فن وإعلام

دور المغرب في توطيد الروابط الدينية مع إفريقيا.. أربعة أسئلة للأستاذ بمؤسسة دار الحديث الحسنية، عبد الرحمان غريوة

كفى بريس: (أجرى الحوار: حسين الحساني)

يسلط أستاذ التعليم العالي بمؤسسة دار الحديث الحسنية، عبد الرحمان غريوة، في حوار مع وكالة المغرب العربي للأنباء، الضوء على طبيعة العلاقة الروحية بين المغرب وإفريقيا وإسهام مبادرات المملكة في تعزيز الروابط الدينية مع القارة، ومساهمة الطرق الصوفية في تعزيز البعد الروحي للمغرب بإفريقيا، وذلك على هامش الندوة الدولية الرابعة التي نظمتها المؤسسة، يومي 24 و25 ماي الجاري بالرباط، حول موضوع “الإسلام الإفريقي أو إفريقيا المسلمة”.

1- كيف ساهمت مبادرات المغرب في تعزيز الروابط الدينية مع القارة الإفريقية؟

لا يخفى ما بين المغرب وإفريقيا من علاقات روحية متينة ضاربة في عمق التاريخ منذ وصول الإسلام إلى القارة الإفريقية. ولعل ما أسهم في ترسيخ هذه العلاقة وتوطيدها وحدة المرجعية الروحية والدينية التي تجمع بين المغرب وإفريقيا، والتي تتمثل في المذهب المالكي والعقيدة الأشعرية والتصوف السني الجنيدي.

وقد تعززت هذه العلاقة في السنوات الأخيرة، بسلسلة من المبادرات الدينية غير المسبوقة، أبرزها إحداث مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، بمبادرة سامية من صاحب الجلالة الملك محمد السادس. إذ تهدف هذه المؤسسة إلى توحيد جهود العلماء الأفارقة والمغاربة للتعريف بقيم الإسلام السمحة وترسيخها، وإقامة المراكز والمؤسسات الدينية والعلمية والثقافية وإحياء التراث الأفريقي الإسلامي المشترك.

ومن المبادرات التي عززت هذه العلاقة أيضا، المشروع الديني الكبير الذي أرست المملكة المغربية دعائمه منذ سنوات، والمتمثل في إنشاء معهد محمد السادس لتكوين الأئمة والمرشدين والمرشدات بالرباط. إذ تشرف هذه المؤسسة الدينية، فضلا عن رسالتها المتمثلة في تكوين الأئمة والمرشدين وتأهليهم، على تكوين أفواج من أئمة كثير من البلدان الإفريقية.

وقد أسهمت هذه المبادرات ومثيلاتها في إرساء قواعد متينة للفضاء الديني في إفريقيا، وفي التمكين لإسلام وسطي يراعي الخصوصية الإفريقية، ويعترف بالتنوع الذي يميز المجال الأفريقي الواسع. ولعل إعلان السلام الموسوم بإعلان أبيدجان، الذي كان من ثمرات تعاون مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة مع شركائها في إفريقيا، يجسد هذه القواعد التي تؤكد على العيش المشترك وصيانة أمن المجتمعات وكذا على ضرورة التعاون لحل العديد من الأزمات التي تشهدها القارة.

2 – كيف تساهم الطرق الصوفية في تعزيز البعد الروحي للمغرب في إفريقيا؟

تعود علاقات المغرب الروحية بإفريقيا إلى قرون خلت، وذلك بفضل تأثير العديد من الزوايا التي انتشرت فروعها في ربوع القارة، خاصة الزاويتان التجانية والقادرية اللتان عرفتا طريقهما الأول إلى إفريقيا على يد التجار المريدين والرحلات المتعاقبة لشيوخ الطرق بين الأقطار.

لقد اضطلعت الطرق الصوفية في إفريقيا بأدوار مهمة تجلت في السهر على توفير الأمن الضروري لحركية الاقتصاد. كما اضطلعت بأدوار ثقافية تتجلى أساسا في النهوض بالثقافة العربية والحضارة الإسلامية، وتنشيط الممارسة الصوفية، ونشر الإسلام وتخليص القبائل من الوثنية، والسهر على تنظيم بعثات الحجيج وإرسال البعثات العلمية إلى المغرب.

وإلى جانب ذلك، أسهمت هذه الطرق في تعزيز الحضور الروحي للمغرب، ومن مظاهر ذلك ما نراه اليوم من انطباع تدين أهل القارة السمراء بميسم مغربي روحي يركز على السلوك والأخلاق والتربية على الزهد والكرم والتسامح.

ولعل ما أسهم أيضا في تعزيز هذا البعد الروحي هو أن المرجعية الروحية والصوفية للأفارقة جميعا تكاد تكون واحدة، فأغلب ساكنة القارة هم صوفية وأغلبهم تجانيون، كما أن أغلبهم مالكيون فقها وأشعريون عقيدة، مما يشهد على عمق الروابط التاريخية والدينية بين المغرب وبقية بلدان إفريقيا.

3- كيف تكيف الإسلام مع الواقع الإفريقي الذي يتميز بالتنوع العرقي والثقافي والديني؟

تكيف الإسلام في إفريقيا جنوب الصحراء، كما تكيف في غير هذا الفضاء من الفضاءات الجغرافية الأوروبية والآسيوية وغيرها، وذلك باستيعاب كل تشابه أو تقارب مع تعاليمه، ومبادئه وقيمه، والعمل على تكييف المتناقض والمختل منها، بروح وسطية معتدلة (الإسلام السني المالكي) تدعو إلى التعايش مع الشعوب والقبائل الغيرية، والتفاعل الإيجابي معها، مصداقا لقوله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى، وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا. إن أكرمكم عند الله أتقاكم). سورة الحجرات، الآية 13.

4 – ما طبيعة تعامل المسلمين الأفارقة مع التمازج بين الأديان وبين الثقافات المختلفة؟

دخل الإسلام إلى إفريقيا منذ وقت مبكر جدا، لما هاجر مجموعة من المسلمين إلى الحبشة هربا من بطش قريش، لكن الانتشار الواسع للإسلام كان عن طريق حركة التجارة والدعوة التي قادها المتصوفة.

ومن المعلوم أن إفريقيا تتمتع بتنوع ديني وثقافي لافت، حيث تنشر في ربوعها المسيحية والديانات التقليدية فضلا عن الإسلام. ويشير المؤرخون إلى أن تعامل المسلمين الأفارقة مع هذا التنوع ينبني على التعاون والتعايش، الذي رسخته الطرق الصوفية خاصة الشاذلية والتجانية، حيث يحرص المريدون على قيادة مبادرات الصلح بين القبائل، وحل النزاعات القائمة على الاختلاف الديني والعرقي.

ولا بد أن نشير هنا، ما دمنا في معرض الحديث عن العلاقات الدينية والروحية الإفريقية، إلى الدور الروحي الفعال الذي تضطلع به المملكة المغربية في الحد من النزاعات المسلحة في القارة الإفريقية.