قضايا

المغرب وصحرائه في مواجهة "حلف ثلاثي" بقيادة فرنسا!!

عبد القادر الفطواكي

حسم الخطاب الملكي الذي ألقاه الملك محمد السادس بمناسبة الذكرى 46 للمسيرة الخضراء، موقف المملكة المغربية السيادي الراسخ والمرتكز على أن البلاد لن تدخل في أي صفقات تجارية مع الدول التي تتبنى مواقف غير واضحة فيما يخص قضية الصحراء المغربية. نفس الموقف أكد عليه قائد البلاد مجددا خلال خطابه بمناسبة الذكرى الـ69  لثورة الملك والشعب. بعد أن شدد أن قضية الصحراء أضحت بمثابة المنظار الذي تنظر من خلاله المملكة إلى علاقاتها المتعددة مع الدول.

منظار المملكة لم يتأخر كثيرا في رصد مواقف أعداء الوطن والذين ظلوا في المنطقة الرمادية بخصوص ملف الصحراء، وما "مسرحية" الاستقبال الرسمي الذي خص به رئيس تونس قيس سعيد، لزعيم الجبهة الانفصالية لدليل جد ملموس على أن تونس اختارت التخندق في صف الدول القليلة التي تدعم رواية جنرالات الجزائر والمعادية للمغرب ولوحدة الترابية، ومقياس لحجم الألم الذي أصبح يوجع به المغرب خصومه بتحقيقه لانتصارات دبلوماسية واحدة تل والأخرى.

وبتفكيكنا للأحداث التي أعقبت الخطاب الملكي الأخير، فإن زيارة زعيم الانفصاليين لتونس، جاءت متزامنة مع زيارة الرئيس الفرنسي "ماكرون" للجزائر، وهو سيناريو يبدو أن الحلفاء خطط له سابقا، سبقه ترويج سيء النية لفيديو مفبرك حاول النيل من حظوة وصورة ملكنا ومكانته الرفيعة في قلوب المغاربة وإمارة المؤمنين. من هنا نستنتج أن المغرب أصبح في مواجهة تحالف ثلاثي جزائري- تونسي تقوده فرنسا سيعمل جاهدا إلى إطالة أمد النزاع المفتعل حول الصحراء المغربية لكبح المكاسب الدبلوماسية والسياسية التي حققتها وتحققها بلادنا.

مكافأة "الإليزيه" لتونس لم تتأخر كثيرا، بعد أن أعلن وزير الداخلية الفرنسي "جيرالد دارمانان" أمس الأربعاء أن بلاده قررت إعادة إصدار التأشيرات إلى "النسق الطبيعي"، وذلك بعد نحو سنة من تشديد ضغوطها للراغبين في زيارة فرنسا. وهو معطى لا يقلّ أهمية يكشف أن المملكة قد دخلت مرحلة الحاسم فيما يتعلق بتسوية ملف الصحراء المغربية، بعد أن أيقنت فرنسا بأن المغرب أضحى يتوفر على كافة الوسائل للانسلاخ تبعية فرنسا الإمبريالية وقدرته على استعادة توهجه التاريخي بالمنطقة العربية والقارة الإفريقية إن هو أنهى نزاع الصحراء المغربية لصالحه.

فرنسا تعلم مما لا يدع مجالا للشك، أن النظام الذي تنبني عليه السياسية بالمغربي متين للغاية رباطه البيعة بين الشعب وملكه ونظامه عبر التاريخ، عكس النظام الهش بكل من الجزائر وتونس حيث حيث تغيب الشرعية وهو ما يبرر حاجتهما للدعم الفرنسي إن إراد حاكمهما البقاء في سدة الحكم.

لذا فإن زيارة "ماكرون" الأخيرة للجزائر، هي خطوة تدل على أن فرنسا حسمت موقفها على أن فرنسا اختارت معسكرها الثلاثي مع كل من الجزائر وتونس، وهي الدولتان اللتان حرصتا على تقديم فروض الطاعة والولاء لفرنسا، ومساعدتها في تقوض كل الجهود التي تروم إيجاد حل ملف الصحراء وإحراج مشروع المغرب الكبير من غرفة الإنعاش التي يرقد بها.

لقد نجحت الجزائر في العزف على الوتر التونسي الاقتصادي الحساس وإحساس قيس بأن شرعية السياسية في مهب الريح، عندما زار الرئيس التونس الجزائر في فبراير من سنة 2020 بعد انتخابه رئيساً لتونس. حيث ضخ قصر"المرادية" خلال تلك الزيارة الملغومة ما مجموعه 150 مليون دولار في البنك المركزي التونسي، مع منح تسهيلات لتونس في الأداء للحصول على الغاز الجزائري المسيل للعاب عدد من الفاعلين بالمنطقة. رد الجميل الجزائري لم يتأخر كثيرا، حيث قررت تونس الامتناع عن التصويت لصالح قرار مجلس الأمن حول الصحراء في شهر أكتوبر الماضي. وكعربون محبة بين قائدي البلدين زار الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، بدوره تونس في دجنبر من سنة 2021، حيث قررت الجزائر منح تونس المتأزمة وضعيتها الاقتصادية قرض بقيمة 300 مليون دولار.

أحست فرنسا بأن مصالحها السياسية والاقتصادية مع المغرب أصبحت مهددة أكثر من أي وقت مضى، بعد الاعتراف الأمريكي الأخير بمغربية الصحراء وافتتاح القنصليات المتعددة بأقاليمه الجنوبية بالإضافة إلى نجاح المملكة في التغلغل في عمقه الإفريقي. زيادة على الفترات المتقطعة من الاحتقان بين باريس والرباط منذ سنة 2014 أظهر خلاله المغرب عن رغبته من الانعتاق من فرنسا الفرنسية. وهي عوامل وآخرى جعلت علاقة فرنسا مع المغرب علاقة باردة بفتورناعم، وجعلها تراهن على حلف "خاسر"، بعدما سئم المغرب من نفاق ووعود فرنسا المعسولة والتي جعلت موقف الشريك الاقتصادي للمملكة مخزي وضعيف للغاية.