قضايا

إن أخطر أنواع البيع هو بيع الوهم

مصطفى الفن

لم يعد السيد عزيز أخنوش، رئيس الحكومة الحالية، يجمع بين السلطة والمال فقط..


السيد عزيز أخنوش أصبح اليوم يجمع بين السلطة والمال وبين كل شيء يتحرك فوق الأرض وبين الصحافة أيضا كسلطة رابعة..

أقول هذا ولو أن الصحافة هي في الأصل ليست سلطة رابعة ولا خامسة.

الصحافة كانت دائما سلطة مضادة لما عداها من السلط حتى لا تتغول هذه السلط الثلاث:

السلطة القضائية، السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية. 

وربما لهذا السبب بالتحديد فإن عدد الصحافيين  في العالم هو عدد قليل جدا جدا حتى وإن بدوا كثيرين..

أغلق هذا القوس وأعود إلى من حيث بدأت لأقول:

إنه ليس سرا أن السيد أخنوش يكاد يصبح اليوم المشغل رقم واحد والناشر رقم واحد في عالم الصحافة والنشر وفي قطاعات أخرى غير الصحافة والنشر..

وهذا الجمع بين كل هذه السلط المتعددة في شخص واحد هو عزيز أخنوش لا يخلو من أخطار محتملة قد تهدد "البنيان" ومعه بنية النسق أيضا مع الوقت ومع تعاقب الليل والنهار..

لأنه ما معنى أن يصبح الجميع يردد بلسان السيد عزيز أخنوش بأن الحكومة الحالية جاءت لتصلح ما أفسدته الحكومات السابقة طيلة عشر سنوات كاملة؟

وما معنى أن يردد الجميع أيضا بأن السيد أخنوش رجل صالح وصاحب نسب شريف وجاء ببرامج غير مسبوقة وبأفكار عميقة وبرؤية شاملة ستحل "تقريبا" كل مشاكل المغرب؟

بل هناك من ذهب أبعد من ذلك ولمح إلى أن رفع شعار "ارحل" في وجه السيد أخنوش هو خيانة عظمى وهو خروج عن الملة وهو كفر بواح يستدعي الاستنابة أو الجلد حتى الموت..

وفعلا فقد تحولت هذه المعاني المضللة إلى ما يشبه "الحقيقة" لدى أجزاء كثيرة من إعلامنا المستقل ولدى جزء من الإعلام الرسمي للبلد أيضا..

بل إن فئات واسعة من المغاربة، وتحت هذا القصف الإعلامي المربوط بمحطات "مازوط" إفريقيا، حصل عندهم ما يشبه "الاقتناع" بأن حكومة السيد عزيز أخنوش ستنقل البلد من وضعه الاقتصادي الحالي إلى وضع اقتصادي آخر أحسن قد نصبح معه "ربما" جزءا من أوربا..

وهذه كلها أوهام وأساطير وأضغاث أحلام في اليقظة ليس إلا..

لماذا؟

لأن المغرب أكبر من أن ينتظر أي شخص لكي ينجز تنميته أو يحقق انتقاله في هذا المجال أو ذاك..

ثم علينا ألا ننسى أننا بلد نعيش بما هو أهم من "الاقتصاد" وهو العيش ب"البركة" ولو أن هذا المفهوم لا يدرس لطلبة الاقتصاد في الجامعات..

نحن لسنا بلدا غنيا لأننا لا نملك بيترولا ولا غازا ولا معادن نفيسة..

والواقع أننا لا نملك سوى إمكانيات مادية متواضعة جدا..

لكننا نملك، ولو في حدود، منسوبا مقدرا من مصداقية بلد ومصداقية دولة ومصداقية مؤسسات دون أن يعني ذلك أننا "قطعنا الواد".

شخصيا أتمنى من حكومة السيد أخنوش أن تفعل شيئا واحدا لا ثاني له وهو أن تحافظ على مستوى عيش المغاربة الذي كان في عهد الحكومات السابقة منذ حكومة الراحل عبد الرحمن اليوسفي..

وهذا سيحسب لها لأن الحفاظ على هذا المستوى من العيش في عهد الحكومات السابقة هو في حد ذاته إنجاز كبير وكاف ويستحق التقدير..

أما إذا نقل السيد أخنوش المغرب من حال إلى حال وحقق كل هذه الوعود الكبيرة وكل هذه الإصلاحات الثورية التي بشر بها في خطابه الانتخابي، فإننا لن نقول لسعادته "برافو" فقط.

بل سنقول له: "عاش السيد عزيز  أخنوش..".

وفي المغرب نحن لا نقول "عاش فلان" أو "عاش علان.."، وإنما نقول "عاش الملك..".

بقي فقط أن أقول: إن أخطر أنواع البيع هو بيع الوهم.

لماذا؟

لأننا لا نملك سلم "ريشتر" جاهزا لنقيس به منسوب "الإحباط" ومنسوب "ردة الفعل" التي قد تصدر عن المغاربة الذين صدقوا السيد أخنوش وصدقوا هذه الأوهام التي أمطرهم بها في حملاته الانتخابية قبل 8 شتنبر الأخير..