثلة في مصلحة bien être أن تلعب الدور الحقيقي الذي من المفروض أن تكون هاته المصلحة وجدت من أجله - اللهم إن كان هناك غاية أخرى - ألا وهو العمل على الجانب النفسي و المعنوي و الاجتماعي لفيلق المقدمة ؛ فلم لا نرى خلق خلية استماع للمشاكل اليومية المتعلقة بظروف العمل لهاته الفئة ؟؟ لمذا لا نرى زيارات متكررة للمراكز و الوكالات من طرف المساعدين الإجتماعيين التابعين للمؤسسة على غرار المدققين و المراقبين و مراقبي المراقبيين و و و ؟؟ ثم هل يقتصر دور المساعدة الإجتماعية بالحضور فقط بمعية طبيب الشغل في زياراته الدورية ؟؟ أ لا يمكن أن نتحدث عن " مؤسسة بريد المغرب للأعمال الإجتماعية " تشرف عليها هاته المصلحة يكون هدفها النهوض بالشق الإجتماعي للشغيلة و إعادة الروح لهذا الركن المتغيب في ظل غياب/تغييب إن لم نقل موت الجمعية ؟؟ و منه يصبح على الأقل دور هاته المصلحة واضح المعالم لدى عموم البريديين و البريديات ، أ ولا تستحق المرأة البريدية ظروف اشتغال أحسن و تقدير و اهتمام غير ذلك الذي اختزلتموه في علبة وردية تهدى لها في كل الثامن  من مارس ؟؟  

لكن قبل هذا كله يجب إبداء حسن النية من طرف الإدارة ، حسن نية متمثل في الوفاء بالوعود التي قطعتها على نفسها تأتي في مقدمتها طبعا الزيادة في العنصر البشري لتخفيف الضغط الحاصل بمواقع الإنتاج ، الناجم عنه أمراض عضوية و نفسية بالجملة ، كذلك الزيادة في الأجور ابتداء من يناير المقبل و العمل على إيجاد حلول وسطية لبعض المشاكل الفئوية التي لازالت عالقة  ، هذا إن أرادت الإدارة فعلا نزع فتيل التوثر و خلق جو إيجابي للعمل أساسه الإنصاف و المصالحة .

بالعودة لِ " أصحاب السحت " أو أصحاب الخيوط الثلاثة ( انظر الصورة مرة أخرى ) فلم نعد نرى لهم وجود كما السابق ، فمنذ إحدى ليالي الإضراب المفتوح أو بالأحرى ليلة وأده ، و في الوقت الذي كان فيه كل البريديات و البريديين على أعصابهم ينتظرون رابط ذلك الإجتماع الليلي لمعرفة مآل معركتهم البطولية ، ظهر علينا " الأخ الأكبر " مستلقيا على سريره و هو يخاطب الجموع بكل برودة نفس و دم بأن نائبه سيتكلف بتلاوة ما تيسر من خيوط اتفاق العار و كأنه بونبارت زمانه ، فمنذ ذلك الحين لم نعد نرى له وجود و كأن سريره قد ابتلعه ، كما أننا نتسائل أين اختفى من كان يتوعد باحراق " الكوزينة " فلا ظهور فعلي  له في المشهد منذ المباشر الشهير على صفحته الفيسبوكية ، وهو الذي حرص فيه على توظيف سينوغرافيا معرفية قومية معتمدا بالأساس على العلم الشريف لفلسطين كخلفية ، ما أحالنا انذاك بتشبيهه بالراحل صائب عريقات كبير المفاوضين الفلسطينيين - المفاوضات التي لم تسترجع من خلالها فلسطين ولو شبرا واحدا من أراضيها المغت$بة- و الذي كان في الوقت نفسه أحد أبرز مالكي أسهم الشركة التي شيدت جدار الفصل العنصري/العار بين قطاع غزة و الضفة الغربية باسمنت مصرية و سواعد أردنية   في تجسيد واضح لمقولة "يأكل مع الذئب و يبكي مع الراعي " ؛ فمنذ ذلك المباشر لم نعد نستأنس بقفشاته " اللي مدخلتش ليا لقلبي قبل خاطري " على حد تعبيره ذات مرة ، هذا طبعا دون نسيان السيد المستشار البرلماني الذي هو كذلك لم يشهد له وجود منذ كبسولة " كيف تصوت على نقابتنا العتيدة " و قبلها حين قطر الشمع على " رفيقه " كونه استفاد من سلاليم جزافية دون وجه حق مبديا أنذاك تعففه عنها و مبرءا ذمته منها و من سحتها .

لكن الأمر الذي يدعو للتساؤل هو ماهي معايير التقييم الخاصة بالمستفيدين من التفرغ النقابي ؟؟ أليس الأجدر أن يعملو على تنشيط و تأطير ندوات ، دورات تكوينية  ، حملات تحسيسية... في صفوف مناضلي نقاباتهم ليوضحوا لهم بالبيان و البرهان ما لهم و ما عليهم في ظل القانون الأساسي الجديد كما يزعمون ؟؟ و تكون هاته الأنشطة مدرجة كمعيار تقييم بالنسبة لهم أم أن معيار التقييم الخاص بهم حسب أولياء نعمتهم هو الدخول في العدم من أجل إثبات الوجود ؟! لمذا الكل مقيد بأهداف قد تصل في بعض الأحيان لنسبة 99% إلا هؤلاء فوحدها 0% كفيلة بمنحهم الإرتقاء بميزة مشرف جدا ؟!!.

في الختام ، لابد من توجيه النداء لكل البريديات و البريديين ، إن من يتصور بأن تغيير الوضع الراهن هو بالشيء السهل و الهين فهو مخطأ و عليه مراجعة حساباته ، لكنه ليس بمستحيل بل يبقى متوقف علينا جميعا و رهينا بمدى قدرتنا على التضحية من أجل ذلك دون اتكالية ، فأشياء كالغبن و التدليس و الإكراه تولد الإحساس ب"الحكرة" و هذا الأخير يجب أن يولد كنتيجة حتمية قومة و نضالا لا رجوع منه إلا بعد تحييد/إزالة كل مسبباته ، و كما لم يقل  الشاعر من قبل :

ارحموا ضعفنا و هواننا 

و لا تتلذذوا بتعذيب آمالنا

فوالله لولا تقاعس من حسبناهم مننا 

لكان الأمر لنا و من لدننا

و لاتحسبن الأمر حسم و نمنا

 فمن بين ظهرانينا من سيعيد قومتنا .